آراء و أقلام إنجيلية

همس المحبة

  • بقلم: ق. رفعت طنيوس بدروس

لون حياتك!
هل فكرت من أين جاءت الألوان التي نراها في حياتنا، والتي تصل إلى 255 درجة تقريبًا. فالألوان الأساسية في الطبيعة ثلاثة فقط وهم (الأحمر والأزرق والأصفر).
ومنهم يتم تركيب باقي الألوان، كما نرى في قوس قزح سبعة ألوان جميعها مشتقة أيضًا من الثلاثة الأساسية. ورغم أن اللون الأخضر. موجود في الطبيعةِ بشكل أساسي. حتى أنه يعتبر اللون المُعبّر عنها. إلا أنه ليس من الألوان الأساسية فهو لون ينتج عن مزج اللون الأصفر مع اللون الأزرق. فما نراه بشكل خاص في النباتات بسبب عملية التمثيل الضوئي الغذائي للنباتات المستمد من ضوء الشمس. فمادة الكلوروفيل أو اليخضور يعطي النبات اللون الأخضر.
أراد إسحاق نيوتن أن يكتشف المنشأ الحقيقي للألوان، إذ عرف أن مرور الضوء الأبيض عبر موشور زجاجي سينتج ألوان قوس قزح التي نعرفها على الجانب الآخر، وهي: أحمر، وبرتقالي، وأصفر، وأخضر، وأزرق، ونيلي، وبنفسجي (ألوان الطيف). فصمم أول عجلة ألوان في عام 1666م، وهي دائرة بها أثنى عشر لون. تبدو كأن أحدهم ألصق عليها طرفي قوس قزح الأحمر والبنفسجي.
وللألوان دلالتها في حياتنا الشخصية، وقد نعت أطباء علم النفس والفنانون كل لون بعدة صفات ودلالات تعلن عن مشاعر من يُحب هذا اللون، والحالة المزاجية والنفسية له. فقالو أن: [اللون الأصفر. (السعادة والأمل والعفوية، وأيضا الغيرة وعدم الرضا).
اللون الأحمر (الطاقة والعاطفة والخطر).
اللون الأخضر (الطبيعة والنمو والتناغم، أيضًا للثروة والاستقرار).
اللون الأزرق (الهدوء والثقة والذكاء). اللون الأبيض (النقاء والبساطة والثقة).
اللون الأسود (الأناقة والرقي -القسوة والظلمة). اللون الرمادي (الحيادية والاحتراف والتقليدية). وهكذا باقي الألوان.
كل ذلك في علم النفس، وعالم الأناقة والجمال والديكور. وقد يفضل الشخص أكثر من لون في حياته سواء في الملابس أو المقتنيات. فهل هناك علاقة للألوان بالروح والمشاعر الإنسانية؟
عند مراجعة الألوان الاثني عشر لا نجد من ضمنها [(الأبيض -الأسود) ثم (الرمادي)].
وهذا التقسيم بين الأقواس مقصود. فاللون الرمادي استحداث بشري صرف. وتقف مندهش عندما تعرف كيف نحصل على هذه الألوان الثلاثة.
أولاً: اللون الأبيض. يمكن الحصول عليه من خلال مزج ثلاثة ألوان هي (الأصفر، والأزرق، والأخضر)، وهذه الألوان الثلاثة هي ألوان الضوء، وعند مزجها سويًا يصبح اللون الناتج فاتحًا يتجه نحو الأبيض، وعند إضافة المزيد والمزيد منها ومع درجة الضوء ينتج اللون الأبيض.
ثانيًا: اللون الأسود. هو ناتج مزج الألوان (الأحمر-الأصفر-الأزرق-الأخضر) معًا بنسب مختلفة. كما أنه ينتج عند مزج جميع الألوان معًا.
ثالثًا: اللون الرمادي. هو ناتج مزج اللون الأسود مع اللون الأبيض بنسب مختلفة. فكلما ذادت كمية لون عن الأخر تغيرت درجة اللون.
[اعتمادًا على علم الفيزياء يمكن القول: بإنّ اللون الأبيض إلى جانب اللون الأسود لا يمكن اعتبارهما ألوانًا حقيقيّة؛ حيث إنّ اللون الأبيض ناتج عن اختلاط الأطوال الموجيّة للضوء وانعكاسها نحو عيوننا، وقلة انعكاس الضوء نحو عيوننا ينتج اللون الأسود].
ومن علم النفس وتحليلاته لمعاني الألوان ودلالاتها. ومن واقع الحياة. نجد أن هذه الألوان الثلاثة تعبر عن حياتنا الروحية، وكيف نسلك. فاللون الأبيض يرمز للنقاء، ونسمع التعبير الدارج "قلبه ابيض" أي نقي السريرة لا يحمل في داخله مرارة أو حقد. والأسود يرمز للظلمة، وأيضًا له تعبير شائع " شخص سوداوي" أي إنسان لا يحب الخير لغيره. بل تصرفاته تتسم بالعدوانية. أما الرمادي فهو يعبر عن الحيادية. أو بتعبير اخر الوسطية، وهذا له تعبير شعبي "يمسك العصا من النصف" وهو غير عالم أنه هو المضرور الوحيد في الحالتين، لأنه يعيش الازدواجية مما يفقده ثقة الناس، بل يوصف بأنه منافق.
ففي علاقتنا مع الله والناس. علينا الحذر وكل الحذر من اللون الرمادي. فهو لون التأرجح بين الفرقتين، لون الوسطية الغير مجدية على الإطلاق. بل تقود للنفاق وفقد كل شيء. فالحياة الإيمانية ليس بها وسطية، ولا تضع قلبك على كلمات التشجيع المزيف للحقيقة، فالرب ليس لدية سوى نوعين من البشر (اخيار. وهم الذين أحبوه وسلموا الحياة له بالتمام، واشرار. رافضي الخضوع له واتباع وصاياه). فلا يوجد لدية "المؤمن الجسدي" فهذا الوصف استخدم على المنابر بطريقة خاطئة تمامًا. وللأسف أصبح تعليم دون فحص مضمون التعليم الصحيح. فالرب يقول لملاك كنيسة اللاودكيين " أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي"(رؤ3: 15-16).
فالعلاقة مع الرب لابد أن تكون بكل القلب. أي قلب غير منقسم قد تخصص بالكلية للرب. فالوصية تعلن أنه يجب علينا أن نحب الرب: " فَأَجَابَ وَقَالَ:" تُحِبُّ ‍الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ"(لو10: 27). هذه المحبة علامتها أن نتبع الرب ونتمثل به في حياتنا اليومية وفي كل عمل. فالرب يقول:" وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَ‍يَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي."(لو9: 23).
فالحب قرار، والتبعية اصرار، والمواظبة انتصار. نعم فعنما تجتمع هذه فينا فنحن أعظم من منتصرين، ويحق لنا أن نهتف مع الرسول بولس ونقول: "أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي."(في4: 13).

عزيزي القارئ. من المهم جدًا أن تعرف لون حياتك. لأن حسب لون حياتك تكون علاقتك مع الله والناس أيضًا. فهنيئًا لك أن تمتعت باللون الأبيض في حياتك السرية مع الله والعلنية مع الناس، ولا تنزعج أن كان اللون الرمادي أو الاسود (ضعف الشرية) يظهر احيانًا في حياتك. فالرسول يوحنا يقول:" إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا."(1يو1: 8). ولكن كلمة الله تعلن عن الطبيعة الجديدة التي صار فيها المُحب للرب. فنقرأ: "لأَنَّ الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَعْثُرُونَ بِالشَّرِّ."(أم24: 16). لذلك لا تحبط في وقت ضعفك. فقط أطلب من الرب كما داود:" طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ."(مز51: 7)، واعترف بضعفك وأرفض فعل الشر. لأن " مَنْ ‍يَكْتُم خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ."(أم28: 13)، لذلك يشجعنا رسول المحبة يوحنا الحبيب ويقول:" إِنِ اعْتَرَفْنَا ‍بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ."(1يو1: 9).
أخيرًا. ما هو لون حياتك؟، فلون حياتك يحدد ما تحصده من معاملاتك مع الله والناس في الحياة الأرضية. كما أنه هام جدًا لمصيرك الأبدي. امين.