آراء و أقلام إنجيلية

في التجسّد: نرى عمل الله المدهش

  • بقلم: ق. عيد صلاح

عندما نفكر في التجسّد أي أن الله صار إنسانًا، كما كانت تعلن الكنيسة الأولى وما زالت: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ." (1 تي 3: 16). في التجسّد تمتلكنا الدهشة والتعجب، هو نفس موقف العذراء مريم حين سمعت البشارة: "فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟" (لو 1: 34).
ونفس الموقف حين استمعت مريم العذراء ويوسف إلى شهادة الرعاة: "وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا." (لو 2: 18-19). الاندهاش يقود لطرح الأسئلة، والتفكير في الأمر، ويحمينا من اعتياد الأمور، ويخلق فينا الرغبة في المعرفة والشكر لله على أعماله المدهشة معنا.
موقف الاندهاش والتعجب يرافق قصة التجسّد من البشارة وحتى الآن، السؤال في قصة الميلاد ما الذي يدهشنا؟ وكيف نرى عمل الله المدهش في هذا الحدث المعجزي؟ تكون الإجابة على هذا السؤال ي ثلاثة أمور هامة ظهرت في قصة التجسّد وما يتبعها من أحداث خاصة في حياة المسيح، خدمته الجهارية، آلامه، صلبه، موته، قيامته، صعوده للسماء، مجيئه الثاني، وهي:
1- التواصل،
2- الإعلان الإلهيّ،
3- المهمة الرئيسية
التواصل، والإعلان الإلهيّ، والمهمة الرئيسية مرتبطون معًا في فكر الله عن التجسّد، وهي المبادرة الإلهيّة لتحقيق الخلاص من خلال شخص المسيح.

1- التواصل
يستخدم البشير يوحنا مدخلان مختلفان عن شخص المسيح: الأول هو "الكلمة" (يو 1: 1). والثاني، هو "حمل الله" (يو 1: 29). الأول مدخل يونانيّ فلسفيّ، الكلمة هو العقل المحرك أو الشرارة الأولى التي أوجدت العالم، والثاني مدخل يهوديّ مبني على مفهوم خروف الفصح (خر 12) الذي يمثل أهم ذكرى وهي خروج شعب الله من أرض مصر. وحسب رؤية إشعياء عن العبد المتألم: "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ." (إش 53: 7). وهي نفس المخيلة في كتابات يوحنا عن الحمل: "وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ." (رؤ 5: 6).
من خلال المدخل الفلسفيّ اليونانيّ الذي يفهمه غير اليهود في ذلك الوقت، فهم لا يفهمون الحمل بمعناه اليهوديّ، ومن خلال المدخل اليهوديّ عن حمل الله الذي يستخدمه اليهود الذين قد لا يفهمون كثيرًا المعنى الفلسفيّ، نجد أن الإنجيل يتغلغل في كافة الثقافات، يقول بولس: "لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ، وَجَدْتُ أَيْضًا مَذْبَحًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: لإِلهٍ مَجْهُول. فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ، هذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ." (أع 17: 23). ويقول أيضًا: "فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ." (1 كو 9: 20). في قضية التواصل نرى ثلاثة أمور:
أولاً: الله يتصل بالإنسان
يعلن يوحنا "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا." (يو 1: 14). وعبَّرت الكنيسة بالقول: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ." (1 تي 3: 16). وعبَّر بولس أيضًا بالقول: "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا." (كو 2: 9). الله صار إنسانًا، شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية، فالمسيح بلا خطية: "لِأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلَا خَطِيَّةٍ." (عب 4: 15). المسيح لم يعرف خطية: "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ." (2 كو 5: 21). المسيح ليس فيه خطية: "وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ." (1 يو 3: 5). المسيح لم يفعل خطية: "الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ." (1 بط 2: 22). أخذ الله هذه المبادرة بظهوره في الجسد، صار إنسانًا، لكي يفدي ويخلص الإنسان، "فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ." (مت 1: 21).
ثانيًا: الإنسان يتصل بالله
بناء على اتصال الله بالشر من خلال المسيح، نجد أن علاقة جديدة قد أسست هذه العلاقة ليست مبنية على العرق، أو العنصريّة، أو القبليّة، أو المكانيّة، أو الطبقة الاجتماعيّة، ولكن عن طريق الإيمان به: "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ." (يو 1: 11-12). أولاد الله هم الذي يستطيعون أن يصلوا قائلين: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ" (مت 6: 9). وهي المكانة التي تحدث عنها الرسول بولس: "إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: يَا أَبَا الآبُ." (رو 8: 15).
وبالتالي لا يحتاج الإنسان إلى وساطة أخرى غير المسيح: "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ." (أع 4: 12). والمسيح هو الوسيط الوحيد: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ، الشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ. الَّتِي جُعِلْتُ أَنَا لَهَا كَارِزًا وَرَسُولًا. اَلْحَقَّ أَقُولُ فِي الْمَسِيحِ وَلاَ أَكْذِبُ، مُعَلِّمًا لِلأُمَمِ فِي الإِيمَانِ وَالْحَقِّ." (1 تي 2: 5-7). وهو الشفيع الوحيد: "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ." (1 يو 2: 1).
ثالثًا: الإنسان يتواصل مع الإنسان
نتيجة للعلاقة بين أتصال الله بالإنسان، واتصال الإنسان بالله من خلال شخص المسيح، يتصل الإنسان بالإنسان في علاقة صحيحة وناضجة. ركّز المسيح في تعاليمه ولا سيما في موعظة الجبل إلى البناء الداخلي للإنسان ونظرته للحياة وللآخر، وكيفية ممارساته الدينيّة بعيدًا عن المظهرية (مت 5-7). وفي دعوة يوحنا للتوبة ركّز على الثمر، وفي نفس الوقت حصر هذا الثمر في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان: "فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْرَاهِيمَ. وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. وَسَأَلَهُ الْجُمُوعُ قائِلِينَ: فَمَاذَا نَفْعَلُ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هكَذَا. وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضًا لِيَعْتَمِدُوا فَقَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا نَفْعَلُ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ. وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضًا قَائِلِينَ: وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ، وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ." (لو 3: 8-14).
ربط يوحنا بين التوبة وصناعة الثمر، وقال المسيح: "مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟" (مت 7: 16). وركّز يوحنا على أحشاء الرأفات والعطاء، والكفاية، وتحقيق العدل، وهي ما يجب أن تكون بين أولاد الله الذين هم في تواصل معه.

2- الإعلان الإلهيّ

السؤال الأكبر هو: كيف أعلن الله عن ذاته في الكتاب المقدَّس؟ أعلن الله عن ذاته في الكتاب المقدَّس بأنه واحد: "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ." (تث 6: 4). وهو مثلث الأقانيم: أب، ابن، وروح قدس. وفي ثلاث أحداث وردت في الكتاب المقدَّس غير قابلة للتكرار، وهي: الخلق، والتجسّد، حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين، ظهر جليًا عمل الثالوث القدس. فالثالوث عقيدة إعلانيَّة، الله يعلن عن ذاته في الخلق، والتجسد، وحلول الروح القدس، أي أن هذه العقيدة قد أعلنت في كلمة الله، وسوف نتتبع بعض الأحداث الكتابيّة التي تبرهن على الثالوث، وهي:
أولاً: الخلق
نرى عمل الثالوث الآب والابن والروح القدس في الخلق، الله الآب، أول كلمات الكتاب المقدَّس: "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." (تك 1: 1). الله الروح القدس، ورد في مزمور: "تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ." (مز 104: 30). الله الابن، يقول البشير يوحنا: "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ." (يو 1: 3). عمل الثالوث واضح في الخلق.
ثانيًا: التجسّد
في بشارة الملاك للعذراء مريم (لو 1: 26-38). ظهر الثالوث بصورة واضحة: الله الآب يرسل: "وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ." (لو 1: 26). الله الابن يُبَشر به: "لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ" (لو 1: 32). الله الروح القدس هو الذي يتمم الأمر، عندما سألت مريم العذراء، السؤال المهم وهو: "فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟" (لو 1: 34). كانت الإجابة: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ." (لو 1: 35). في التجسّد ظهر عمل الثالوث القدوس بوضوح.
ثالثًا: المعمودية
يُسَمّي البعض حدث المعمودية بالغطاس إشارة إلى طريقة المعمودية لكنها الأصح تُسَمَّى بعيد الظهور الإلهيّ، ورد حدث المعمودية في (مر 1: 9-11؛ مت 3: 12-17؛ لو 3: 21-22؛ يو 1: 29-34). وحسب هذه النصوص الواردة عن المعمودية نجد ظهور الثالوث القدوس: الآب والابن والروح القدس، فالآب يخاطب الابن: "وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْت." (مت 3: 17). وفي هذا المشهد نرى ظهور واضح للروح القدس: "وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ." (لو 3: 22). "وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلًا: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. (يو 1: 32). ومن خلال التجسد والمعمودية وأيضًا خدمة المسيح نجد حضور الروح القدس: "أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ." (لو 4: 1؛ مت 4: 1؛ مر 1: 11).
رابعًا: القيامة
في القيامة نرى عمل الثالوث القدوس أيضًا: المسيح قام: "لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ." (مت 28: 6). الله أقام المسيح من الأموات: "الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أف 1: 20). "وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ." (أع 3: 15). والروح القدس أقام المسيح: "وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ." (رو 8: 11).
خامسًا: حلول الروح القدس يوم الخمسين
في حلول الروح القدس يوم الخمسين نرى الله مثل كافة الإعلانات الكتابية، الله المثلث الأقانيم، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا." (أع 2: 3-4). قوميات كثيرة: "نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ" (أع 2: 11). وموضوع الكرازة في عظة بطرس هو شخص المسيح: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ. هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ." (أع 2: 22-24).
الثالوث ليس فكرة مخترعة من عقل البشر، ولكنها إعلان إلهيّ عن طريق الوحي في كلمة الله، الله أعلن عن ذاته بهذه الكيفية، ويمكن من خلال الكلمة فهم الثالوث بصورة واضحة من خلال رؤية الله الواحد المثلث الأقانيم الآب والابن والروح القدس، وهي ليس قضية جدلية أو فلسفية ولكنها إعلانية أي الله أعلن عن ذاته بهذه الطريقة، ويمكن فهم الثالوث بطريقة عملية تطبيقية فنجد أنفسنا محصورين بمحبة وعناية ورحمة ونعمة الله لنا عندما ندرك أن الله الآب فوقنا، والمسيح الله الابن يسير بجوارنا ومعنا، والروح القدس يحيا فينا. في مرات كثيرة كان الرسول بولس يختم رسائله بهذه البركة، بالقول: "نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ." (2 كو 13: 14).

3- المهمة الرئيسية
أعلن يوحنا عمن هو المسيح؟ وما هي رسالته العظمى؟ "وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!" (يو 1: 29). وهذا الإعلان تأكيد لما قيل ليوسف في الحلم "فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ." (مت 1: 21). وقد تمّ ذلك من خلال بذل المسيح: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16). وقد تم ذلك بالفعل على الصليب، حين قال المسيح: "فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ: قَدْ أُكْمِلَ. وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ." (يو 19: 30).
الحمل في نظر العالم ضعيف ولكنه يرفع خطية العالم، الكنيسة ضعيفة في العالم ولكن قوية بالرب يسوع المسيح، الملح قليل لكنه مؤثر. لا أحد، ولا شيء، ولا إمكانية غير يسوع المسيح للخلاص، فشخص المسيح كافٍ لإتمام الخلاص. عندما سأل سجان فيلبي: "ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا وَقَالَ: يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟" (أع 16: 30). قيل له: "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ." (أع 16: 31). وما زالت هذه الإجابة مقدمة لكل شخص يأس وخاطي وحزين، الخلاص فقط في شخص المسيح.
التجسّد يدهشنا من خلال مفهوم التواصل، تواصل الله مع البشر، وتواصل البشر مع الله، وتواصل الإنسان مع الإنسان، ومن خلال عمل الثالوث القدوس، ومن خلال التركيز على المهمة الأساسية لمجيء المسيح إلى عالمنا يرفع خطية العالم.

تطبيقات ختامية:
1- التواصل الصحيح مع الله كرد فعل لتواصل الله معنا في المسيح يقود لتواصل جيد بين الإنسان وأخيه الإنسان بعيدة عن التعالي والاستغلال والطبقية...إلخ.
2- من خلال عمل الله المثلث الأقانيم نحن محصورون بمحبته وعنايته ورحمته، فهو فوقنا، ويسير بجوارنا، ويحيا فينا بروحه.
3- خطايانا قد رفعت في المسيح على الصليب، ووحده كلي الكفاية في أمر خلاصنا،
ونأتي إليه قائلين مع داود: "ارْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا. إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ، لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ... قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي." (مز 51: 1-4، 10).
ومع العشار: "وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلًا: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ." (لو 18: 13). وما أجمل القول: "أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ." (لو 18: 14).