الطائفة الإنجيلية

الحضور الانجيلي في مصر بقلم الدكتور القس / اندريه زكي اسطفانوس.

في ديسمبر 1850 صدر الفرمان الهمايوني الذي يعتبر الكنيسة المشيخية في مصر كنيسة معترف بها بجوار الكنيسة الأرثوذوكسية والكنيسة الكاثوليكية، ولكن قبل هذا بأعوام كان المبشرون يعملون بجد واجتهاد للوصول لكل مكان في مصر للتبشير برسالة الأخبار السارة في كل أنحاء مصر.
وكانت الرسالة المقدمة من المبشرين مؤسسة على بعض المبادئ اللاهوتية والإيمانية التي جاءت نتيجة لحركة الإصلاح في القرن السادس عشر، التي أحيت بدورها فكر وحياة ومبادئ الكنيسة في القرون الأولى. هذه الحركة حررت البشر من سلطة رجال الدين والكهنوت وحررتهم من الوهم والخرافة وعبودية السلطة وقدمت رؤية صحيحة للعالم والكون.
وهذا ما فعلته رسالة المبشرين في مصر بعد ثلاثة قرون من الإصلاح. إذ حين جاءت هذه الحركة مصر وآمن بها بعض المصريين وتجذرت في وعي الجماعة واعترف بها المجتمع، أحدثت حراكًا لاهوتيًا وثقافيًا واجتماعيًا ليس في مصر فقط بل والشرق الأوسط أيضًا.

التعليم:

ومنذ اللحظة الأولى للكنيسة الإنجيلية في مصر اتخذت خطوات رائدة نحو التصالح والاقتراب من المجتمع المصري، والانغماس في قضاياه ومشاكله، ومن ثم وضعت الكنيسة على عاتقها دور العمل الاجتماعي والتنموي بجانب الدور الروحي واللاهوتي.

وحيث أن مشكلة التعليم كانت المشكلة العظمى آنذاك فقد كان التعليم جزءًا لا يتجزأ من إرسالية الكنيسة الإنجيلية في مصر، ويرجع الفضل للكنيسة الإنجيلية في إقامة أول مدرسة للبنات في "حارة السقايين" بالقاهرة في يونيو 1860 كما أقامت كلية رمسيس للبنات سنة 1910 والتي تعتبر أكبر مدرسة لغات للبنات في مصر.

أثناء سنوات الاحتلال البريطاني في مصر – جنبًا إلى جنب مع مقاومة الاحتلال وتحرر مصر منه – ظهرت حركة تقدمية للتحرر من الجهل والاستعباد للتقاليد التي تعوق التقدم، وهكذا أٌنشِئَت بعض المدارس الابتدائية في مدن مختلفة بالمحافظات المصرية. ومن تلك الهيئات التي اسهمت في التعليم في مصر وقتئذ جماعة الإرساليات الأجنبية ومنها الإرسالية التابعة للكنيسة المشيخية بأمريكا وهي جماعة اهتمت بالتعليم وأنشأت أول مدارسها عام 1860 بالقاهرة، وسرعان ما نجحت نجاحًا كبيرا دفع المسئولين عنها إلي إنشاء غيرها من المدارس في انحاء كثيرة في مصر. ثم أقامت الكنيسة الإنجيلية أقدم مدرسة في صعيد مصر في مارس 1865، وهي كلية أسيوط الأمريكية. وفي السنوات الاخيرة للقرن التاسع عشر أُنشِئت كلية رمسيس للبنات تحت اسم كلية الإرسالية الأمريكية للبنات، ثم تحول اسمها إلى الكلية الأمريكية للبنات، وفي عام 1967 ولأسباب سياسية تغير اسمها إلى كلية رمسيس للبنات، نسبة إلي الشارع الذي تقع فيه الكلية. وقد احتفلت الكلية بالتدشين الرسمي عام 1910 بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق "تيودور روزفلت". أنشأت الكلية عام 1968 معهدًا للإدارة والسكرتارية تابعًا لوزارة التعليم العالي مدة الدراسة فيه سنتان، وهو يعد خريجاته لأن يعملن في المجالات الإدارية المختلفة ويقدم لطالباته المواد الدراسية والعملية التي تحتاجها المكاتب والمؤسسات في السكرتارية والإدارية.

وهناك مدارس تنشئها الكنائس المحلية كما أن هناك اهتمامًا بتعليم المعاقين والصم والبكم وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة. كما اهتمت الكنيسة برعاية الطلبة وأقامت لهم دورًا لسكناهم في القاهرة والإسكندرية وأسيوط والمنيا والفيوم وغيرها.

انتقلت المسئولية الإدارية لإدارة كلية رمسيس للبنات وغيرها من مدارس الإرسالية الأمريكية ورعايتها عند تطبيق قانون تمصير تلك المدارس في الستينيات إلى هيئة سنودس النيل الإنجيلي، لتتابع هذه المسيرة متوخيه ومهتدية بالمبادئ التي قامت عليها تلك المدارس منذ إنشائها، مع مراعاة متطلبات النمو الزمني والتطور الاجتماعي والتعليمي، ومسايرة النمو في مجالات الاتصال والتكنولوجيا وذلك تماشيًا مع الزيادة العددية التي طرأت علي تلك المدارس وما يتطلبه ذلك من فصول وابنيه جديدة وحني مدارس جديدة. وبهذا نمت تلك المدارس كمًا وكيفًا وأصبحت في صدارة مدارس القطر.

ولم يقتصر الأمر على التعليم ما قبل الجامعي بل امتد لبعد ذلك. ففي عام 1919 قامت الإرسالية الأمريكية في مصر بتأسيس الجامعة الأمريكية بمصر، بدأها تشارلز واطسون ابن القس أندراوس واطسن حيث قام بشراء المبنى القديم للجامعة الأهلية القائم بميدان التحرير بالقاهرة. وقد لعب الدكتور تشارلز واطسن الرئيس المؤسس للجامعة دورًا كبيرًا في رسم الملامح الأولى للأعوام السبع والعشرين الأولى من تاريخ الجامعة، حيث كان يهدف إلى إنشاء جامعة توفر تعليمًا ليبراليًا باللغة الإنجليزية يسهم في بناء قادة المستقبل في مصر والمنطقة من خلال غرس قيم الانضباط إلى جانب تنمية الشخصية القوية والمهارات الفكرية.

محو الأمية:

أيضًا كان للكنيسة دورًا كبيرًا فاعلًا في محو الأمية، وحين بدأت الكنيسة التفكير في إقامة مشروع لمحو الأمية وتعليم الكبار، قامت بدعوة الدكتور فرانك لوباخ الخبير العالمي في محو الأمية لزيارة مصر وعقد حلقة دراسة يعرض فيها طريقته لمحو الأمية، والتي كانت تستعمل في ذلك الحين في 54 دولة وبأكثر من 234 لغة ولهجة، وتتلمذ عليها نحو 50 مليون أمي. وقد مورست تجارب عديدة منذ عام 1947 لتطبيق هذه الطريقة، لكنها باءت بالفشل، وفي ديسمبر 1952 بدأت تجربة قرية "حرز" بمحافظة المنيا، وكانت هذه التجربة تعتمد على التركيز على بيئة واحدة وخدمتها، وعلى رأس الذين شاركوا في العمل في هذه التجربة القس صموئيل حبيب. وقد اقيمت عدة حفلات لتوزيع الشهادات على الذين محيت أميتهم في القرية بواسطة هذه التجربة.

وبعد نجاح تجربة حرز، بدأ التطبيق في قرى أخرى مثل وبدئ في التدريب بعض الكتاب على الكتابة السهلة للمتعلمين الجدد، وتم وضع وتنقيح بعض الكتب لاستخدامها في محو الأمية. وفي مارس 1955 وتم افتتاح بيت محو الأمية بالمنيا. وفي سنة 1960 تم إدماج لجنة محو الأمية مع لجنة النشر المسيحي وشُكلت الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية.

الصحة:

وليس التعليم فقط بل في الصحة أيضًا كان للكنيسة دور هام، إذ بدأت الخدمة الطبية للكنيسة الإنجيلية المشيخية في أسيوط سنة 1870. وأقيم مستشفى أسيوط (المستشفى الأمريكاني بأسيوط والذي تسمى بعد ذلك بمستشفى الإيمان) سنة 1901. وبعد ذلك بعامين تم افتتاح مستشفى طنطا (والذي تسمى بالمستشفى الأمريكي). وفي سنة 1953 تمّ افتتاح المستشفى الإنجيلي، الذي أنشأته الجمعية الخيرية الإنجيلية العامة (وهو يتبع حاليًا المؤسسة العلاجية لمحافظة القاهرة). كما يوجد حاليًا الصرح العملاق ألا وهو المركز الطبي الإنجيلي بالقاهرة.

واهتمت الكنيسة أيضًا بإعداد الممرضات، فافتتحت مدرسة للتمريض بأسيوط سنة 1925 ومدرسة أخرى بطنطا سنة 1949.

التنمية:

كما كان ولازال للكنيسة الإنجيلية دورًا فاعلاً في مجال العمل التنموي عددًا كبير من مؤسسات المجتمع المدني التي لها جذور أنجيلية، ومن اقدمها الجمعية الإنجيلية لخدمة الإنسان التي تأسست عام 1917. والآن في مصر العديد من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني التي لها جذور إنجيلية تعمل في حقل التنمية لخدمة الإنسان بدون النظر للدين أو العرق أو الجنس.

ولا يمكننا حين نتحدث عن العمل التنموي ألا نتطرق لدور الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية وللراحل الدكتور القس صموئيل حبيب الذي أسس الهيئة القبطية الإنجيلية عام 1960، لخدمة الجميع. وتعمل الهيئة حاليًا في أكثر من مائة مجتمع من المجتمعات الفقيرة والأشد فقرًا والعشوائية في ثماني محافظات، في العديد من المجالات التنموية والقروض الصغيرة والمتناهية الصغر، والنشر، ودعم ثقافة الحوار والتعددية. وتصل بخدماتها إلى أكثر من مليوني مواطن مصري بلا تفرقة في الجنس أو الدين.

وقد تعددت أساليب عمل الهيئة عبر رحلتها الطويلة من الزمن، حيث قدمت تجربتها للمئات من الجمعيات الأهلية التي ساعدت على إنشائها والوقوف بجانبها حتى تستطيع أن تقوم برسالتها. أيضا أقامت العديد من البرامج الخدمية مثل برنامج الرعاية بالمحبة لتدريب الشباب على رعاية المرضى والمسنين داخل محال إقامتهم، والذى أستقل حاليًا وأصبح مشروعًا قائمًا بذاته. إلى جانب ذلك تسعى الهيئة جاهدة في إعداد وتدريب قيادات تطوعية داخل المجتمعات التي تعمل بها، وصل عددهم إلى أكثر من خمسة الالاف متطوع ومتطوعة. كل ذلك ساهم في إحداث نقلة نوعية داخل هذه المجتمعات.

لم يقتصر العمل الإنجيلي التنموي في مصر على الدور الذى تقوم به الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، بل أمتد ليشمل إنشاء جمعيات أهلية جديدة البعض منها يتبع الكنائس المحلية، أيضا هناك بعض الكنائس التى تقوم حاليًا بتقديم نماذج مختلفة من الخدمات الاجتماعية لسكان المناطق التي تقع فيها في كل أرجاء مصر.

مجلس الخدمات والتنمية:

وفي هذا الصدد يجب أن نتحدث عن مجلس الخدمات والتنمية التابع لسنودس النيل الإنجيلي، أسسه الدكتور القس صموئيل حبيب عام 1982 للمساعدة في دعم الكنائس الفقيرة والمحتاجة، بالإضافة إلى المساعدة في بناء الكنائس وترميمها، وظل المجلس هكذا حتى عام 2001 حين انتخبت لترأس المجلس، فقمت بنعمة الله بعمل تغيير في سياسة المجلس وهيكلته ليصبح المجلس هو الجناح التنموي والاجتماعي للكنيسة. ليكون عمل مجلس الخدمات هو تقديم الخدمات الاجتماعية والتنموية من الكنائس، من خلال معاونة الكنائس لأن يكون لها دورًا فاعلًا في العمل الاجتماعي والتنموي في الدائرة المحيطة بها.

يتشكل مجلس الخدمات والتنمية من أربعة قطاعات، وهم: قطاع الصحة وقطاع المشروعات الصغيرة وقطاع بناء المهارات وقطاع الخدمات الكنسية.

التنمية الثقافية:

ولم يقف مفهوم التنمية عند هذا الحد بل امتد لنوع لا يقل أهمية ألا وهو التنمية الثقافية. ففي ضوء التحديات التي واجهت العالم، ولاسيما منطقة الشرق الأوسط، خلال العقود الماضية متمثلة في ازدياد حدة التوترات المجتمعية والثقافية والدينية، رأت الهيئة القبطية الإنجيلية ضرورة ان يكون لها مساهمة في دعم ثقافة الحوار داخل المجتمع المصري، وبين الثقافات المختلفة. لذلك، في بداية التسعينيات، تم تأسيس "منتدى حوار الثقافات" كمبادرة – فريدة من نوعها في المنطقة – هدفها دعم التعايش السلمي والايجابي في المجتمع المصري، وترسيخ القيم الايجابية والحضارية والإنسانية مثل قيم المواطنة والتعددية والتسامح والديمقراطية وغيرها.

محليًّا، عمل المنتدى من خلال حزمة من البرامج المتكاملة التي كل منها يستهدف شرائح محددة، وله أهداف معينة، ولكن جميعها يصب في تحقيق الهدف النهائي للمنتدى، ودوليًّا، ونظرًا للتداعيات السلبية التي طرأت على المستويين الإقليمي والعالمي عقب أحداث 11 سبتمبر، فإن المنتدى انتقل للعمل على تعزيز ثقافية الحوار بين المجتمعات والشعوب المختلفة، والمساهمة في بناء جسور من التفاهم المتبادل فيما بينهم، وتعزيز التعايش الايجابي والسلمي بينهم.

وطوال عقدان كاملان، عمل المنتدى مع الالاف – محليًا وإقليميًا ودوليًا – من الشخصيات العامة والسياسيين والنخبة وقادة الفكر ورجال الدين المسيحي، وعلماء الدين الاسلامي وأكاديميين وإعلاميين وناشطي المجتمع المدني، بالإضافة الي الشراكة والتعاون والتشبيك وتبادل الخبرات مع العشرات من المؤسسات المهتمة بدعم ثقافة الحوار محليًا وإقليميًا ودوليًا، فضلا عن بناء قدرات بعض المؤسسات الأخرى وتشجيعها علي تبني قضايا الحوار في أنشطتها.

أيضًا عملت إدارة المناهج بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية على تمكين وإمداد العاملين والمؤسسات الأهلية بمناهج وأدوات تعليمية وتدريبية تعاونهم على إدارة العمل التنموي بأسلوب أفضل وأكفأ من خلال رؤية استراتيجية للعمل، وفى هذا الصدد قدمت الإدارة العديد من الحقائب التعليمية والموارد التعليمة في مجالات مختلفة.

الدور اللاهوتي:

ورغم عظم الخدمات المجتمعية التي تقدمها الكنيسة للمجتمع لم تنس الكنيسة أبدًا دورها اللاهوتي والروحي، فحين جاءت الحركة المصلحة في مصر وجدت الكنيسة نفسها أمام الكثير من العقبات أولها ما أنتجه اصطدام التعاليم اللاهوتية للكنيسة المصلحة بالتعاليم الموجودة في الكنائس التقليدية آنذاك، وأهم هذه المبادئ التي كانت ومازالت تخلق مجموعة من الإشكاليات مثل سمو سلطان الكتاب المقدس وحق كل مؤمن في قراءته وتفسيره فقد رفعت حركة الإصلاح شعار الكتاب وحده كمصدر للتعليم، وهذا ما أثار ويثير إشكالية "الكتاب المقدس والتقليد". وأيضًا الخلاص بالإيمان وحده وليس بالأعمال ومن هنا جاءت إشكالية "الإيمان والأعمال". وأيضًا كهنوت جميع المؤمنين، التي أشعلت إشكالية "الكهنوت الخاص" في الكنائس التقليدية. وغيرها من الإشكاليات.

ولم تواجه الكنيسة المشيخية في بدايتها عائق هذه الإشكاليات فقط، بل كان هنا عائق أكبر ألا وهو عائق القرينة المصرية المتمثلة في اللغة والثقافة، إذ جاء المرسلون ليواجهوا ثقافة شرقية مختلفة تمامًا عنهم، ولغة عربية ظلت بعيدة عن العبادة المسيحية حتى ذلك الحين، فرغم استخدام الكنائس التقليدية للعربية قليلًا في العبادة إلا أن العربية لم تصبح لغة رسمية للعبادة في أي من الكنائس المصرية.

وهنا اتخذت الكنيسة المشيخية مبادرة الاقتراب والمصالحة مع القرينة المصرية، في محاولة لإعادة التعبير عن لاهوتها فيما يتناسب والقرينة، من خلال عقد مصالحة شاملة تضم إعادة التعبير عن عناصر الإيمان والعبادة والحياة بطريقة مقبولة ومفهومة وملائمة اجتماعيًا ولغويًا للقرينة المصرية. فلم تقدم أنماط عبادة غير عربية في قرينة عربية.

وأيضًا أهم مبادرات المصالحة ليس فقط استخدام اللغة العربية في الصلاة والعبادة، بل أيضًا كانت المصالحة في ترجمة كتاب ترانيم الكنيسة الإنجيلية والذي أُطلق عليه "نظم المزامير" هذا العمل الجليل قام به عدد كبير من المرسلين والمصريين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إذ قاموا بترجمة مجموعة كبيرة من الترانيم، من اللغة الإنجليزية إلى العربية، تتسم بأنها كتابية وتحمل مفاهيم لاهوتية سليمة.

كلية اللاهوت الإنجيلية:

كما قامت الكنيسة بتأسيس ما سمي في البداية صف اللاهوت، أو كما نسميها اليوم كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة. كلية اللاهوت الإنجيلية هي المؤسسة التعليمية للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر وهي ترتبط أكاديميًا بإدارة التعليم العالي الخاص بمصر. وهدف الكلية الأول هو إعداد خدام و قسوس مكرسين للعمل الرعوي بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر وإعداد قيادات علمانية مؤهلة لخدمة الكنيسة والمجتمع في مصر والعالم العربي.

تأسست كلية اللاهوت الإنجيلية عام ۱۸٦۳ بهدف إعداد رعاة وتدريب قادة للكنيسة الإنجيلية. كان أول مكان تستخدمه الكلية مقرًا لها هو العوامة (أيبس) والتي استخدمت كقاعة للدراسات اللاهوتية والتدريبات العملية حيث كانت القرى التي ترسو عليها العوامة فى طريقها للصعيد مكانًا للتدريبات العملية للطلاب ثم تنقلت فى أكثر من مكان حتى استقرت الكلية بمقرها الحالي بالعباسية سنة ۱۹۲٦.

الصحافة:

لم تقتصر فقط مبادرات المصالحة مع القرينة المصرية داخل الكنائس بل امتدت للصحافة في وقت كان فيه النشر ليس بالأمر اليسير. فقد قام القس واطسن في 14 ديسمبر 1982 بإصدار مجلة أسبوعية أطلق عليها "النشرة الإنجيلية المصرية" قدم موضوعات متنوعة، لاهوتية وثقافية وإخبارية. وفي عام 1894 أصدر القس واطسن مجلة أطلق عليها "المرشد". وفي عام 1911 أصدرت مجلة شهرية لازالت تصدر حتى يومنا هذا وهي الهدى، وكانت الهدى طفرة في الصحافة الإنجيلية، إذ قدمت رؤية أكثر حداثة حينها وعملت على تثقيف الشعب الإنجيلي في شتى المجالات. وفي عام 1959 قام مجموعة من الشباب - أصبحوا فيما بعد من أهم قادة الكنيسة - على رأسهم الدكتور القس صموئيل حبيب والدكتور القس منيس عبد النور، مما جعل أجنحة النسور مجلة شبابية تتسم بالمعاصرة والعمق اللاهوتي والكتابي.

وهذه الصحافة الإنجيلية عملت عملًا جادًا عبر عقود طويلة على رفع الوعي الثقافي واللاهوتي لقرائها، وكان لها دورًا فاعلًا في تشكيل الوعي لقرائها في وقت كانت الصحافة هي صاحبة الجلالة في مجال الإعلام، والبوق الأعظم والأهم لمن يريد أن يعبر عن رأيه. ولم تكن الصحافة الإنجيلية يومًا منبرًا عال بعيد، يقدم رسالة من طرف واحد، بل كان تتسم بنوع من التفاعل مع قرائها ومع الأحداث المحيطة، ليس فقط بالحديث عن قضايا العصر، بل بالرد على تساؤلات القراء وخطاباتهم، والدخول في حوارات لاهوتية وثقافية معهم ومع غيرهم من كتاب الصحف والمجلات الأخرى.

النشر- دار الثقافة:

بجانب الصحافة كان للكنيسة الإنجيلية بمصر باع كبير في النشر، إلا أن دار الثقافة هي أهم العلامات في هذا الطريق، أسسها الدكتور القس صموئيل حبيب عام 1950 باعتبارها أحد قطاعات الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية. ودار الثقافة منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا منارة ثقافية لمصر وللشرق الأوسط، فقد نشرت دار الثقافة ما يقارب 1500 عنوان في شتى المجالات بدأتها بعشرة عناوين فقط في عامها الأول.

ولدار الثقافة دور لاهوتي رائد وفاعل في صياغة الفكر اللاهوتي للقراء العرب عمومًا والمصريين على وجع الخصوص. إذ تهتم دار الثقافة سنويًا بإضافة عناوين لاهوتية جديدة للمكتبة العربية، سواء من كتب مترجمة لكبار اللاهوتيين العالميين أو كتب للاهوتيين مصريين وعرب، أيضًا تعمل دار الثقافة على تيسير فهم وقراءة الكتاب المقدس من خلال إصدارها لسلاسل تفسيرية ودوائر معارف وغيرها من الكتب التي تمكن كل مسيحي من فهم الكتاب المقدس ودراسته.

ولا يقتصر دور دار الثقافة على الكتب اللاهوتية فقط، بل أيضًا اتخذت دار الثقافة منذ عامها الأول الريادة في نشر الكتب الاجتماعية والنفسية، حيث قدمت دار الثقافة العديد من العناوين في هذا المجال، والجدير بالذكر أن دار الثقافة أخذت الريادة ليس فقط في المجال المسيحي بل بشكل عام في نشر كتب عن الثقافة الجنسية في وقت كان هذا المجال مغلقًا وبل ومعيب، فهي أول من طرق هذا الباب من خلال تقديم هذه المادة لقرائها بشكل علمي ومن منظور كتابي مسيحي من خلال كتابات متخصصين مصريين وترجمة كتب لكبار الكتاب في هذا المجال.

ولأن الكنيسة جزء لا يتجزأ من المجتمع كان لابد أن تقوم دار الثقافة بتوعية قرّائها مجتمعيًا وسياسيًا، فأصدر عددًا ليس بقليل من الكتب السياسية والكتب التي تدرس وتناقش العمل الاجتماعي وتؤسس له.

الكنيسة والشأن العام:

إذا أخذنا السياسة بمعناها الواسع فإن الكنيسة الإنجيلية المشيخية منذ بدء تنظيم عملها في توضيح وإرساء معالم الديمقراطية، اجتهدت أن تطور حياة الإنسان ككل في منظومة متكاملة وهكذا أسهمت في تنشيط الوعى السياسي لدى العامة. أما إذا نظرنا إلى السياسة بالمعنى الضيق وما يرتبط منها بصناعة القرار والعلاقات بين الشعب والحكومة، والعلاقة مع الحكومات. فقد نلخص موقف الكنيسة أنه انطلق من لاهوت مسئولية الكنيسة في العالم على أنها في العالم وليست من العالم، فهي توجه إلي ما يجب أن يكون وتشير إلي الأخطاء وتدرب أبناءها وبناتها أن يكونوا فعالين في الإطار السياسي الذي يرسمه المجتمع.

ومنذ بدايات القرن الماضي، قدمت الكنيسة العديد من أبناءها الذين أثروا الحياة السياسية، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الدكتور أخنوخ فانوس: الذي بدأ دوره السياسي يأخذ شكلًا رسميًا حينما نادى بتشكيل ما عرف بمؤتمر الإصلاح القبطي سنة 1908، ومن هنا دخل في تفاعلات متنوعة مع القيادات السياسية ونادى بروح الاعتدال، ولم يكن الأمر مجرد دفاعًا عن حقوق بل مشاركة فعلية فكان من أول المهتمين بإنشاء جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) ونادى أيضًا بإلغاء الامتيازات الأجنبية وبتأسيس مجلس تشريعي للمصريين وقد شارك مع كثيرين في المواقف الوطنية في ثورة 1919 وشارك آخرون معه في صياغة دستور 1923. وأيضًا ألكسان (باشا) أبسخرون: الذي ظل عضوًا بمجلس الشيوخ لمدة عشر أعوام كما ترأس الطائفة الإنجيلية أربعين سنة.

ومع قيام ثورة 23 يوليو 1952، كان للكنيسة مواقفها الواضحة فظهرت العلاقة الطيبة المتبادلة، تحدث اللواء محمد نجيب – أول رئيس جمهورية من فوق منبر كنيسة قصر الدوبارة، وكذلك الرئيس جمال عبد الناصر. وبسبب العلاقة الايجابية بين الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر والرئيس السادات، فقد أهدت الكنيسة المشيخية بالولايات المتحدة الأمريكية درجة الدكتوراه الفخرية في صنع السلام من إحدى كلياتها للرئيس السادات. في نفس الوقت أخذت الكنيسة مواقف رسمية تحسب لها في جمع تبرعات، ففي فترة الحرب العالمية الأولى أرسلت الكنيسة المصرية تبرعات لبعض الدولة المنكوبة وهذا وارد في سجلات الكنيسة، وفى الحرب العالمية الثانية بذلت الكنيسة مجهودات أكبر خصوصا أن منطقة الشرق الأوسط كانت قد أضيرت أكثر من الدول الأخرى.

وفي قضية فلسطين شجعت الكنيسة الإنجيلية المشيخية مجلس الكنائس العالمي الذي هي عضو فيه فقام ببرنامج الإغاثة ومعونة اللاجئين.

كما كان للكنيسة موقف من الحروب المصرية: ففي حرب 56 والتهجير كان للكنيسة دور في استقبال المهجرين من خط القناة - وتكرر الموقف أيضًا بعد حرب 1967 وكان للكنيسة دورها الإيجابي في مساعدة المهجرين من مدن القناة.

في حرب 73 حولت الكنيسة مبنى بالكامل ليكون مستشفى عسكري، وفى زلزال 92 كانت هناك مساعدات كنسية للجهات المنكوبة، وفي ظروف العراق الأخيرة أرسلت الكنيسة بعثات بعضها يحمل رسالة الوعظ والسلام وبعضها يحمل تقدمات ومساعدات لضحايا القضية في إطار خدمة المجتمع كان هناك مدارس تبع الكنائس المحلية ذات فصل واحد وبعضها متميز كانت كلها قائمة على تبرعات مصرية وشارك فيها الأرثوذكس والمسلمون لأنها كانت تخدم المجتمع كله بالإضافة لمدارس الإرسالية.

ومع بداية ثورة 25 يناير، قامت الكنيسة بمتابعة الأحداث عن قرب، وأصدرت العديد من البيانات التي تم إرسالها إلى مختلف كنائس العالم، تؤيد فيها الثورة. أيضًا قامت بفتح جميع المستشفيات التابعة لها لعلاج جرحى ومصابي الثورة بالمجان. أيضا قامت الكنيسة الانجيلية بقصر الدوبارة، والتي تقع داخل بؤرة الأحداث في ميدان التحرير، بتحويل جزء من المباني الملحقة بالكنيسة إلى مستشفى ميداني مجهز لاستقبال الجرحى والمصابين وتقديم الخدمات العلاجية لهم، وذلك منذ اليوم الأول لقيام الثورة، وحتى وقتنا هذا. كما قامت الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية بتقديم خدمات عاجلة لأكثر من 1500 من أسر الشهداء والمصابين، تمثلت في تقديم معونات غذائية وعلاجية وتوفير فرص عمل لمن فقدوا وظائفهم نتيجة الأحداث.

اللاهوت السياسي والمواطنة الديناميكية:

إن تنمية المجتمع المدني من خلال الممارسة الديمقراطية يمكن أن يسهم في العلاقات المرنة بين جماعات الأغلبية وجماعات الأقلية. وفي حالة المسيحيين العرب، فإن المفهوم الديناميكي للأقلية يجب أن يدعمه موقف لاهوتي يعزز المواطنة والتعايش. بيد أن لاهوت الأقليات في العالم العربي يتسم إما بالمقاومة السلبية أو العنف الطائفي. ويشير بباوي إلى الأحلام والرؤى التي تحتل عقل وفكر الأقلية عن المجيء الثاني ليسوع المسيح وقيام حكمة الألفي (الذي يقوم ألف سنة). مثل هذه الأحلام تعكس رغبة الأقلية في التغلب على المشكلات الحالية. غير أن الإصرار على التفسير الحرفي لقصص الكتاب المقدس يجعل من الصعب توافر أي نوع من النقد (نقد التفسير)كما يقلل من إمكانية تطوير لاهوت يمكن أن يلبي احتياجات الجماعة.

هكذا يتضح لنا أن اللاهوت الذي يتركز على فكرة التدخل السماوي لا يشجع المواطنة الديناميكية. كما أن اللاهوت الذي يدعم السياسات الطائفية عند المسلمين والمسيحيين يعوق انتشار المواطنة الديناميكية. هنا تكون الحاجة إلى تطور لاهوتي يشجع التعددية والتعايش والمواطنة.

يحتاج المسيحيون العرب إلى تنمية لاهوت سياسي عربي يمكنه الإسهام في ظهور المجتمع المدني، ويشجع على الديمقراطية ويحقق المواطنة الديناميكية. وهذه المهمة لا غنى عنها من أجل تطوير دور المسيحيين العرب، كما أنها تستطيع استبدال الحدود الدينية بحدود اجتماعية وسياسية. هذا اللاهوت السياسي الذي يتجاوز عوائق الماضي ويساهم في تنمية المواطنة الديناميكية يدعم التعايش ويؤكد التعددية. وفيما يلي اقتراح بعض الأفكار لمثل هذا اللاهوت السياسي:
يجب أن يتم تطوير مفهوم الكنيسة، إذ أن المؤسسات الدينية تعتبر من التنظيمات القديمة في المجتمع المدني. وفي هذه الحالة لا ينبغي أن تصير الكنيسة بديلاً سياسيًا. وبالرغم من أنه لا يوجد لاهوت سياسي عربي يساند فكرة أن الكنيسة بديل سياسي إلا أن ممارسات قيادات الكنيسة وكذلك السياسات غير المتزنة للدولة (فى النصف الثاني من القرن العشرين) تسهم في ترسيخ مثل هذا الوضع. وفي هذا السياق، لا تكون الكنيسة جزءًا من المجتمع المدني، بل تصير مؤسسة سياسية. ولكن إذا اعتبرت الكنيسة تنظيمًا قديمًا من تنظيمات المجتمع المدني والذي يجب أن يندمج داخل إطار الحركة المدنية فهنا يجب على الكنيسة أن تمتلك لاهوت يساند هذا الدور وينقلها إلى داخل قلب المجتمع المدني المتطور.

على اللاهوت السياسي العربي أن يراعي فكرة الولاء بمفهومها الأوسع، ويستبدل الالتزامات الدينية الأحادية بانتماءات متعددة. فإن المشكلة التي تصاحب الإسلام السياسي هي إخلاصه للدين وحده. ولكن الولاء بمفهومه الأوسع سوف يشجع الفكر العقائدي السياسي الذي يتقبل الأفكار الأخرى ويرى ملكوت الله كطريق نحو التعددية السياسية والتنوع، ومن هنا سوف يساهم الولاء التعددي في تقوية المجتمع المدني - بدلاً من إضفاء الطابع المسيحي أو الإسلامي عليه. كما أن العقيدة السياسية التي تنتج مثل هذا المفهوم للولاء سوف تفتح الطريق للتفاعل بين العقيدة والمجتمع بطريقة ترسخ المواطنة. فالمواطنة ليست هي الدين ولكن الدين سوف يكون شريكًا في صياغتها. كما ستسهم الولاءات المتعددة في تثبيت دعائم المواطنة الديناميكية.

هذه الولاءات المتعددة سوف تسهم في إعادة تنظيم الهوية. كما أنه من الضروري تواجد فكر عقائدي سياسي يعتبر الالتزامات الدينية ضمن مكونات منظومة الهوية. بين أن، هذا المفهوم المرن والنسبي للهوية يحتاج إلى فكر ديني يؤمن بأنه لا يوجد من يمتلك الحقيقة المطلقة (هذا لا يعني نسبية الإيمان، فمن حق كل مؤمن أن يعتقد أن اعتقاده صحيحاً ومطلقاً لكن دون أن يكون هذا أداة لرفض الأخر أو تكفيره أو تدميره، فالعيش المشترك يتطلب إتاحة للأخر المختلف عقائدياً مع احترام حق الاختلاف). وفي هذا السياق تصبح التعددية ذات جذور عميقة في السياق الديني، والذي يميل بطبيعته إلى الإيمان بوجود حقيقة مطلقة لا تقبل التعدد.
وهذه الفكرة القائمة على الحقيقة المطلقة تعد من الأسباب الجذرية للمشكلات العقائدية في الوطن العربي. وسعيًا لتشجيع الفكر الديني الذي يعترف بالولاءات المتعددة والهوية التعددية وكذلك يتجاوز انتهاك الحق، هذا الفكر يتطلب توافر تفسيرات متعددة للنصوص الدينية.

هنا تبرز أهمية التفسير التعددي للنص الديني باعتباره مفهوم جوهري في تطوير فكر عقائدي سياسي يعزز التعددية والتي هي الأساس للمواطنة الديناميكية. كما يحتاج الفكر العقائدي السياسي العربي أيضًا لهذه الأدلة لتعزيز التعددية في شتى مستويات الكنيسة والمجتمع. هذه التعددية سوف تزيد من ممارسة هذا المفهوم على المستوى الديني وكذا على المستويين الاجتماعي والسياسي. فالكنيسة سوف تتقبل فكرة حاجتها إلى الانفتاح والتضامن مع باقي التجمعات الدينية الأخرى. والمسلمون سوف يسهمون في المجتمع المدني المتنوع الذي يضفي الشرعية على مختلف الآراء الخاصة بالواقع القائم وكذلك الرؤى البديلة للمستقبل. هذه التعددية تؤكد وتشيد الديمقراطية التي تمنح القوة للمجتمع المدني وتقود إلى المواطنة الديناميكية.

إن الفكر الديني السياسي العربي ينظر إلى مفهوم التماسك باعتباره أساس التعايش المشترك. والتعددية بطبيعة الحال لا تعني التشرذم والتفكك حيث إن العقيدة التي ترى التماسك كأداة للكفاح المشترك والتعايش يمكن أن تسهم في تحقيق المواطنة الديناميكية. بيد أن مفهوم التماسك يجب أن يقوم على أساس عقيدة الخلق والتي فيها جميع البشر لهم حقوق متساوية في العيش والازدهار. وهنا المساواة والعدالة يأتيان قبل التماسك، ولكن العقائد الدينية انتقائية بطبيعتها وتميل نحو استبعاد المختلفين معها. من ثم فإن الفكر العقائدي السياسي الذي يمكنه ترسيخ مفهوم التماسك مع تخطي محدودية العقيدة سوف يسهم في دعم فكرة الوحدة مع التنوع وهي فكرة حتمية للمجتمع المدني والديمقراطية. كما أن التماسك كمفهوم ديني سوف يسهم في إدماج الكنيسة داخل المجتمع Socialisation وتشجيع المؤسسات الدينية لتصير طرفًا فعالًا في المجتمع المدني.

من جهة أخرى تتجلى فكرة المؤسساتية institutionalisation كمكون ضروري في تطوير اللاهوت السياسي الذي يسهم في المواطنة الديناميكية. ففي حين يتسم المدخل الخاص بالاتجاه الفردي للمجتمع بغياب فكرة الخطية المجتمعية. غير أن الفكر العقائدي السياسي الذي يعزز «المؤسساتية» كمفهوم لاهوتي سوف يشجع الكنيسة لتحظى بدور مؤسسي مستقل عن الدولة ويسهم في بناء الجسور في الكنيسة والمجتمع. إن المؤسساتية سوف تحضر الكنيسة إلى قلب المجتمع المدني وتساعدها على التغلب على الانعزالية والاغتراب الذي تعيشه الكنيسة في المجتمع العربي. كما سترسخ دور الكنيسة كمؤسسة وتسهم في الحد من الدور الفردي وتشجع الديمقراطية. المؤسساتية سوف تؤكد دور شعب الله كجماعة ملتزمة نحو المساواة والعدالة والتضامن الكامل وهذه تشكل جوهر المواطنة الديناميكية. تلك كانت بعض الأفكار الضرورية من أجل تنمية فكر عقائدي سياسي يمكنه التجاوب مع التنمية الاجتماعية والسياسية في العالم العربي كما يمكنه تلبية حاجات المسيحيين العرب كمحفز في عملية إنجاز المواطنة الديناميكية.
.