آراء و أقلام إنجيلية

بريسكلا

  • بقلم: ق. رفعت طنيوس بدروس


يمكن وصفها بالتالي :- (عجوز- صغيرة- اصيلة)
عندما يحمل الأسم سمات الشخصية يكون التأثر قوي في نفوس المتعاملين معه، ويزيد التأثير كلما إقتربنا من شخصية (فرسكا) اللذيذة في صفاتها. أنها حقًا جذابة ومتفردة جدًا في الكثير من جوانب حياتها. وأول ما لفت انتباهي وأنا اتأمل العبارات الواردة في كلمة الله عن حياتها؛ هو ارتباط أسمها بأسم زوجها "أكيلا" دائمًا. مما يعطي معنى عظيم للعلاقة الزوجية الناجحة، وعن التعاون الكامل بينهما في كل جوانب الحياة. فيصدق فيها القول:" اَلْمَرْأَةُ الْفَاضِلَةُ ‍تَاجٌ لِبَعْلِهَا،.. (أم12: 4). ويتم فيهما قول الرسول بولس:"غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ ‍مِنْ دُون الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُون الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ."(1كو11: 11). أنهما وجهين لعملة واحدة.
نقرأ عن بريسكلا أو (فرسكا) هذه العبارات الواردة في [أع18: 2&رو16: 3 &1كو16: 19 & 2تي4: 19]، فهي يهودية الأصل من مدينة بنطس [مدينة في تركيا الآن]، من عائلة شريفة، ومعنى أسمها اليوناني " العجوز الصغيرة، أو أصيلة" وهذا حق. فعندما تتأمل حياتها تجد أنها تتمتع بحكمة العجائز ونشاط الصغار. وإصالة الأخلاق والمبادئ. وهذا يقودنا للتقرب من شخصيتها فنرى.
1- بريسكلا ومعاناتها. فبعد أن أستقر بها الحال هي وزجها في إيطاليا. وإذ بالإمبراطور كلوديوس يصدر أمره بتهجير اليهود من روما، وذلك بسبب الشغب الذي حدث في المدينة. (أع18: 2)، فتركا كل ما كان لهما وذهبا إلى كورنثوس. نعم فالحياة لا تخلو من المعاناة. إلا أنها قابلت ذلك بإتحادها بزوجها في مواجهة الصعاب. فهي نعم المعين. فكانت الرفيق والمساعد في العمل معه في صناعة الخيام." تَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِغْزَلِ، وَتُمْسِكُ كَفَّاهَا بِالْفَلْكَةِ."(أم31: 19). كما يوجد في حياتها أمر أخر ألا وهو عدم ذكر أولاد لها، وهذا يضيف لحياتها معاناة قاسية. لكنها تغلبت على معاناتها بإيمانها وثقتها في الرب.
2- بريسكلا وإيمانها. لا نعلم بالتحديد هل قبلت الرب يسوع مخلص شخصي لحياتها في روما قبل التهجير، أم في كورنثوس بعد لقاء بولس الرسول؟، لكن رغم الظروف القاسية التي مرت بها. إلا أننا نرى إيمانها الساطع من خلال جوانب حياتها، ولا سيما في التعمق في فهم كلمة الله. فهي لم تتدخر جهد بأن تفحص الكتب المقدسة؛ وهذا يتضح لنا من موقفها الغيور على نقاء وكمال التعليم. فعندما سمعت أبلوس الحار في الروح والمفوه في الوعظ، إلا أنها إكتشفت محدودية معرفته بمضمون الكتب المقدسة، لأنه لا يعرف إلا معمودية يوحنا فقط. فما كان منها هي وزوجها إلا أنهما إستضافاه ليشرحا له "طريق الرب" من الكلمة المقدسة بأكثر تدقيق. (أع18: 26).
3- بريسكلا ورفقائها. فهي لم تكن رفيقة لزوجها (هذا أسمي أنواع الرفقة) فقط. بل كانت نعم الرفيق للمؤمنين (كنيسة بيتها)، وخاصة الرسول بولس الذي أقام في منزلها سنة ونصف، يكرز بالبشارة ويعمل معهما في صناعة الخيام. نعم. فهي يتم فيها تمامًا قول الحكيم عن المرأة الفاضلة:" تَطْلُبُ صُوفًا وَكَتَّانًا وَتَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ" (أم31: 13). بل أكثر من العمل اليدوي أنها مضحية بحياتها لأجل حياة رفقائها. فالرسول بولس يعلن بإمتنان لها ولزوجها فيقول:" سَلِّمُوا عَلَى بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ الْعَامِلَيْنِ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، اللَّذَيْنِ وَضَعَا عُنُقَيْهِمَا مِنْ أَجْلِ حَيَاتِي،"(رو16: 3-4)، نعم. فالصداقة وعلاقة الحب ليست كلمات بل أفعال، وذلك بتحمل المتاعب في تضحية لأجل الٱخرين، وهذا يتضح من كلمات الرسول بولس: "اللَّذَيْنِ لَسْتُ أَنَا وَحْدِي أَشْكُرُهُمَا بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ كَنَائِسِ الأُمَمِ،"(رو16: 4). فلم تكن علاقتهما محدودة بل ممتدة لجميع الكنائس.
4- بريسكلا وبيتها. يقولون إن الزوجة سيدة البيت. فيمكنها فتح باب البيت أو قفلة. وذلك في وجه زوجها والأخرين. فالمرأة المرحبة بضيوفها في بشاشة وكرم فهي تفتح البيت ليكرم زوجها أولاً والأخرين أيضًا. وهذا ما فعلته بريسكلا إذ فتحت قلبها أولاً للرب.ومن ثم فهي فتحت بيتها في ترحاب لإستضافة وراحة المؤمنين في شركة محبة. فكان بيتها كنيسة قوية يشع منه نور بشارة الإنجيل. ما أجمل كلمات الرسول بولس وهو يهدي السلام لأهل رومية وخاصة لبريسكلا وإكيلا:" وَعَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا"(رو16: 5). وهذا يعلمنا أن الكنيسة ليست جدران. بل قلوب تحب الرب، وتتحد معًا في عبادته، زوج وزوجة، وأولاد، ثم أقرباء وأصدقاء. للأسف قلما نجد هذا في بيوتنا في هذه الإيام.
5- بريسكلا والكلمة. لم تكن بريسكلا وأكيلا يعرفان الكتب المقدسة معرفة سطحية، بل كان يتمتعان بدراسة كلمة الله من خلال العمق الروحي والمعرفي للكلمة. وكان يمتلكان الأذن المدربة على سماع رسالة الإنجيل وتمييز وفحص ما يُقال. لذلك عندما سمعا أبلوس السكندري وهو يتحدث برسالة الإنجيل. عرفا أنه غيور على البشارة إلا أنه يحتاج للعمق في الكلمة وفهم الكتب بأكثر تفصيل وعمق روحي، وهنا ظهرت الحكمة في أعظم صورها فهما استضافاه، وأخذا في شرح طريق الرب له بأكثر إيضاح وعمق. كيلا تلام الخدمة وتتعطل البشارة. "وَابْتَدَأَ هذَا يُجَاهِرُ فِي الْمَجْمَعِ. فَلَمَّا سَمِعَهُ أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِّلاَ أَخَذَاهُ إِلَيْهِمَا، وَشَرَحَا لَهُ طَرِيقَ الرَّبِّ ‍بِأَكْثَرِ تَدْقِيق."(أع18: 26).
هذه بعض الدروس العملية التي نتعلمها من عبارات قليلة ترد في كلمة الله عن بريسكلا. إلا أنها كافية لتعليمنا وإرشادنا لكي نعيش حياة تمجد الله، ونقود الأخرين بحياتنا النقية لمعرفة المخلص الرب يسوع. فيتم فينا القول: "والْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ."(دا12: 3). فهل لنا ذلك؟!