ليدية .. (واعتياد المكان)
3/4/2024 12:00:00 AM
نظرت من النافذة وتيقنت أنه حان الوقت. فقامت اغتسلت وارتدت افخر ثيابها وخرجت في طريقها إلى صديقاتها، ومن شارع إلى شارع؛ ومن بَيتِ إلى بَيتِ، أخذت تدعو النسوة للتواجد بالمكان المعتاد. وفي حديثها كانت أكثرهن غيرة على هذا التجمع؛ وهي تريد الكثيرات يأتين. فهي منذ زمن تأتي إلى هذا المكان، وأصبحت لها مكانتها الهامة في هذا التجمع، كما أن تجارتها أعطتها ثقل في العمل. فبكل المقاييس هي سيدة مجتمع ولها نفوذها، وكثيرات كن يقتدن بها.
والحقيقة المكان رائع جدًا فهو قرب النهر حيث الخضرة والهواء المنعش، والمُجتَمِعات صاحبات وجارات لهن علاقة طيبة. تحلو لهن الجلسة والحديث في شؤون الحياة المختلفة، ويزداد على ذلك أنهن في هذا اللقاء الأسبوعي في يوم السبت. كن يُقمن طقوس الصلاة والتعبد لله. يا لها من فرصة رائعة وعادة جميلة.
منذ متى تأتي صديقتنا؟، وفي أي سني حياتها؟ كم مرة أتت إلى هذا المكان؟ لا نعلم... لكن نعلم شيء واحد؛ أن حياتها لم تتغـير في شيء، ولم تأخـذ شيء جديد. لأنهـا كما هـي في كل شيء. هكذا تأتي وترجع. فلا جديد في حياتها. ويشابهها الكثيرين في أيامنا هذه. يأتون إلى الكنيسة كعادة جميلة. بهدف قضاء بعض الوقت ولقاء الأصدقاء، وأكثر من ذلك ليُطلق عليهم صفة "ابن الكنيسة". ولكنها عادة خادعة. قد يظن من يواظب عليها أنه قريب من الله، وإن حضور الكنيسة يكفي ليرضي الله والوصول إلى السماء.
صديقي... ما نمارسه كعادة لا يصلح للسماء، وذلك لأن هذه العادة لا تأتي من القلب بل هي موروثات تعلمناها منذ حداثتنا. إما بالترغيب أو الترهيب والوعيد. أو الخوف من إننا نوصف بعدم معرفتنا لله. لأننا لا نصلي ولا نذهب للكنيسة.
لذلك تأمل معي هذه الأعداد (أع 16: 11-15) أنها أعداد قليلة تصف لنا عادة جميلة في حياة [لِيدِيَّةُ بائعة الأرجوان]. عادة المواظبة على حضور اجتماع الصلاة الأسبوعي. عند النهر. حيث تتجمع النسوة ويُقمن بالدعاء والصلاة.
دعنا نسأل هل تختلف ليدية عن السامرية؟ من تحدثنا عنها في الصفحات السابقة. قبل لقاء الرب. قد تقول:
- السامرية تبحث عن مكان السجود.
+ ليدية تعرف مكان الصلاة.
- السامرية حياتها دنسة.
+ ليدية متعبدة.
هكذا بنظرتنا الإنسانية نقول: ما ابعد الفارق! بين سيدة لا تقـدم سـجود، وأخرى تواظب على الصلاة، وبين امرأة زانية وامرأة متعبدة... أليس كذلك يكون حكمنا؟!
لكن ما حكم السماء؟، وكيف يراهما الله فاحص القلوب؟، أنهما في حالة واحدة تمامًا. هذه كتلك. لا فرق بينهما على الإطلاق... كيف؟!
لأن كل منهما لم تقبل الرب المخلص. ومازال قلب كل منهن خالي من الإيمان به ومعرفته المعرفة الحقيقية.
صديقي... انتبه معي... ليدية اعتادت أن تأتي إلى مكان الصلاة، وبكل تأكيد كانت ترفع الطلبات إلى الله، وتعمل وتُقدم ما يطلب منها بحسب الناموس. على سبيل الفرض وليس بالإيمان والحب. لذلك لم تكن "مُصغيًة" إلى الشريعة لتعرف الحق وتعيشه. بل كان كل ما تريد معرفته. ما هو المطلوب لتقدمه؟ وهنا الخطر بل كل الخطر.
أقرأ معي(أم 7: 6-23) ما قولك عن هذه المرأة التي تدعوا الشاب لفراشها لأن زوجها في سفر؟ كيف تكون حياتها؟، ورغم ذلك تقول:" عَلَيَّ ذَبَائِحُ السَّلاَمَةِ. الْيَوْمَ أَوْفَيْتُ نُذُورِي"(أم7: 14). أية نذور هذه التي أوفتها؟!، النذور التي [اعتادت] أن تقدمها كما علموها. دون مخافة الله، وهي تظن أنها تقدم لله ما يرضيه.
هل الله يقبل نذور الإنسان الخاطئ؟!! لذلك يقول الرب في كلمته مُعلمًا لنا " فَقَالَ صَمُوئِيلُ:" هَلْ مَسَرَّةُ الرَّبِّ بِالْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ كَمَا بِاسْتِمَاعِ صَوْتِ الرَّبِّ؟ هُوَذَا الاسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ"(1صم15: 22).
فما أكثر من هذه الحياة المستهترة بالفضيلة في أيامنا. سواء بين الأفراد أو المجتمع؛ وبحسرة أقول: وبالمجتمع الكنسي.
دعنا من هذا... وتعال نعرف ماذا حدث مع ليديا. هيا بنا نقف معًا ونتأمل هذه العبارة " فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ"(أع16: 14).
البداية سمعت ليس كسابق سماعها، ولكنها في يقظة وفطنة "أصغت" إلى كلمة الله التي يتحدث بها الرسول بولس. كلمة الله كشفت لها نفسها. اكتشفت أن ما كانت تقوم به من حضور وأعمال. لا يفيدها بشيء إن لم تقترن بحياة نقية؛ وهذه الحياة النقية تأتي بالإيمان، وذلك بسماع وطاعة كلمة الله. تجاوبت وأقرت في قلبها أنها تحتاج لعمل الله في داخلها. أي جعلت قلبها لفهم طريقها وهكذا تأملت حياتها.
فتح الرب قلبها بالكلمة المقدسة. إذ صدقت الكلمة وأمنت بخبر الخلاص الذي بيسوع المسيح المخلص الوحيد. الذي لا ينظر إلى ماضيها، ولا إلى كم مرة أتت إلى مكان الصلاة. فكل هذه الأمور لا شيء بالنسبة له إن لم يمتلك القلب.
عندما فتح الرب قلبها تغيرت حياتها، وظهر ذلك التغير في تصرفها تجاه بولس ورفيقه. لأن الرب عندما فتح قلبها وسكن فيه أمتلك كل الحياة. (أمتلك القلب. فأمتلك البيت). أصبح الكل للرب.
لذلك تصرفت ليدية في حب. في إعلان عن علاقتها الجديدة بالرب؛ من عادة التعبد لحياة القبول والإكرام. تحولت من المظهر للجوهر. من حياة عبادة العادة إلى الحياة الروحية الجادة " هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟"(رو6: 4).
انظر إليها راجعة إلى بيتها. هل كما جاءت؟ لا. لقد تغيرت الرفقة! أنها جاءت مع صديقاتها اللَّواتي يتوددن لها. لكنها ترجع الآن وهي راجية وطالبة في تواضع من الرسولين أن يسيرا معها. ولإلحاحها استجاب الرسولين لزيارة بيتها؛ ليعلنا أن البيت أصبح للرب بقبول ليدية للمخلص.
يا للتغيير العجيب! أنها الآن تشعر بالاحتياج للرفقة الصحيحة. إلى عشرة المؤمنين أولاد الرب. ما أعظم عملك يا رب. لقد عرفت وفهمت الطريق، وجعلت القلب عليه.
صديقي... كثيرًا ما نوجد في الكنائس ونسمع كلمة الرب. هذه الكلمة المكتوب عنها " هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ"(إش55: 11)، ويوضح ذلك الرسول بولس ويقول:" لِهؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ. وَمَنْ هُوَ كُفْوءٌ لِهذِهِ الأُمُورِ؟"(2كو2: 16).
أي أن كلمة الرب تعمل في سامعيها. فمن يسمع ويعمل بما تقول الكلمة فله حياة، ولكن إن سمع ولم يعمل فله الموت، وهذا يتضح لنا من قول الرب:" فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ.،..... وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ"(مت7: 24،26). وأيضًا يوضح المعنى أكثر ويقول:" وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ. فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ"(مت13: 23)، ويعلن لنا حقيقة جوهرية لحياتنا إذ يقول:" اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ"(يو5: 24).
لذلك يحذرنا الرب بشدة من أن نحول أذاننا عن سماع الشريعة " مَنْ يُحَوِّلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ الشَّرِيعَةِ، فَصَلاَتُهُ أَيْضًا مَكْرَهَةٌ"(أم 28: 9). لأنه إن لم ننفذ وصية الرب التي بكلمته؛ فنحن لا نستمع للرب، ولا نعبده ولا نعرفه المعرفة الحقيقة، ويتم فينا قول الرب:" يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا"(مت15: 8)، ونحن نخدع نفوسنا بصلواتنا. التي لا تستجاب.
صديقي... أن تكون لك عادة الذهاب إلى الكنيسة فهذا أمر جميل. أدعوك أن لا تقصر في ذلك. لكن تحذر من أن تسمع كلمة الله ولا تطيعها، أو أنك تكتفي بحضور الاجتماعات دون الحياة للرب من كل القلب.
كم مرة سمعت صوت الله يدعوك لتأتي إليه؟ ليخلصك ويحررك، ويرشدك ويعلمك الطريق... كيف تعاملت مع هذا الصوت؟
هل قبلت ونفذت بكل قلبك. أم لم تبالي واعتمدت على أنك لك (عادة) حضور الكنيسة. إنها طريق خادعة.
صديقي... الأمر الهام والجوهري في الحياة المسيحية. ليس العادة الجيدة بل القلب المتجدد بالإيمان. فالعادات لا تصل بالإنسان للأمان. بل سماع كلمة الرب (بقلب يفهم)، لتكون لك الحياة الجادة بالوصية فتضمن السماء.