طريق.. اللعنة!
5/20/2024 12:00:00 AM
تعاطفت معه الأرض.. ففتحت فاها.. نعم لم تنطق ببنت شفة.. لكنها فتحت فاها وشربت دليل الجريمة.. تسترت على الجاني.. إلا أن صوت الدم صرخ من جوفها.. يطلب الحق من المُحب العادل.. السامع لصراخ المسكين.. وجاء الحكم سريعاً بلا تأجيل ولا رحمة " فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ". (تك 4: 11).
ملعون... لقب (صفة) غير مرغوب ومزعج، بل أن كلمة " لعنة " كلمة ثقيلة جدًا على المسامع، إلا أنها ثمرة البغضة.
ربما تسأل عن سبب هذا الحكم القاسي!، ماذا فعل قايين؟!
أنه قاتل.. قتل أخيه!، قتل الإنسان!
صديقي... تأمل بتأني في أول حادث قتل في تاريخ البشرية.
يا له من حادث مؤلم... تدمع له العين ويدمي له القلب.
ما هذا؟ قايين يقتل مَن؟... يقتل أخيه هابيل!
لماذا؟!... وما هو الخطأ الذي اقترفه هابيل في حق قايين؟!
هابيل... لم يرتكب ذنب ضد أخيه على الإطلاق!
المشكلة... أنه قدم قربان لله... فقبله دون قربان قايين!
آ لهذا السبب يُقتل هابيل؟!
نعم... هكذا كان حكم قايين... لا أحد أفضل مني!
(لا تتعجب!! ... فهذا حال الكثيرين في أيامنا!).
السؤال الأن... لماذا قتل قايين أخيه هابيل؟!
هل بسبب الغيرة والحقد على أخيه لقبول تقدمته؟!
أم لأنه كان يظن أنه الأحق بالقبول؟!
لأنه احتقر تقدمة أخيه؟!، لأن أخيه لم يبذل أي مجهود.
بل هو من اجتهد وتعب... وانتظر حتى نضجت الثمار.
ثم قطف وقدم بفخر... هذا نتاج مجهودي!
وكانت مفاجأة الرفض!، وعدم القبول... كالصاعقة عليه...
فلم يسأل... بل أخذ يفكر ويعلل لنفسه الأمور.. في تعجب!
ما هذا؟!.. ان الله لم ير ماذا قدمت له، لم يلقي حتى نظرة...
هذا ظلم! .. من لا يعمل يُقبل!. ومن يكد ويتعب لا ينظر له...
لذا قتل... لأنه أعتبر عدم قبول تقدمته أنما هو ظلم له!
عزيزي القارئ... فكر معي ألهذا السبب قتل قايين أخاه؟!
أم هناك سبب أخر؟!
فأنا أرى أن سبب قتله لأخيه هو أنه لم يتحدث مع الله...
لم يسأل الله الرافض لقربانه عن سبب عدم القبول!
لم يريد إكتشاف عيوبه وما شاب تقدمته من قصور!
ونظر في حقد وغيرة عمياء إلى أخيه المقبول.
بل أكثر من ذلك... صب جام غضبه على أخيه.
وهكذا نرتكب نحن... أفظع الجرائم عندما نترك الأسباب الحقيقية، ونبحث عن تبريرات ذاتية، تخدم أهوائنا وتشفي غليلنا من الناجحين.
لماذا لم يسأل قايين الله عن سبب عدم قبول تقدمته؟
فهو لا يريد الحقيقة... أنه لم يريد أن يواجه حقيقة نفسه!!
ولم يرغب في أن يعترف بعناد قلبه تجاه وصية الله، وكذلك بغضته الشديدة لأخيه.
وهذا يتضح من عدم إهتمامه لحياته. لذلك لم يُصغ إلى تحذير الرب له " إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا". (تك 4: 7 ).
لو أن قايين جلس مع نفسه بعض الوقت في هدوء وروية...
ألم يكن جَنب نفسه اللعن!... والصرخة المرة!
لكنه لم يفطن للكلمات ولم يتنبه للتحذير!... بل مضى في تفكيره دون رويـة، لأنه لم يتعـلم الـدرس كما أخيه، من قصة أبويه، وكيف ستر الله خطيتهما بالأقمصة الجلدية؛ أي (الذبيحة). التي تعني لا للعمل الإنساني الجسدي.
ولو فطن... للعمل الإلهي... لعرف أنه ليس بالأعمال يتم القبول لدى الله... بل بالإيمان العامر بالمحبة... وكان عرف الطريق التي يجب أن يسلكها لينال الرضى الإلهي، وذلك بالإصغاء للوصية، والمحبة القلبية لله والإنسان.
كان قايين أكتشف نفسه، وما يجب أن يفعل... ولم يقتل أخيه، ولم يجلب على نفسه اللعنة، ولم يصرخ في مرارة " ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ"(تك 4: 13). بل عاشا معًا في حب وسلام.
لذلك الله بقدرته يُعلم الإنسان كيف يعيش الحياة الصحيحة، فقد وضع في قلب الإنسان نور يضيء ظلمة تفكيره " صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ".(جا 3: 11)، وهكذا على مر العصور، بداية من الطوفان ومروراً بالأنبياء إلى تجسد أبن الإنسان، يعلن كيف تكون نهاية الاستمرار في الخطية، وفي محبته يقطع عهدًا مع الإنسان البار، عهد سلام وضمان، وبداية جديدة لعالم جديد "وَضَعْتُ قَـوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَـكُونُ عَلاَمَـةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ. فَيَكُونُ مَتَى أَنْشُرْ سَـحَاباً عَـلَى الأَرْضِ وَتَظْـهَرِ الْقَوْس فِي السَّـحَابِ أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَـاقِي الَذِي بَيْـني وَبَيْنَـكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ".(تك 9: 13).
ولم يكتفي بذلك بل بذل الأبن الحبيب على صليب الجلجثة لكي يتمم الفداء من دينونة الخطية لكل من يقبله " لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ "(يو3: 16-17)".
وهكذا يعلن لنا في كلمته بكل وضوح حقيقة جوهرية " أن الله يكره الخطية، ولكنه يُحب الخاطئ ". فبرغم الغضب الشديد على الخطية باللعنة، إلا أن الله بعد صرخة قايين وإعلان خوفه على نفسه، الله يضع له علامة لحمايته، بل يتوعد من يؤذيه بالعقاب سبعة أضعاف.
عزيزي القارئ.. ماذا عنك؟! آ تقتل أخيك بغضبك، بغيرتك، ببغضتك. فكلمة الله تعلن أن " كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ،"(1يو 3: 15).
صديقي تأمل معي في هدوء... يا للعجب!! (الله يستر من يخطئ إليه... ويلعن من يغضب على أخيه)
+ تعدى وصية الله مع حياة محبة مع الناس: هناك رجاء. وهذه الصورة نراها في " آدم ".
+ تعدى وصية الله وعداوة مع الناس: تأتي اللعنة. وهذا نراه في تعامل الله مع " قايين ".
صديقي.. عندما أخطأ آدم ضد الله، وكان في سلام مع حواء. تعامل معه الله برفق وستر (هناك أمل في الإصلاح)، ولم يصل العقاب للعن!، لكن عندما غضب قايين وقتل هابيل أخيه، هنا الخطأ مضاعف (ضد أخيه وضد الله). فلا حب للناس إذن لا حب لله. فكيف تكون الحياة؟! " وَمَنْ لا يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ " (1يو4: 8).
هذه كلمات جاءت من كتاب "ورود من بستان الله " لكاتب المقالة، والذي صدر عن جمعية خلاص النفوس بمصر