آراء و أقلام إنجيلية

مُجَّسد المُتجَّسد

  • بقلم: ق. رفعت طنيوس بدروس

ارتجت القاعة من قوة التصفيق الذي أستمر طويلاً، وكان الجميع في اندهاش وانبهار من قوة وصدق المشهد. لأن الممثل اتقن الدور الذي كان يقوم به. فقد اندمج بكل حواسه مع الشخصية التي كان يؤديها على خشبة المسرح. حتى ظن الحضور أن المشهد حقيقة وليس تمثيل، وذلك من خلال إظهار تفاصيل الحياة الشخصية بكل ما تحمل من مشاعر ومواقف. فكان التصفيق الحاد. في عالم فن المسرح.
فهل يوجد ذلك عمليًا على مسرح الحياة المتسع؟، هل يوجد مَن يعيش، ويجتهد ويندمج تمامًا. ليقدم شخصية محبوبة لدي عامة الناس؟، وهل يقدمها بحياته وتصرفاته وكلماته؛ أي يقدمها بكل كيانه.
أقول: نعم. نعم يوجد من عاش تمامًا حياة الشخص الذي أراد أن يقدمه للناس. عاشه ليقدمه لنا من خلال مشاهد حياته. لنعرف أنها حياة تعاش وليست مشهد في مسرحية. فأستحق التصفيق. تصفيق حار مسموع. ولن أكون مبالغ إن قلت نحن نسمعه حتى الآن. ليس تصفيق أيدي بل قلوب. لأن المشهد مبهر للجميع. والحق يقال لم يكن المشهد مجرد اتقان واندماج ممثل في الدور. فهناك فرق شاسع بين التمثيل والتمثل. فالمشهد حقيقي مائة بالمائة. فمن عاش المشهد استطاع أن يقدم الشخصية كما ظهرت في كل مراحلها. لذلك كان الابهار والانبهار طابع لدي الجميع على مر العصور والثقافات في شتى بقاع العالم حتى يومنا هذا.
من خلال كلمة الله (الكتاب المقدس) دستور الحياة. الذي نجد فيه الشخصيات التي تقدم لنا القدوة الصالحة لحياة مقبولة لدى الله. فمن خلال أسفار العهد الجديد تتضح الصورة كاملة لحياة ذلك المتمثل بسيده، والذي دعانا للتمثل به."كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ"(1كو4: 16،11: 1& في3: 17).
كنت في حيرة وأنا اختار عنوان يصلح للشخصية التي اتحدث عنها. هل يكون؟ (صورة طبق الأصل. أم صورة بالكربون، أم التلميذ والمعلم. أم التابع الحقيقي. أم أنه نموذج للاقتداء. أم الشاهد المُخَّجل)، والكثير من العبارات، وحقيقة الأمر جميعها صواب؛ وتعوزنا الصفحات بل المجلدات إن تحدثنا عنها واحدةً فواحدةً. فهو الصورة بكل اشكالها ومعانيها، وهو التلميذ النجيب، والتابع الأمين، وهو نموذج الاقتداء المثالي، وهو أيضًا الشاهد علينا كشهادة رجال نينوى وملكة التيمن على الذين لم يؤمنوا بابن الله (مت12: 41-42)، وهو المُخَّجل لنا بحياته. لأننا لم نحيا حياة أبن الله كما يجب. لعدم رغبتنا. نعم لعدم رغبتنا!، فالرب أعد لنا ما يمكننا من الحياة المقدسة.
فالرسول بطرس المختبر لتلك العطية يقول:" كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ،"(2بط1: 3). فحياة من نتحدث عنه تتطابق تمامًا مع حياة الرب.
وأنا أفكر تذكرت فكرة (مسرح الحياة). وما يقوم به الممثلون من تجسيد للشخصيات. فكان العنوان "مُجَّسد المُتجَّسد". فالحقيقة لم يُجَّسد أحد الآب إلا الأبن، وبهذا التجسد عرفنا الله المُحب في شخص يسوع المسيح. لأن فيه تم القول: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُؤمِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ"(1تي3: 16)، ففي المسيح اقتربنا إلى الله؛ وصارت لنا علاقة معه، وهكذا بحياة شخصيتنا اقتربت حياة المسيح منا، فما كنا نفكر أنه مستحيل أصبح ممكن. بل هو الحق الوحيد في الحياة. حياة التقوى والقداسة (حياة المسيح). حياة تعاش وليس شعارات تقال وكلمات نتغنى بها. فنستطيع أن نقول معه:" لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ."(في1: 21). بهذه الكلمات نقترب من حياة (شاول) الرسول بولس الذي استطاع بالحق أن "يُجَّسد بحياته حياة المُتجَّسد الوحيد ابن الله".
عزيزي القارئ: تعال بنا نتعرف عن شخصيتنا بنظرة شمولية. (سوف نسرد تفاصيلها في مشاهد حياته). ولد شاول (معنى اسمه. مطلوب) في مدينة طرسوس في كيليكية. الواقعة في آسيا الصغرى (تركيا اليوم)، في الفترة بين السنة الخامسة والعاشرة للميلاد. كبر وترعرع في أسرة يهودية منتمية لسبط بنيامين، كما أنه كان أيضاً مواطناً رومانياً. (أع 22: 25-29)، تعلم وتتلمذ على يد المُعلم غمالائيل، ويبدو أنه لم يلتقِ خلال تلك الفترة بيسوع الناصري، وعرف شاول باسم بولس (بمعنى. صغير) ذلك بعد اعتناقه المسيحية. (أع 13: 9). عمل كصانع خيام مع رفقاء الخدمة التبشيرية. (أع 18: 3). سطر لنا الروح القدس المعلومة الكافية عن حياته في اسفار العهد الجديد، ويسرد لنا التقليد الروماني أن بولس الرسول قطعت رأسه خارج مدينة روما قرب مياه سيلفيا (اليوم تُدعَّى. مدينة الينابيع الثلاثة). ودفن قرب طريق أوستيا سنة 67م في عهد الامبراطور نيرون.
الكثيرين تعرفوا على حياة من عاش المشهد، وذلك من خلال تتبع نشأته وصباه حتى وصوله لنهاية المشهد. فتكون داخلهم سؤال: كيف استطاع التمكن من اتقان التصرف لهذا الحد المطابق تمامًا للشخصية بكل تفاصيلها؟، فنشأته اليهودية المحافظة، وتفوقه على أقرانه في التعليم وحفظ الناموس، وغيرته المفرطة على حفظ تقاليد الاباء اوصلته لمرتبة عالية في المجتمع، وعلاقة قوية مع الرؤساء على كافة المستويات الدينية والمدنية. فكان ذا سطوة ونفوذ قوي حيث وجد. لذا كان السؤال: كيف عاش هكذا؟ لأن هناك فارق شاسع بين حياته وما يتطلبه المشهد. فكيف تحول واندمج في المشهد هكذا. حتى التطابق الحقيقي؟
علينا أن نتأمل لنتعلم ونقتدي. بحياة الرسول بولس من خلال كلمة الله؛ ونتقابل معه في مواقف حياته المختلفة والمتنوعة والصادقة. والتي نسردها كما جاءت في كلمة الله.