قصة اللص التائب
3/11/2024 12:00:00 AM
أولا: كيف سارت القصة؟
إذا أردنا قصة مسيحية قوية ومؤثرة تعلمنا عن انجيل النعمة، فلا يمكن أن نتجاهل قصة اللص التائب الذي صُلب الى جوار يسوع.
تم صلب لصين مع يسوع. أحدهما تكونت وتعمقت لديه ثقة بيسوع ونال خلاصا.. أما الآخر فلم يثق ولم يؤمن ولم يخلص.
هذه المقالة لكي نتناول معا ومن خلال أربعة أفكار بسيطة قصة اللص التائب أو كما يحلو للبعض أن يعطوه لقب "اللص النادم"
1- اللصان يُعَيّران يسوع
كانت عملية الصلب تستنزف الطاقة والحياة من أجساد المصلوبين. ولا أدري لماذا استنزف اللصان ما تبقى لديهم من طاقة فيما قال عنه الكتاب: "وبذلك أيضا كان اللصان اللذان صُلبا معه يُعَيّرانه"
لقد سار اللصان على نفس نهج المجتازون والكتبة والشيوخ ورؤساء الكهنة قائلين:
- خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها.
- ان كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به.
- قد اتكل على الله، فلينقذه الآن ان أراد لأنه قال "أنا ابن الله" متى 27: 39 – 43
- لم يتعجب يسوع من الصلب بين لصوص اذ كان يدرك ما جاء في سفر اشعياء ص 53: 12
"وأُحِصيَ مع أثمة"
- ولم يتعجب أيضا من التعيير اذ بينما كان يردد ما جاء بمزمور 22: 1 "إلهي إلهي لماذا تركتني؟
كان يدرك أيضا بقية أجزاء المزمور:
"كل الذين يرَونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه وينغصون الراس قائلين: "
"اتكل على الرب فليُنجه. لينقذه لأنه سُرَّ به" مز 22: 7 و8
2- اللص التائب أدرك كم هو خاطئ
بينما توجه أحد اللصين بهذه الكلمات الى يسوع قائلا:
"ان كنت أنت المسيح فخلص نفسك وايانا" لوقا 23: 39
إذ بنا نسمع اللص التائب ينتهره قائلا:
" أولا أنت تخاف الله اذ أنت تحت هذا الحكم بعينه؟ أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محله" لوقا 23: 40 و41
يا له من تحول مذهل.. لم يعد هذا اللص يُعَيّر يسوع، بل تحول للدفاع عنه. ما هذا التغيير؟
نحن لا نعلم متى بدأت رحلة التغيير داخل قلب وعقل هذا اللص. نحن لا نعلم متى بدأت مخافة الله تدخل حيز تفكيره.
ربما نجد حلاً لهذ اللغز عندما نعلم أن يسوع قد مات قبل موت اللصين. فكان لديهما الوقت الكافي لرؤية وسماع كل الأحداث ولعل أهمها عندما صلى يسوع طالبا الغفران لصالبيه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.
ونحن لا نعلم كيف حدثت عملية التحول الايماني داخل وجدان هذا اللص. لكن نستطيع أن نخمن أنه قال في نفسه:
إذا كان يسوع لديه القدرة للغفران لمن وضعوا المسامير في يديه ورجليه، ولمن غرز اكليل الشوك في جبينه، فليس من الصعب أن يغفر له أيضا.
3- ايمان اللص التائب بيسوع المسيح رباً
بعد أن اكتملت عملية التغيير والتحول الايماني، طلب اللص طلبة عميقة جدا من يسوع:
"أذكرني يا رب متى جئتَ في ملكوتك" لوقا 23: 42
آمن اللص بأن يسوع المسيح رب وملك وله مملكة حقيقية عكس الملك الأرضي العادي الذي لا يمكن أن يموت على صليب وليس له مملكة بعد مماته.
لذلك كان ايمان هذا اللص بأن يسوع هذا ملك وأكبر من مجرد ملك أرضي.. انه ملك يستطيع أن يأخذه معه لمملكته السماوية.
4- اللص التائب نال الخلاص بيسوع المسيح
"أجابه يسوع قائلا: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس" لوقا 23: 43
وها نحن نرى لصا كان من المفروض أن يفتح عينيه بعد لحظات ويرى نفسه في الجحيم، نراه وقد فتح عينيه في الفردوس.
تَغَيَّر مصيره الأبدي بكلمة ايمان "أذكرني"
ثانيا: ماذا تعني لنا هذه القصة
- تعلمنا هذه القصة أن الخلاص هو عطية من الله.
- لم يكن لدى هذا اللص وقتا للقيام بأعمال صالحة
- لم يكن لديه وقتا ولا قدرة لرد المسلوب
- لم تكن لديه فرص لمساعدة الفقراء والمحتاجين
- لم يسعفه الوقت للمعمودية
- لم يكن لديه وقتا ليصل لمستوى رفيع من الايمان من خلال اختبارات شخصية ومعرفة كتابية
لكن كان كل ما يستطيع فعله في اللحظات الأخيرة من حياته أن ينظر الى المخلص بإيمان طالبا الرحمة وهذا بالفعل كان كل ما يستطيع عمله وأيضا كان هذا كل ما يحتاجه.
اختبار اللص التائب هو أولا ملخص مثالي وشامل للحقيقة الكتابية أن الخلاص هو عطية ونعمة من الله عندما نقبله بالإيمان وليس بالأعمال وفي هذا يقول الرسول بولس في رسالته الى تيطس 3: 5:
"لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس"
ثالثا: قصة اللص التائب تظهر لنا أنه لا خطية أكبر من أن تُغتفَر.
لقد نال هذا اللص حكما بالموت على شره واثمه وخطاياه. لكن بالنسبة ليسوع فهذه الأفعال كلها قابلة للغفران.
موت يسوع كان كافيا لكي يدفع عنا دين خطايانا جميعا
رومية 6: 23 "لأن أجرة الخطية هي موت، وأما هبة الله فهي حياة أبدية"
في النهاية
هذه القصة تعطي الأمل للجميع حيث آمن اللص بيسوع في لحظات حياته الأخيرة. وهذا يبرهن أن الله يمحو الاثم ويستر الخطية ويبرئ الساحة ويهيئ الطريق لتتحقق أقوى معجزة يمكن أن تحدث في حياة أي انسان في أي توقيت وهي أن يمد يده بإيمان ويقبل عطية الخلاص وليس من أعمال كي لا يفتخر أحد.
لكن قد يخطر على بال أحدنا التفكير الآتي:
سأحيا كما أريد ويكون الايمان عندما يتقدم بي العمر.
أو هناك تفكير آخر: سأؤمن وأنا على فراش الموت.
هذا الفكر هو فكر طائش.. متهور.. ملئ بالمجازفة والمخاطرة لسببين:
الأول: من قال إن فرص التوبة آتية ومضمونة؟ فالقلب قد يتوقف في لحطة والحياة قد تنتهي بدون أي إنذارات.
الثاني: إذا لم يكن لديك اشتياق للإيمان الآن، فمن أدراك أنه سيكون لك رغبة واشتياق في المستقبل؟ لأن القلب الذي يَتَقسَّى بالخطية طويلا، قد يفقد تأثير نعمة الله عليه.
جميعنا مثل اللص التائب. قد أخطأنا الى إله قدوس ونستحق غضب الله المعلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم.. وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة، هكذا المسيح أبضا بعدما قُدِّمَ مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للذين ينتظرونه “عب 9: 27 و28
هناك رجاء لكل انسان يتضع أمام الله ويأتي اليه بإيمان وتوبة. ان فعلت ذلك فستسمعه قائلا:
الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس.