تجسد يسوع المسيح .. هل ضاع المعنى وسط الاحتفالات؟
1/1/2024 12:00:00 AM
أصبح عيد الميلاد هدفا للانتقاد من داخل المسيحية وخارجها.
فمن الجهة التاريخية والتقويمية وتحديد العام الذي وُلد فيه يسوع، هناك الكثير من الكلام والتحليلات.
ومن جهة تحديد يوما حاسما، ليس هناك اتفاقا حتى يومنا هذا. فمن الصعب الإقرار بأن يوم 25 ديسمبر هو اليوم الحقيقي أو الفعلي الذي وُلد فيه يسوع. لأننا نعلم أنه بنهاية القرن الرابع الميلادي كان الاحتفال هو يوم 6 يناير. ثم انقسم العالم الي قسمين. قسم يحتفل يوم 6 يناير وآخر يحتفل يوم 25 ديسمبر.
ومبكرا جدا في عهد الإمبراطورية الرومانية كان عيد الاله ساتورن. وكان الاحتفال من 17 الى 24 ديسمبر. وكان هذا الأسبوع الاحتفالي متميز بروح المرح والمهرجانات وتوزيع الهدايا على الأطفال.
وعلى مر العصور، ارتبط الاحتفال يعيد الميلاد ببعض الممارسات والعادات المرتبطة بالثقافة المحيطة بجانب عنصر الاحتفال بميلاد يسوع.
أما من جهة ملائمة الاحتفال بعيد الميلاد للعصر الحديث، فقد أصبح هذا الوقت عبئًا على كثيرين من العائلات لأنه يتطلب إنفاقا ماليا ليس بقليل.
وأخيرا أقول إن هناك كثيرون يحاولون تجريده من معناه لدرجة أن البعض أطلق على عطلة عيد الميلاد: " الاجازة الشتوية " وما تبقى للمسيحية هو تفكير قليل في طفل صغير وتفكير كثير في رجل عجوز يرتدي الثياب الحمراء يوزع هدايا.
والسؤال هو: كيف ندخل الى روح الميلاد؟ كيف نعيد العمق لذكرى تجسد يسوع؟ كيف نلتقط أهمية الحدث لحياتنا؟ كيف لا تصبح ذكرى عابرة؟ كيف نعيش حقيقة أن التجسد هو قلب رسالة المسيحية؟
أنا أؤمن أن التجسد يستحق منَّا كل اهتمام. ولو أدركنا معناه وتأثيره، ما اكتفينا باحتفال لمدة يوم واحد ولوجدنا أنفسنا نعيش كل يوم في هذا الحدث شاكرين الله كل يوم وكل لحظة على يسوع المسيح. وإذا عدنا الى رسالة بولس الرسول الأولى الى تلميذه تيموثاوس في ص 3: 16
حيث قال: عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد. ولم يكتف بذلك كما اعتدنا ترديد هذه الآية، بل استمر قائلا وموضحا رسالة التجسد: تبرر في الروح (شَهِدَ الروح لبره) تراءى لملائكة
(شاهدته الملائكة) كُرز به بين الأمم. أُومن به في العالم. ثم رُفع الى المجد.
الأمر ليس طفلا صغيرًا فحسب، بل خطة كاملة متكاملة بدأت بمجيئه طفلا.
في هذا المقال سأحاول توصيل مفهوم التجسد وأهميته وكيف وبماذا نحتفل.
أولا: مفهوم أو معنى التجسد
لن أستنزف جهدا في عرض النظريات المختلفة للتجسد والتي تدور حول اتحاد الطبيعة الالهية مع الطبيعة البشرية لتكوين طبيعة ثالثة وفي هذه الحالة لا يكون يسوع انسانا وأيضا لا يكون الها. أو بقاء الطبيعتين منفصلتين وفي هذه الحالة لا يمكن عبادة يسوع الانسان. ولكني أقول ببساطة الفهم في ضوء إعلانات الوحي المقدس بأن الله ظهر في الجسد. أي أن الله أضاف الي ألوهيته ولم ينتقص منها. فقط هو تنازل عن بعض مظاهر المجد، ولكن المجد لم يغب عنه لحظة واحدة. ولما لا؟ وهل يستحيل على الرب شيء؟ التجسد ببساطة الايمان هو تجلي الألوهية واقترابها من البشرية، بل وأقول اتحادها بالبشر في جسد بلا خطيئة مولودا من عذراء. يسوع أصبح انسانا كاملا ولم تغب الألوهية بدليل أنه كان كلي القدرة والعلم والوجود أيضا وهي الصفات الأبدية التي تُنسب فقط الى الله.
ثانيا: أهمية التجسد
من هو يسوع وما هي رسالته وهدف تجسده؟
تجسد الرب يسوع المسيح هو الحقيقة المركزية للمسيحية وعليها تعتمد كل البنية الفوقية للاهوت المسيحي. ونتفق جميعا بأن أكثر الأجزاء غنىَّ بهذا الموضوع بالكتاب المقدس هو جزء الأناجيل الأربعة الذي يحتوي على اعلان وتوضيح وشرح تفاصيل ولادة وحياة الرب يسوع المسيح. والى هذه الأناجيل يعود العلماء والباحثون وكل من يهتم بدراسة موضوع التجسد. ولكني هنا أعود ليس فقط الى الأناجيل الأربعة، بل الى الوحي المقدس بكامل اعلاناته ونبواته. فكيف تم الإعلان عن يسوع وتقديمه للبشر في الوحي المقدس؟
تم الإعلان عنه على أنه:
1- نسل المرأة.
وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ تك 3: 15
2- نسل إبراهيم.
وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي تك 22: 18
وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ. غلاطية 3: 16
3- نسل يهوذا.
لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ. تك 49: 10 و11
4- نسل داود.
مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ
هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. 2 صم 7: 12 و13
كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ: ........
وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ
فَجَمِيعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا. متى 1: 1 الي 17
عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ. رومية 1: 3
5- ولكن أيضا تم الإعلان عنه كاله.
أمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ ميخا 5: 2
أَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا أشعياء 9: 6 و7
ويسوع نفسه أكد لاهوته كما أكد ناسوته في مناقشة مع الفريسيين.
وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ:
قَائلًا: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: "ابْنُ دَاوُدَ"
قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلًا:
قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ
فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟
فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً. متى 22: 41 ال 46
فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ يوحنا 5: 18
6- والتجسد كان أمرا هاما لأنه تجسيدا للألوهية حيث كان الانسان دائما لديه الرغبة في رؤية الله.
الله لم يره أحد قط، وفي نفس الوقت منع الله الانسان من وضع تصور لهذا الاله المحتجب بأي صورة من الصور لأن تصور الانسان عن الله قد يضلله بعيدا جدا ولهذا جاءت هذه الآيات:
فَاحْتَفِظُوا (احترسوا) جِدًّا لأَنْفُسِكُمْ. فَإِنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً مَّا يَوْمَ كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ فِي حُورِيبَ مِنْ وَسَطِ النَّارِ.
لِئَلاَّ تَفْسُدُوا وَتَعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، صُورَةَ مِثَال مَّا، شِبْهَ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. شِبْهَ بَهِيمَةٍ مَّا مِمَّا عَلَى الأَرْضِ، شِبْهَ طَيْرٍ مَّا ذِي جَنَاحٍ مِمَّا يَطِيرُ فِي السَّمَاءِ.
شِبْهَ دَبِيبٍ مَّا عَلَى الأَرْضِ، شِبْهَ سَمَكٍ مَّا مِمَّا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ.
وَلِئَلاَّ تَرْفَعَ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَنْظُرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، كُلَّ جُنْدِ السَّمَاءِ الَّتِي قَسَمَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ، فَتَغْتَرَّ وَتَسْجُدَ لَهَا وَتَعْبُدَهَا. تثنية 4: 15 الي 19.
والله في حكمته ومحبته وعلاقته الخاصة جدا بالإنسان جعلته لا يقوم فقط بمنع الانسان من وضع تصور عن الله، لكنه وعد بأنه يكون معنا ليس فقط مشرفا علينا من سماه، لكن يكون وسطنا على أرضنا.
وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيلَ"اشعياء 7: 14
ويكرر متى البشير نفس الآية في ص 1: 23 وهو يبشر يوسف رجل مريم قائلا:
هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا
ويؤكد البشير يوحنا قائلا في ص 1: 14 وفي الرسالة الأولي ص 1: 1 الي 3
وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.
اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ.
فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا.
الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيح.
وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا
7- التجسد من عذراء كان أمرا هاما حتى يكون المخلص انسانا ولا يكون مخلص البشر حاملا ووارثا لخطية آدم وفي نفس الوقت لكي يشارك الله البشرية في كل معاناتها قبل أن يحمل خطاياها.
لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ عب 4: 15
الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ 1 بط 2: 22
وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ 1 يوحنا 3: 5
لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ عب 7: 26
8- التجسد هام للتعامل مع خطية آدم ونتائجها.
وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ.
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ.
لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي.
وَلكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ.
وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ.
لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ.
لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا.
وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا.
حَتَّى كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْمَوْتِ، هكَذَا تَمْلِكُ النِّعْمَةُ بِالْبِرِّ، لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا. رومية 5: 12 الى 21
لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. 1 كورنثوس 5: 22
9- التجسد هام لوجود انسان وسيط بين الله والناس
لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ 1 تيموثاوس 2: 5
10- التجسد هام لإظهار تواضع الله وسط عالم يتوق الى خوارق الطبيعة.
فكرة أن يأتي الله آخذا صورة انسان ليست بالفكرة التي تبهر الانسان. فالإنسان عندما يفكر في الله، فانه يذهب بخياله الى ما هو فوق الطبيعة. وعندما يفشل في ذلك يقوم مثلما حدث في عصرنا هذا بصنع شخصيات مثل:
Bionic Man and Bionic Woman
E.T., Superman and Wonder Woman
أو يكون قريبا من الحدث وبعيدا في نفس الوقت. فأيام الثقافة اليونانية كانوا يهتمون بوجود آلهة وتعددت هذه الآلهة. لكنهم كانوا أيضا يؤمنون بتجسد هذه الآلهة في أجساد بشرية.
فاذا كان هذا هو حال الانسان أن يجسد الله بصور مختلفة، فلماذا لا يقبل الوسيلة والفكر الإلهي في طريقة إعلانه عن نفسه؟
بكل تأكيد هناك تعجب في كيف يأتي الله واضعا جانبا كل مظاهر وعلامات مجده وامتيازاته ويقدم نفسه كانسان لا جاذبية له، بل في صورة يرفضها الكثيرون الى يومنا هذا.
هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا.
كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ.
هكَذَا يَنْضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ. اشعياء 52: 13 الي 15
أراد الله أن تكون عظمته في تضحيته ويخبرنا الشاهد الكتابي السابق أن فهم هذه الحقيقة ليست عسيرة على الانسان فالعبد الذي لا صورة له فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه، هوذا يتعظم ويتعالى ويتسامى جدا. وهذه هي قصته باختصار في فيلبي 2: 6 الى 11
الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ.
لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.
وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى.
الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.
لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ.
لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ،
وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ
وأستطيع الآن أن أختتم هذه الفكرة وأقول مؤكدا أن الايمان بالتجسد هو جوهر ايماننا المسيحي مبرهنا على ذلك بالشاهد الكتابي هذا:
بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ،
وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ 1 يوحنا 4: 2 و3
كيف وبماذا نحتفل؟
طوال قرون العهد القديم ومتى أراد الله القيام بعمل تحرير أو انقاذ وخلاص لشعبه، فان هذا العمل كان يتم الاحتفال به بالأناشيد مثل (نشيد موسى – نشيد مريم أخت موسى – نشيد دبّورة ....) الي أن نصل الي نهاية العهد الجديد وفي سفر الرؤية نجد أن الله سيعطي شعبه (الذين لم يتنجسوا بنجاسات العالم وتبعوا يسوع الذي اشتراهم بدمه بلا رجوع) ترنيمة جديدة للاحتفال بتتميم الخلاص. رؤيا 14: 3
في انجيل لوقا الأصحاح الأول والثاني نجد ثلاثة أناشيد لثلاث شخصيات. مريم العذراء وزكريا الكاهن وسمعان الشيخ. كان هناك ثلاث عوامل مشتركة لهؤلاء الثلاثة:
1- امتلأوا من الروح القدس وتنبأوا
2- بدأوا أناشيدهم بتعظيم واجلال ومباركة الرب
3- ربطوا بين ميلاد يسوع ووعود الله بذلك منذ أيام إبراهيم بأن الله سيفتقد شعبه ويصنع لهم فداء وخلاصا.
. أنشدت مريم قائلة في لوقا 1: 54 و55
عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً كمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَد
أدركت مريم أن هذا الطفل قد تكًون في بطنها ليس لسبب منفصل عن التاريخ، لكنه كان مرتبطا بتوقعات أمة إسرائيل كلها بأن الله سيكون رحيما مع شعبه الى الأبد وبالفعل أعلنت أنها كانت تدرك رسالته قبل مولده وهذه الرسالة هي افتقاد شعبه.
. وأنشد زكريا قائلا في انجيل لوقا 1: 68 و69 و70
مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ
كما تكلم بفم أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ...
وقد كانت هذه النبوة عن يسوع لأنه تنبأ بعد ذلك عن ابنه يوحنا ورسالته أيضا.
. وأنشد أيضا سمعان الشيخ الذي كان ينتظر تعزية إسرائيل، بل امتد بنبوته الى تعزية الأمم كلها قائلا في انجيل لوقا 2: 29 الى 32
الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ،
لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ،
الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ
نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ
أحبائي:
كلنا نبحث عن نهضة لحياتنا، ولكنائسنا وننسى أن النهضة تعني أن يفتقدنا الله. وافتقاد الله لنا قد يكون له صور مختلفة لكن اساسيات الافتقاد ثابتة وتتلخص في الآتي:
1- عندما يفتقدنا الله فهذا يعني أن الله يأتي الينا. وعندما يأتي الي حياتنا فهو يأتي الينا بقداسته مثلما أتى على أصحاب الأناشيد الثلاث فلم يعودوا كما كانوا من قبل وتبدلت حياتهم تماما. هل عيد الميلاد بالنسبة لنا هو احتفال صاخب أم إدراك لقداسة الله فيصبح احتفال حقيقي بإعلان شخصي من الله بأنه يريد أن يحل بالإيمان في قلوبنا؟
2- إدراك اقتراب الله القدوس منا وافتقاده لنا يخلق فينا إدراكًا بخطيتنا وحالتنا الخاطئة فنقدر أن افتقاده لنا أدى به الي صليب ودم كريم سال من أجلنا. هل عيد الميلاد احتفال صاخب أم فرصة للتفكير بكم صنع بنا الرب ورحم؟
3- تتعمق فينا روح التوبة والتي هي بالفعل التعويض الإلهي لحياتنا الضائعة. اننا نبحث عن تعويضات لا قيمة لها وننسى أو نتناسى أن استرداد حياتنا من الهلاك الأبدي الي الحياة الأبدية بتوبتنا ورجوعنا الى الله هو أفضل تعويض إلهي على الاطلاق. هل عيد الميلاد احتفال صاخب أم فرصة للتوبة والرجوع الى من احبنا وأرسل لنا ابنه خلاصا وفداء؟
4- يتسارع فينا عمل الروح القدس وتزداد تقوانا وتنضج مسيحيتنا. هل عيد الميلاد هو احتفال صاخب أم مناسبة لمزيد من حياة التكريس والنضوج والنمو الروحي؟
عيد الميلاد هو عيد ميلاد من خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضي أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية. 1 تيموثاوس 1: 9
كل عام ونحن في مزيد من الفرح الحقيقي وحياة التكريس