آراء و أقلام إنجيلية

رحلة في سياحة المسيحي

  • بقلم: ق. رفعت طنيوس بدروس

يقولون أن القراءة غذاء العقل، وباب المعرفة والحكمة. بل أن القِراءةُ سِباحةٌ في بحر العلم والمعرفة على مركب السطور، فهي سِباحةٌ مأمونة العواقب، مضمونة النتائج. فالقِراءةُ ثَراءٌ بالمعرفةِ والفكرِ واللُّغة، والخُلق والأدب، وتسمو بالذوقِ والمشاعر والجَمال. قالوا أيضًا أن الكتاب صديق وفي لا يبخل بمعلومة إن سألته. لذلك مهما كنت مشغول، لا بدّ أن تجد وقتًا للقراءة، ولا تسلّم نفسك للجهل الذي تقضي به على نفسك.
أعتبر نفسي من القراء. لأني تعلمت حب القراءة بتشجيع الراعي الذي تتلمذت على يديه الراحل القس/عوض إبراهيم عوض. رئيس مجمع كنائس المثال المسيحي. وراعي الكنيسة التي نشأت بها. كنيسة المثال المسيحي بساحل طما. سوهاج. فانه لم يكن يومًا يجيب على سؤال مني إلا بتقديم كتاب على سبيل الاستعارة للبحث عن ما أريد معرفته. وبعد ذلك نتناقش فيما وصلت إليه. وهذه شهادة لابد منها. ومن بين الكتب التي قدمها لي كتاب رائع جدًا. بل قيل فيه أنه أعظم كتاب بعد الكتاب المقدس. كان له التأثير الكبير على حياتي. أقدمه لكم في السطور التالية.
انحدر كاتبنا من عائلة فقيرة لا تمتلك قوتها اليومي، وبصعوبة استطاع ان يدرس ويتعلم، وتعلم أيضًا حياة اللهو حتى أصبح رئيسًا لعصابة من الأشرار، ورفض حياة الإيمان وعاش حياة مستبيحة بمعنى الكلمة. حدثت مفارقات كثيرة في حياته؛ فقد نجى من الغرق مرتين وخرج من النهر بعد سقوطه فيه بمعجزة، وبالجيش تطوع زميل له ان يأخذ مكانه ومات بدلاً منه.
هذا لم يغير في تفكيره ولم يبالي بما يحدث له؛ حتى دخل ذات يوم الكنيسة واستمع لعظة. كانت العظة قوية كشفت نفسه أمامه، وعند ذلك شعر بالتبكيت، وملأ الروح القدس قلبه وتغيرت الحياة. وامتلك الرب القلب والطريق؛ وبدأت رحلة جديدة في حياته. ومن المفارقات إنه لم يدخل السجن في أيام الخطية والشر؛ إلا أنه دخل السجن بعد الإيمان بالمخلص. سُجن لا لأجل جريمة ارتكبها بل لأنه ينادي بالابتعاد عن الجريمة والخطية، ويقدم رسالة المسيح للنفوس المتعبة تحت ثقل الآثام والذنوب، وتم التهديد والوعيد له إن لم يصمت.
ولم يصمت بل أستمر يعظ وكان العقاب (كما يظنون) الزج به وراء القضبان. في سنة 1660 كان كاتبنا وراء القضبان الحديدية وظروفه غاية في القسوة. لكن كانت روحه تسبح في نهر النعمة الفياض. وأخذ القلم وسطر بكل مفردات اللغة كلمات تصف أعظم اختبارات الحياة قاطبة. وبعد مدة خرج الى الحرية الجسدية يكمل مسيرة الوعظ حتى رقد في 12/8/1688م. تاركًا لنا عدة كتب رائعة وعميقة وشيقة جدًا تحمل بين طياتها أعظم الحقائق الإيمانية الهامة لكل من يحب أن يعيش للمسيح. كَتب مُلهم بروح إيمانية عميقة وبأسلوب روائي درامي (بحبكة درامية مثيرة). فوصف الأحداث والشخصيات بصورة رمزية معبرة، فجاءت كالتابلوهات البديعة. من بين كتبه الكتاب الذي أقدمه لكم. في هذا الكتاب يكتب رؤياه العظيمة لحياة الإنسان. والمواقف المختلفة والطرق المتشعبة التي تقابله في وصف سهل ممتع. فأنه كان في الروح، وبالروح راح يسطر أعظم سمات ومعاني الحياة مع المسيح.
وتبدأ سطور الكتاب الذي نتصفحه لتعلن عن " شخص " شعر بحمل ثقيل على كتفيه يكاد يسحقه. ولعدم معرفة طريقة للتخلص من ذلك الحمل. تكدرت حياته وساده الفزع. ولم يجد هذا الشخص مفر من الصراخ ثم الصراخ، وأخذ يفكر في الخروج من دائرة الحياة، ولكن إلى أين؟، وهنا يظهر في المشهد شخص (المبشر) والذي يعطي للشخص الصارخ درجًا مكتوبًا فيه "أهرب لحياتك " وأشار له إلى باب بعيد ينبعث منه ضوء، وطلب منه التوجه نحوه. فهناك يجد الحل للتخلص من حمله الثقيل والنجاة من العقاب، والحياة السعيدة.
وتتوالى الأحداث. حيث يخرج كل من (المعاند والمذعن) المجاورين له في السكن ليحاولا إرجاعه إلى بيته، وسريعًا يرجع المعاند؛ ويستمر المذعن في المسير معه للاقتناع الوقتي بحديث الشخص الهارب. لكن سرعان ما وقعا في بالوعة اليأس [حمأة من الأوحال = صعوبة طريق الحياة] وتلطخا بالأوساخ، وأخذ كل منهما يحاول الخروج؛ ولكن كلٍ في أتجاه. فالمذعن خرج بالجهد الجهيد نحو بيته، وأسرع راجعًا تاركًا الجار " الهارب " يواجه مصيره في هذه البلوعة. لكن الشخص الهارب "طالب النجاة" استمر في محاولة الخروج نحو الباب المضيء، وهنا يقترب منه شخص يدعى (المنجد) ويساعده في الخروج، ويستمر في المسير.
ثم يتقابل مع (الحكيم الدنيوي والناموسي) اللذان اقلقاه بالأفكار الكثيرة، ويعود من جديد (المبشر) في الظهور ليرده للطريق السليم. وما هي إلا خطوات ويتعثر بدخوله بيت (المفسر) ومن بعده (الطقسي والمرائي) ويتحدث مع مجموعة أخرى. حتى يمر بوادي الاتضاع وهنا تحدث معركة بينه وبين شخص يدعى (ابوليون) ويدخل وادي ظل الموت وما به من أهوال، وهنا يتقابل مع شخص يدعى (الأمين) ويتصادقا ويسيران معًا ويصادفهما (الطماع، والخجول، وكثير الكلام)، ويدخلا سوق الأباطيل. ولأن تصرفاتهما لا ترضي من في السوق تُنصب لهم محكمة وكانت هيئتها مكونة من (الأعمى ومبغض الصلاح والحقود والشهواني)، وبعد سماع شهادة (الحسود والمُقلد) يصدر الحكم عليهما بالجلد، وأثناء تنفيذ الحكم عليهما.....؟!!!
تُرى ماذا حدث؟ وماذا عن مقابلات الهارب مع (الراجي والمداجي وأصدقائه؟)، وماذا عن سهل الراحة، وقلعة الشك، والارض المسحورة؟ وهل وصل الهارب للنجاة؟ ودخل المدينة ورأى أمجادها؟
ستجد الإجابة في الكتاب الرائع "سياحة المسيحي" للكاتب يوحنا بنيان. إصدار جمعية خلاص النفوس بمصر. اشجعك أن تقرأه. وقت مبارك مع أحداث هذا الكتاب. أصلي ان تكون انت الهارب وقد تمتعت باختباره.

والرب يباركك.