حوار مريم وأليصابات في ميلاد المسيح
1/29/2024 12:00:00 AM
(لوقا 1: 34-56)
مقدمة:
في قصة الميلاد نجد سيدتين في علاقة سوية دار بينهما حوارًا، مريم وأليصابات، هذا النموذج أعاد بي إلى فكرة وجود سيدتان معًا في الكتاب المقدَّس كنماذج في العلاقة والحوار، ولموضوع الحوار نفسه، منها من تحاورتا معًا، ومنهما من لم يتحاور ولكن حوار المواقف والأفعال كان أقوى، وسأضع بعض من هذه النماذج هنا، عبر الكتاب المقدَّس، بالإشارة إلى المواضع التي ذكرتا فيمها، وهما:
أولاً: عادة وصلّة وكسر النموذج الإلهيّ في الزواج مع الحياة في مجتمع عنيف (تك 4: 19-24)
أول إشارة في الكتاب المقدَّس إلى سيدتين معًا نجدهما "عادة وصلّة"، حسب قول سفر التكوين: "وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ، وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ." (تك 4: 19). في أول إشارة كسر النموذج الإلهيّ الذي وضعه الله في قصة الخلق، وهو رجل واحد لامرأة واحدة، أدم لحواء وحواء لأدم، حتى بعد الطوفان كان هذا النموذج هو النموذج الإلهيّ رجل واحد لامرأة واحدة.
لامك يتزوج بامرأتين ليبين بُعد نسل قايين عن النموذج الإلهيّ في الخلق. خطاب لامك لهما هو خطاب عنيف: "وَقَالَ لاَمَكُ لامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ، وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلًا لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي. إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ." (تك 4: 23-24). الانتقام حسب لامك "سبعة وسبعين" ولكن الغفران الذي أتى به المسيح هو: "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ." (مت 18: 22). السؤال: كيف عاشا معًا (عادلة وصلّة) في ظل هذا الجو من العنف؟ وما هي أول مشاعر لأول جمع بين زوجتين معًا؟ ساهمت المرأة في كسر النموذج الإلهيّ بموافقتها بتعدد الزوجات، الأمر الذي عاد به المسيح إلى النموذج الأول: "فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟" (مت 19: 4).
النموذج الثاني: سارة وهاجر بين الاستغلال والاستعلاء (تك 16، تك 21)
هذا النموذج مشهور، وحسب قانون حمورابي كان يُسمح للسيدة الحرة أن تستخدم الجارية أو الخادمة أن تحمل وتلد لها، أي يكتب الطفل باسم الحرة، وكان زواج إبراهيم من هاجر هو اقتراح سارة، ولكن عندما تمّ الأمر حدثت غيرة بين المرأتين، فيها نظرة استغلال وفيها نظرت استعلاء (تك 16: 1-4).
يتم طرد هاجر مرتين في تك 16 و21. لكن تبقى هذه السيدة بأنها المرأة الأولى في الكتاب المقدَّس الذي تحدث الله معها مباشرة: "فَوَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ عَلَى عَيْنِ الْمَاءِ فِي الْبَرِّيَّةِ، عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ. وَقَالَ: يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟ فَقَالَتْ: أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ. فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا. وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ." (تك 16: 6-10).
وقد سمع الله لمذلتها وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: "هَا أَنْتِ حُبْلَى، فَتَلِدِينَ ابْنًا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ. فَدَعَتِ اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهَا: أَنْتَ إِيلُ رُئِي. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَههُنَا أَيْضًا رَأَيْتُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ؟ لِذلِكَ دُعِيَتِ الْبِئْرُ بِئْرَ لَحَيْ رُئِي. هَا هِيَ بَيْنَ قَادِشَ وَبَارَدَ." (تك 16: 11-14).
في تكوين 21 طردت هاجر بناء على طلب سارة، ولكن الله يظهر لها ثانية: "فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَالْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ. وَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ، وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ. فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ. فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً." (تك 21: 11-18).
وإن كان إبراهيم أعطاها قربة ماء وخبزًا، نجد أن الله أكرمها بما هو أكثر من ذلك فتح الله عينيها على بئر ماء: "وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ. وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ." (تك 21: 19-20). شتان الفرق بين عطايا الإنسان وعطايا الله. السؤال لو تقابلت هاجر مع سارة اليوم ماذا يكون الحوار بينهما؟ هل سيكون الموضوع هو الاستعلاء والاستغلال؟ أم سيكون هناك موضوعات أخرى؟
النموذج الثالث: أبنتا لوط: تحريض على الرذيلة والفساد (تك 19: 30-38)
عادة ما نستبعد التعرض لهذه القصة ولا نطرحها للحوار والنقاش في كنائسنا، لأنها حساسة ومفزعه، لكن واقعية الكتاب المقدَّس سردت هذه المواقف لتسقط العصمة عن كل البشر، "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ." (رو 3: 12). وذكر هذه المواقف لا لنقلدها ولكن لنتجنبها، في الحوار بين الابنتين سقطت الحرمة الجنسيّة، وأقاما علاقة مع والديهما في لحظة من غياب العقل لديه، لإقامة نسلاً منه. هذا الفعل هو تحريض على ممارسة الرذيلة وفعل الفساد. عندما يغيب العقل تحدث الكوارث.
في هذا الحوار فيه نوع من تبرير الخطأ، وهو إقامة النسل بطريقة غير شرعية، وكانت النتيجة هو ولادة مؤاب وأمون اللذان كانا شوكة في جنب إسرائيل، فإن كان شعب الله يتكون مع إبراهيم، نجد الشعب المعارض له يتكون من أحفاد لوط. ورود هذه القصة بهذا الخطأ، هو إدانة للشر، وإدانة لتبرير الخطأ، ودعوة لحياة القداسة.
النموذج الرابع: ليئة وراحيل وقضية التمييز (تك 29: 15-31)
الشعور بالظلم هو أقسى أنواع العذاب، ولا سيما إذا جاء ذلك من الأب أو الزوج، وليئة وقع عليها التمييز من أبيها ومن زوجها: "وَكَانَ لِلاَبَانَ ابْنَتَانِ، اسْمُ الْكُبْرَى لَيْئَةُ وَاسْمُ الصُّغْرَى رَاحِيلُ. وَكَانَتْ عَيْنَا لَيْئَةَ ضَعِيفَتَيْنِ، وَأَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ حَسَنَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ. وَأَحَبَّ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ، فَقَالَ: أَخْدِمُكَ سَبْعَ سِنِينٍ بِرَاحِيلَ ابْنَتِكَ الصُّغْرَى. فَقَالَ لاَبَانُ: أَنْ أُعْطِيَكَ إِيَّاهَا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ أُعْطِيَهَا لِرَجُل آخَرَ. أَقِمْ عِنْدِي. فَخَدَمَ يَعْقُوبُ بِرَاحِيلَ سَبْعَ سِنِينٍ، وَكَانَتْ فِي عَيْنَيْهِ كَأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَهَا." (تك 29: 16-20). وصل ليئة لمشاعر الكراهية، هي مكروهة، ولكن الرب كان له رأي آخر: "وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ لَيْئَةَ مَكْرُوهَةٌ فَفَتَحَ رَحِمَهَا، وَأَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ عَاقِرًا." (تك 29: 31).
في سفر راعوث الكتاب المقدَّس يعيد الاعتبار لليئة مساوية في البناء كراحيل: "فَقَالَ جَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ فِي الْبَابِ وَالشُّيُوخُ: نَحْنُ شُهُودٌ. فَلْيَجْعَلِ الرَّبُّ الْمَرْأَةَ الدَّاخِلَةَ إِلَى بَيْتِكَ كَرَاحِيلَ وَكَلَيْئَةَ اللَّتَيْنِ بَنَتَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَاصْنَعْ بِبَأْسٍ فِي أَفْرَاتَةَ وَكُنْ ذَا اسْمٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ." (را 4: 11). التمييز آفة كبرى تفرق بين الأسر والعائلات وأبناء الوطن الواحد، ويخلق مشكلات كثيرة بين البشر، ولا يكفي رفع شعار "لا للتمييز" ولكن يجب وضع هذه الشعر في مواقف عملية.
النموذج الخامس: شفرة وفوعة ومخافة الله والكرم الإلهيّ (خر 1: 15-22)
يا لها من حكمة عجيبة، في الوقت الذي لم يذكر الكتاب المقدَّس اسم من هو فرعون الخروج، ذكر فيه اسما القابلتين، وهما كأسمائهما: زينة وفرح، وأمام الأمر الفرعوني الملكيّ بقتل الأطفال الذكور: "وَكَلَّمَ مَلِكُ مِصْرَ قَابِلَتَيِ الْعِبْرَانِيَّاتِ اللَّتَيْنِ اسْمُ إِحْدَاهُمَا شِفْرَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى فُوعَةُ، وَقَالَ: حِينَمَا تُوَلِّدَانِ الْعِبْرَانِيَّاتِ وَتَنْظُرَانِهِنَّ عَلَى الْكَرَاسِيِّ، إِنْ كَانَ ابْنًا فَاقْتُلاَهُ، وَإِنْ كَانَ بِنْتًا فَتَحْيَا." (خر 1: 15-16). أمام هذا الأمر نجد تحدي له بناء على خوف الله، "وَلكِنَّ الْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا اللهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ، بَلِ اسْتَحْيَتَا الأَوْلاَدَ." (خر 1: 17). فلم يجهضا السيدات العبرانيات ولم يقتلا الأطفال، ولكن خوفهما لله، جعلهما يأخذان القرار الصحيح، ويستطيعا أن يبررا موقفها أمام فرعون مصر. فَدَعَا مَلِكُ مِصْرَ الْقَابِلَتَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا: لِمَاذَا فَعَلْتُمَا هذَا الأَمْرَ وَاسْتَحْيَيْتُمَا الأَوْلاَدَ؟ فَقَالَتِ الْقَابِلَتَانِ لِفِرْعَوْنَ: إِنَّ النِّسَاءَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لَسْنَ كَالْمِصْرِيَّاتِ، فَإِنَّهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُنَّ الْقَابِلَةُ. فَأَحْسَنَ اللهُ إِلَى الْقَابِلَتَيْنِ، وَنَمَا الشَّعْبُ وَكَثُرَ جِدًّا." (خر 1: 18-20).
الله يستخدم الشخصيات بأدوارها الصغيرة والكبيرة، الله استخدم القابلتين في تنفيذ إرادته ومشيئته، كما كان دورك صغير يمكن من خلال خوف الله أن يكون مفيدًا في الملكوت. وكانت النتيجة أن الله كافئهما وأقام لهما بيوتًا، أي كونا أسر وَكَانَ إِذْ خَافَتِ الْقَابِلَتَانِ اللهَ أَنَّهُ صَنَعَ لَهُمَا بُيُوتًا." (خر 1: 21).
الحوار بين القابلتين كان في التركيز على خوف الله واحترام قيمة الإنسان كإنسان، حين نخاف الله في حياتنا تحدث المعجزات، فـ"رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. فِطْنَةٌ جَيِّدَةٌ لِكُلِّ عَامِلِيهَا. تَسْبِيحُهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ." (مز 111: 10).
النموذج السادس: مريم ويوكابد الإيمان وشجاعة الموقف (خر 2: 1-10)
في الإصحاح الأول الله استخدم القابلتين بصورة عامة للحياة لكل الأطفال الذكور المولدين، لكن في الإصحاح الثاني الله استخدم الله أسرة بصفة خاصة لحماية طفل لمهمة خاصة، وقد فسَّر الكتاب المقدَّس في الرسالة إلى العبرانيين هذا الموقف الوارد في الإصحاح الثاني من سفر الخروج بأن التصرف الذي تم هو بناء على الإيمان "بِالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلًا، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ." (عب 11: 23).
ولكن من الناحية الإنسانية حين أتخيل موقف الأم وهي تضع أبنها في سفط وتتركه في النهر، أنه موقف قاسي جدًا على قلبها، ولكن تدبيرات العناية الإلهيّة تجعل ابنة فرعون تأخذه، وأخته مريم ترشح له أمه لترضعه، هكذا انتشل موسى من ماء النهر، كما أنتشل الله من خلاله شعب الله من ماء البحر الأحمر. قضية الحوار بين مريم وابنة فرعون، وبين مريم وأمها بعد ذلك هي قضية إيمان الذي يعطي شجاعة الحياة. وشعرهما في الحياة هو: "لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ، إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ." (مز 100: 5).
النموذج السابع: نعمي وراعوث بين الانتماء والولاء (را 1: 14-23)
العلاقة بين نعمي وراعوث علاقة نموذجية بالرغم من اختلاف المكان والثقافة والعمر إلا أنه هناك شعور بالوحدة والقبول والتعاون المشترك بينهما، حين يكون الله في وسط العلاقة تستمر، وإن كان السفر بدأ بالحزن في الإصحاح الأول فينهي بالفرح في الإصحاح الرابع. في الإصحاح الأول توجد عرفة ونعمي وراعوث، وإن كانت راعوث هي جدة داود، فحسب التقليد عرفة هي جدة جليات.
موقف نعمي: فَقَالَتْ نُعْمِي لِكَنَّتَيْهَا: اذْهَبَا ارْجِعَا كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى بَيْتِ أُمِّهَا. وَلْيَصْنَعِ الرَّبُّ مَعَكُمَا إِحْسَانًا كَمَا صَنَعْتُمَا بِالْمَوْتَى وَبِي. وَلْيُعْطِكُمَا الرَّبُّ أَنْ تَجِدَا رَاحَةً كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتِ رَجُلِهَا. فَقَبَّلَتْهُمَا، وَرَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ وَبَكَيْنَ." (را 1: 8-9).
لنقرأ رد فعل راعوث: فَقَالَتْ رَاعُوثُ: لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ. هكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِي وَهكَذَا يَزِيدُ. إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ." (را 1: 16-17).
الحوار بين المرأتين كان حوارًا راقيًا انتقل من مشاعر التقدير إلى الفعل والأعمال الإيجابية، فراعوث تلتقط من الحقل لحماتها "فَالْتَقَطَتْ فِي الْحَقْلِ إِلَى الْمَسَاءِ، وَخَبَطَتْ مَا الْتَقَطَتْهُ فَكَانَ نَحْوَ إِيفَةِ شَعِيرٍ. فَحَمَلَتْهُ وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةَ. فَرَأَتْ حَمَاتُهَا مَا الْتَقَطَتْهُ. وَأَخْرَجَتْ وَأَعْطَتْهَا مَا فَضَلَ عَنْهَا بَعْدَ شِبَعِهَا." (را 2: 17-18) وحماتها تفكير في خطة لزواجها من بوعز. وَقَالَتْ لَهَا نُعْمِي حَمَاتُهَا: «يَا بِنْتِي أَلاَ أَلْتَمِسُ لَكِ رَاحَةً لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟ فَالآنَ أَلَيْسَ بُوعَزُ ذَا قَرَابَةٍ لَنَا، الَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ؟ هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ اللَّيْلَةَ. فَاغْتَسِلِي وَتَدَهَّنِي وَالْبَسِي ثِيَابَكِ وَانْزِلِي إِلَى الْبَيْدَرِ، وَلكِنْ لاَ تُعْرَفِي عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَمَتَى اضْطَجَعَ فَاعْلَمِي الْمَكَانَ الَّذِي يَضْطَجعُ فِيهِ، وَادْخُلِي وَاكْشِفِي نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجِعِي، وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ. فَقَالَتْ لَهَا: كُلَّ مَا قُلْتِ أَصْنَعُ." (را 3: 1-4). كلما كان هناك تقارب في المحبة كلما كان حوار الفهم كبيرًا.
النموذج الثامن: حنة وفننة وصراع ضرتين (1صم 1: 1-28)
من يملك شيئًا من الله كخلفة الأولاد ليس مدعاة لمعايرة الآخرين، هكذا فعلت فننة مع حنة: "وَكَانَتْ ضَرَّتُهَا تُغِيظُهَا أَيْضًا غَيْظًا لأَجْلِ الْمُرَاغَمَةِ، لأَنَّ الرَّبَّ أَغْلَقَ رَحِمَهَا." (1 صم 1: 6). من أجل المراغمة أي أرادت أن تكسر أنفها أو تضعها في التراب، وصف الكتاب مشاعر حنة بالقول: "وَهِيَ مُرَّةُ النَّفْسِ. فَصَلَّتْ إِلَى الرَّبِّ، وَبَكَتْ بُكَاءً" (1صم 1: 10). لكن على الجانب الآخر الله سمع لحنة وأكرمها بصموئيل. الحوار الذي كان من فننة تجاه حنة هو حوار كراهية وعنف وهذا لا يليق، وكون الكتاب يرصد الأمور السلبية فمعنى ذلك أنه لا نكررها، فلا بد أن يتحول من خطاب الكراهية لخطاب المحبة والقبول.
ولعل صلاة حنة تذكرنا بصلاة مريم في العهد الجديد، تصلي حنة بالقول: فَصَلَّتْ حَنَّةُ وَقَالَتْ: فَرِحَ قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ. لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ، وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلهِنَا. لاَ تُكَثِّرُوا الْكَلاَمَ الْعَالِيَ الْمُسْتَعْلِيَ، وَلْتَبْرَحْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ عَلِيمٌ، وَبِهِ تُوزَنُ الأَعْمَالُ. قِسِيُّ الْجَبَابِرَةِ انْحَطَمَتْ، وَالضُّعَفَاءُ تَمَنْطَقُوا بِالْبَأْسِ. الشَّبَاعَى آجَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُبْزِ، وَالْجِيَاعُ كَفُّوا. حَتَّى أَنَّ الْعَاقِرَ وَلَدَتْ سَبْعَةً، وَكَثِيرَةَ الْبَنِينَ ذَبُلَتْ. الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ. لأَنَّ لِلرَّبِّ أَعْمِدَةَ الأَرْضِ، وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهَا الْمَسْكُونَةَ. أَرْجُلَ أَتْقِيَائِهِ يَحْرُسُ، وَالأَشْرَارُ فِي الظَّلاَمِ يَصْمُتُونَ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُوَّةِ يَغْلِبُ إِنْسَانٌ. مُخَاصِمُو الرَّبِّ يَنْكَسِرُونَ. مِنَ السَّمَاءِ يُرْعِدُ عَلَيْهِمْ. الرَّبُّ يَدِينُ أَقَاصِيَ الأَرْضِ، وَيُعْطِي عِزًّا لِمَلِكِهِ، وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ». (2 صم 2: 1-10).
النموذج التاسع: مريم ومرثا وحوار التكامل في الخدمة (لو 10: 38-43)
يسجل لوقا البشير هذا الموقف بالقول: وَكَانَتْ لِهذِهِ أُخْتٌ تُدْعَى مَرْيَمَ، الَّتِي جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ. وَأَمَّا مَرْثَا فَكَانَتْ مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ. فَوَقَفَتْ وَقَالَتْ: يَا رَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدُمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُعِينَنِي! فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَها: مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا" (لو 10: 38-43).
حول المسيح رأينا مشهدين: الأول مرثا التي تهتم بمحاولة إكرام المسيح من ناحية إعداد الطعام، والثاني، مريم حيث جلست عند قدمي يسوع، والمسيح في هذا المشهد، نقل المسيح هذا المشهد من مشهد الشكوى لدى مرثا إلى مشهد التكامل في الخدمة بين مريم ومرثا. في هذا الحوار ينتقل من الشكوى إلى التكامل في الخدمة.
النموذج العاشر: مريم وأليصابات وحوار تواصل الأجيال (لو 1: 34-56)
في مشهد الميلاد نرى نموذج متميز في العلاقة بين مريم وأليصابات، أليصابات هي الشخصية الأولى التي فكرت أن تذهب إليها مريم بعد معرفتها بالخبر، وبالرغم من اختلاف السن، واختلاف التعبير يقول الكتاب عن أليصابات أنها صرخت، ولكن مع مريم يقول إنها قالت، اختلاف الأمزجة لم يجعل بنهما فواصل بل كان هناك تواصل. لكن كانت هناك علاقة طيبة بينهما. أدركت أليصابات قيمة مريم وأدرك الجنين قيمة يسوع: "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ." (لو 1: 41-45).
وكان رد فعل مريم هذه التسبيحة والأنشودة العظيمة: فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ." (لو 1: 46-55).
وفي هذا اللقاء نرى مجموعة من الأمور المشجعة، مثل: التواصل بالرغم من اختلاف الأجيال، الراحة أو لمن فكرت فيها مريم بعد الإعلان الإلهي لها أن تذهب إلى بيت أليصابات، الشركة والتشارك بالأمر، الثقة وثقت مريم في أليصابات، والأهم من ذلك هو أن المرأـين تحدثا عن عظائم الله معهما، وأجمل شيء يجمع بين المرأتين هو الحديث عن عظائم الله.
خاتمة:
في العشر نماذج نجد قضايا مختلفة ومتنوعة للحوار بين المرأتين عبر رحلة في الكتاب المقدَّس، نتجنب ما هو سلبي ونركز على ما هو إيجابي، ويعوزني الوقت لو تحدثت عن أفودية وسنتيخي وطلب وحوار الوحدة: "أَطْلُبُ إِلَى أَفُودِيَةَ وَأَطْلُبُ إِلَى سِنْتِيخِي أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْرًا وَاحِدًا فِي الرَّبِّ." (في 4: 2). أو لوئيس وأفنيكي وتواصل الأجيال في الإيمان: "إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلًا فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا." (2 تي 1: 5).
أو كل امرأتين يتحدثان معًا فيجب أن يتفكرا في: "أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا." (في 4: 8).
ويكون السؤال مفتوحًا أمامنا: لما اتنين ستات يحكوا مع بعض، هيقولوا إيه؟