يوسف وهيرودس في مرآة الميلاد
1/22/2024 12:00:00 AM
في (متى 1: 18-2: 1-23) يختلف مدخل إنجيل متى عن باقي الأناجيل بزاوية مختلفة ومتميزة فيبدأ بسلسلة النسب (مت 1: 1-17). وهي تُبَيِّن هوية المسيح من حيث كونه، مَنْ هو: "كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ" (مت 1: 1). من حيث كونه ابن داود كأعظم ملك، وابن إبراهيم تحقيقًا للعهد: "وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ." (تك 12: 3). وقد تحقَّق الوعد من خلال المسيح: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ." (أف 1: 3). وتكشف سلسة نسب المسيح عن لاهوت النعمة تحقيقًا للعهد الإبراهيميّ فيرد فيها أسماء مثل: ثامار، راحاب، راعوث، بثشبع. وكأن رسالة المسيح هي لكل البشر مهما كانت خطيتهم.
بعد سلسلة النسب يأتي الإعلان ليوسف (مت 1: 18-24) خلاف لوقا الذي فيه يأتي الإعلان لمريم (لو 1: 26-45)، ويتميز متى بقصة المجوس (مت 2: 1-12)، كذلك لوقا بقصة الرعاة (لو 2: 8-19). ويتفق متى مع لوقا في التركيز على الولادة الجسديّة للمسيح، ومرقس على بداية خدمة المسيح "بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ" (مر 1: 1) ويوحنا عن الوجود الأزلي لشخص المسيح "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ." (يو 1: 1). وبالتالي تكون الأناجيل الأربعة قد قدَّمت سيرة المسيح منذ الأزل (يوحنا) وميلاده الجسديّ (متى ولوقا) ثم بداية خدمته (مرقس).
في إنجيل البشير متى وبعد سلسلة النسب تظهر في قصة الميلاد شخصيتين يصلا إلى حد التضاد في التصرفات والمواقف حول ميلاد المسيح، وهما: يوسف وهيرودس. يوسف يطيع رغم صعبة الموقف، وهيرودس يرفض الموقف بجمله ويصل إلى الحيل، والكذب، والقتل. ارتبطت الحياة بيوسف والقتل بهيرودس، ويمكن إيجاد أربعة مواقف تفرق بين الشخصيتين، وهي:
1- الموقف من النفوذ والسلطة،
2- الموقف من مصادر المعرفة،
3- الموقف من الدوافع الداخليّة،
4- الموقف من الأنا والآخر.
أولًا: الموقف من النفوذ والسلطة
لكل شخص في الحياة له دائرة معينة يمكن التصرف فيها، وتختلف من شخص لآخر حسب ما أعطي له من مكانة، فيوسف في دور صغير مسؤول عن مريم يختلف عن دور هيرودس الملك المسؤول عن شعب بأكمله في دائرة سلطته.
في دائرة نفوذ اختصاص يوسف لم يستخدمها بسوء، يقول الكتاب: "فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا." (مت 1: 19). وبعد ذلك قبل وأطاع بالرغم من كونه متفكر في الأمر. على الجانب الآخر نجد هيرودس في موقف عكسي حيث يُسَجِّل متى هذا التصرف العنيف: "حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ." (مت 2: 16).
هيرودس أساء استخدام السلطة فوصل للقتل، وقتل أطفالًا-وهم أول الشهداء في المسيحيّة-وهي جريمة بشعة بكل المقاييس. سار هيرودس على خطى داود عندما أساء استخدام السلطة حين أخذ زوجة ليست له (2 صم 11، 12)، وآخاب الذي أخذ أرضًا ليست له (1 مل 21).
تفتح المقارنة بين يوسف وهيرودس في موضوع السلطة والنفوذ قضية الموقف من القوة في دائرة الاختصاص: السلطة الأبوية، الخدمة، العمل...إلخ، هل نقتل كهيرودس أم نكون سببًا في نجاة وحياة كيوسف. سوء استخدام السلطة يشوه من يقوم به ويؤذي الآخرين أيضًا، ولعل المنطقة ملتهبة لسوء استخدام السلطة فنجد مشاهد الدمار والعنف. اعط للشخص سلطة-أي سلطة-ولاحظ ردود أفعاله.
السلطة في خدمة الآخرين وليست في التسيد عليهم، غسل المسيح أرجل التلاميذ (يو 13: 1-16) ليعلمنا أن نكون في خدمة الآخرين، وليغسل قلوبنا من الكبرياء والتعالي، ونتوقف عن إيذاء الآخرين.
ثانيًا: الموقف من مصادر المعرفة
تفتح المقارنة بين يوسف وهيرودس حول مصادر المعرفة، فمن أي مصدر عرفا ميلاد المسيح؟ وما هو موقف كل منهما؟ نجد يوسف قد أُعلن له في حلم: "وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ. وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا." (مت 1: 20-23). نلاحظ أن خبر الحلم قد ثبت بنبوة من الكتاب المقدَّس.
والأحلام لدى يوسف تعود بنا إلى يوسف العهد القديم والقدرة على التفسير والتي من خلالها تم الإنقاذ والمجاعة واستبقاء حياة، وهكذا الأحلام في العهد الجديد على يد يوسف كانت لاستبقاء حياة، ويربط بين اليوسفين القدرة على الفهم والاستيعاب بالرغم من صعوبة الموقف. يوسف أطاع مصدر المعرفة في الحلم والكلمة.
على الجانب الآخر كان مصدر المعرفة لدى هيرودس مختلف، فقد عرف من خلال المجوس عن طريق نجم وقد تحقق ذلك من خلال نبوة الكتاب أيضًا: "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟ فَقَالُوا لَهُ: فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ." (مت 2: 1-6).
ضرب هيرودس بمصدر المعرفة عرض الحائط، لم يخضع لها أو يفهما كيوسف، وأعتبر الرسالة الورادة من المصدر تهديدًا لمكانته. فنحن أمام نموذجين، الأول أطاع، والثاني عصى، والعصيان هي الخطية الأولى التي وقع فيها الإنسان.
تفتح المقارنة بين يوسف وهيرودس قضية كيف نتصرف ونتعامل مع مصادر المعرفة الروحية، وما هي مصادر المعرفة التي نلجأ إليها فكل شيء يُمتحن من خلال كلمة الله، ولعلَّ بطرس يقول: "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ." (2 بط 1: 19).
ثالثًا: الموقف من الدوافع الداخلية
التصرفات الخارجية والأفعال التي يقوم بها الإنسان تمتحن بدوافعه الداخلية، وإن كانت الدوافع الداخلية غير معروفة فالتصرفات تكشف عنها، كان دافع يوسف هو عدم التشهير بالآخرين أو إيذائهم، والحفاظ على مريم والمسيح جنينًا وطفلاً، ظهر ذلك في أعمال الطاعة، في هذه المواقف الأربعة:
الموقف الأول: التصديق والطاعة
"فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ." (مت 1: 24).
الموقف الثاني: الذهاب إلى مصر
"وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ. فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني." (مت 2: 13-15).
الموقف الثالث: العودة إلى أرض إسرائيل
"فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلًا: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ. فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ." (مت 2: 19-22).
الموقف الرابع: الذهاب إلى الناصرة
"وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ. وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا." (مت 2: 22-23).
في المقابل هيرودس أظهر عكس ما يُبطن، تظاهر بالاهتمام وحاول استغلال المجوس لصالحة دوافعه الخفية: "حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ." (مت 2: 7-8). هذه الدوافع الخفية ظهرت بعد ذلك في القتل: "حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ." (مت 2: 16).
وبين هيرودس متى وهيرودس أعمال الرسل نجد القول: "فَفِي الْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ." (أع 12: 23).
ما بين يوسف وهيرودس تظهر الدوافع الخفية في تصرفات وأفعال، قال المسيح: "اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ." (لو 6: 45).
من خلال المقارنة بين يوسف وهيرودس من خلال الدوافع نتعلم أنه كل يوم ومع كل تصرف نختبر ونمتحن دوافعنا مع داود: "اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا." (مز 139: 23-24).
رابعًا: الموقف من الأنا والآخر
قضية الأنا والآخر من القضايا المهمة من ناحية تركيز واهتمام كل إنسان، فحين تكون القضية المركزية هي الـ "أنا" تتضخم الذات، وحين يكون التركيز على الآخر يكون الآخر أخًا وليس عدوًا. بالنسبة ليوسف كان الآخر هو المهم، مريم والطفل يسوع هم في دائرة التفكير، حتى ولو تطلب ذلك الهروب إلى مصر وتحمل عناء المشقة والسفر، الخروج إلى الآخر، والعمل من أجل الآخرين هو ما فعله يوسف، وهو ما تحمله لنا رسالة التجسد.
الموضع عند هيرودس مختلف، هيرودس متمركز حول الذات، الآخر بالنسبة له يمثل تهديدًا ويتطلب التخلص منه، حتى لو سلك طريق القتل، كما قام بالفعل.
موضوع الاهتمام بشكل تصرفات الشخص مهمة من الأنا والآخر في غاية الأهمية، بعض الناس في خدمة الآخرين وليس في أذيتهم، في حمايتهم وليس تهديدهم. يحمينا الله من تضخم الذات والأنا إلى خدمة الآخرين والاهتمام بهم.
خاتمة:
في مرآة الميلاد رأينا الفرق بين يوسف وهيرودس، ومن الماضي إلى الحاضر تكون الرسالة إلى كل يوسف وكل هيرودس الآتي:
1- كيف نستخدم السلطة والقوة والنفوذ في كافة المستويات في البيت، الخدمة، العمل، لنحذر من سوء استخدام السلطة. السلطة والنفوذ والقوة هي في خدمة الآخرين.
2- نحتاج لمصادر موثوقة للمعرفة الروحية، وهذا المصدر هو كلمة الله المقدسة، وعندما يواجهنا بحقائق مثلما فعل المجوس مع هيرودس، لا نهرب منه بل نعدل من سلوكياتنا وتصرفاتنا، موقف يوسف خلاف موقف هيرودس. التصديق للكملة والعيش بها هي أساس للفهم والتصرف.
3- اختبار الدوافع الداخلية في غاية الأهمية في كل مواقفنا: "أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا." (في 4: 8). يقول بولس أيضًا: "لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ." (أع 24: 16).
4- نحذر من تضخم الذات، نحن في خدمة الآخرين كيوسف، وليس في الاستعلاء عليهم والانتقام منهم وقتلهم كهيرودس، لسان حالنا كل يوم اختبرني يا الله وأعرف قلبي امتحني وأعرف أفكاري.
5- ما بين يوسف وهيرودس جاءت قصة المجوس، وما يميزهم هم تصديقهم ويقينهم حسب رؤيتهم للنجم، ولكن بكل خضوع وإخلاص: "ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ." (مت 2: 12). القدرة على تغيير الأفكار والاتجاهات في ضوء المعطيات هي مهارة طيبة عاشها يوسف وعاشها المجوس ويمكن أن نعيشها نحن، أن تتغير أفكارنا وحياتنا إلى الأفضل.