آراء و أقلام إنجيلية

رودا

  • بقلم: ق. رفعت طنيوس بدروس

(وردة عطرة)
عند قراءتنا لكلمة الله هناك حقيقة لابد أن ندركها جيدًا أن الروح القدس عندما يذكر حدث أو اسم شخص؛ حتى بدون تفاصيل أو انساب. أنما يقصد من خلال ذلك أن يقدم لنا درسًا هامًا لحياتنا. فالرسول بولس يقرر ذلك ويقول:" فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ"(1كو10: 11). فكلمة إنذارنا تحمل معنى التحذير والتعلم والعبرة.
ذكر البشير لوقا في سفر الأعمال (رودا) ومعنى اسمها وردة. مرة واحدة فقط واصفًا إياها بالجارية، فهي شخصية لا نجد في كلمة الله معلومة عن نشأتها أو أسرتها، أنما نعرفها فتاه تخدم في بيت سيدة ثرية (أم يوحنا مرقس)، هذه السيدة أمنت بالرب يسوع وتبعته، وقد فتحت بيتها لتستضيف الكنيسة (جماعة المؤمنين)، وذلك في حياة الرب يسوع على الأرض، وأيضًا بعد صعوده.
كما أنها استمرت في ذلك وقت أن كان هيرودس يقود هجومًا شرسًا ضد المسيحيين، وقد قتل يعقوب أخو يوحنا بالسيف، وأيضًا مد يده وقبض على بطرس، وهو مزمع أن يقتله لأن ذلك يرضي اليهود. فما كان من الكنيسة إلا أن تتحد في الصلاة بلجاجة من أجله، وكانت رودا تخدمهم. وقد أستجاب الرب وأرسل ملاكه ففك قيود بطرس وفتح له الأبواب الحديدية، وأخرجه من الحبس. وجاء بطرس إلى بيت أم يوحنا مرقس لأنه يعلم أنهم مجتمعون " فَلَمَّا قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ الدِّهْلِيزِ جَاءَتْ جَارِيَةٌ أسْمُهَا ‍رَوْدَا لِتَسْمَعَ"(أع12: 13).
فالحدث الهام هنا هو إنقاذ الرب لبطرس من يد هيرودس بطريقة عجيبة. وهذا يعيد لذاكرتنا قول موسى للشعب عندما صرخوا خوفًا من هجوم فرعون:" لاَ تَخَافُوا. قِفُوا ‍وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ"(خر14: 13). وهذا فيه تعزية وطمأنينة كبيرة لنا. لكن قد تقول: ما فائدة ذكر اسم رودا؟ أنها مجرد جارية تخدم في البيت. هنا ألفت نظرك إلى كلمتين ذكرهما الوحي المقدس لتعليمنا [جاءت - لتسمع] ومنهما نعرف:
1- رودا النشيطة: لم يذكر البشير لوقا في أي وقت من الليل قرع بطرس باب بيت أم يوحنا مرقس، إلا أننا نقرأ أن رودا إقتربت من الباب لتسمع، وهذا يدل على يقظتها ونشاطها. فهي مازالت ساهرة تخدم سيدتها وجماعة المؤمنين الذين معها. فهي تعرف عملها وما هو المطلوب منها جيدًا. كما علم رب المجد عن دور العبد في الحياة:" بَلْ أَلاَ يَقُولُ لَهُ: أَعْدِدْ مَا أَتَعَشَّى بِهِ، وَتَمَنْطَقْ وَأخْدِمْنِي حَتَّى آكُلَ وَأَشْرَبَ، وَبَعْدَ ذلِكَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ أَنْتَ؟"(لو17: 8).
2- رودا الحريصة: أنها تعرف واجباتها تمامًا. فهي حريصة على سلامة سيدتها ومن معها في البيت. فلم تفتح الباب مباشرة عند سماعها قرعات بطرس على الباب. لأنها لا تعلم هل بطرس بمفرده أم معه بعض جنود هيرودس. فلابد أن سيدتها تعرف الأمر أولاً. فبرغم تأكدها أنه بطرس إلا أنها رجعت سريعًا إلى الداخل لتخبرهم وهي فرحة. فهي ينطبق عليها قول الرسول بولس"أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ"(كو3: 22).
3- رودا المميزة: فقد أستطاعت من تعودها على الاستماع للتلاميذ وهم يتحدثون معًا، أو من خلال تأملاتهم في الكلمة أو صلواتهم أن تميز صوت كل منهم، لذلك عرفت أنه بطرس من صوته وطريقة قرعه على الباب. ففرحت إذ ايقنت أن الرب إستجاب لصلواتهم. فهي قد تعلمت من خدمتها بينهم أن الصلاة بثقة لها قوتها طالما حسب مشيئة الرب " وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ ‍يَسْمَعُ لَنَا."(1يو5: 14).
4- رودا الواثقة: رودا رغم أنها جارية (عبدة مشتراه أو مسبية). إلا أنها شخصيتها قوية غير مهتزة، واثقة في قدرتها على التمييز. فعندما أخبرت التلاميذ أن بطرس يقرع الباب. وقالوا لها أنت تهذين (مجنونة). أو عندما أرادوا أن يصرفوا نظرها عن الطارق بإيهامها أنه ملاكه لتسكت. لم تصمت بل أصرت وأخذت تؤكد أنه بطرس" فَقَالُوا لَهَا: "أَنْتِ تَهْذِينَ!". وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ أَنَّه هُوَ. فَقَالُوا:" إِنَّهُ مَلاَكُهُ!"(أع12: 15).
5- رودا الفرحة: "فَلَمَّا فَتَحُوا وَرَأَوْهُ انْدَهَشُوا". الجميع اندهشوا عدا رودا. فكم كنت أتمنى أن أرى تعبيرات وجه رودا ونظراتها إليهم بعد أن تفحوا الباب ورأوا بطرس. وكم هي فرحتها وسعادتها، بكل تأكيد قالت لهم:" ألم اقل لكم أنه بطرس!"، فسعادتها تضاعفت بخروج بطرس وبيقين معرفتها له. أنها فرحة نجاحها في عملها. فهي نشيطة، وحريصة، ومميزة، وواثقة في نفسها. نعم فرحة النجاح. هذا النجاح الذي كتب عنه يوحنا الحبيب لأبنه في الإيمان غايس:" أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ."(3يو2).
بالحق (رودا) الوردة العطرة. الذي ذكر أسمها مرة واحدة في كلمة الله. تعلمنا دروس غاية في الأهمية. فليساعدنا الرب أن نخدم في حياة نقية ومستقيمة. ولا تنسى قول الرب:" وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ ‍بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ"(مت10: 42). أمين.