آراء و أقلام إنجيلية

أهتم لحياتك!

  • بقلم: ق. رفعت طنيوس بدروس

أهتم أهتم جدًا لحياتك فهذا أمر من الرب لي ولك. ولننظر كيف نتفادى مخاطر الحياة؛ ليس بمهارتنا. بل بالطريقة التي يُعلنها لنا الرب. فهو وحده الذي يستطيع أن يقول:" أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ"(مز32: 8)، وهذا ما تم في عدن عندما وضع الله آدم في الجنة ليعملها ويحفظها. إلا أنه أوصاه بأن ينفذ الوصية لكيلا يموت " وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ"(تك2: 17).
بمفهومنا البشري نقول: يا لها من وصية قاسية. فهي تمنع وتتوعد. هذه نظرتنا دون تأمل جيد في محتواها وغرضها، ولكي ندرك ذلك علينا معرفة سبب ووقت صدورها، فأنها قيلت بعد ما أغدق الله على آدم بكل بركاته الروحية والزمنية. ونرى ذلك بوضوح عندما نقرأ هذه الكلمات.
" وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً. وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ. وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا" (تك2: 7-9،15-16).
فمن هذه الآيات نرى محبة الله العظيمة لآدم. فهو اتحد به من خلال أنفاسه ليصير آدم نفسًا حية. ليس كسائر المخلوقات الترابية أو المائية. كما أنه لم يضعه في أرض خربة وخاوية. بل في جنة فيحاء تذخر بكل ما هو مسر، وقد أعد له كل ما يحتاجه لحياة صالحة ومباركة " وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ:" أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ"(تك1: 28)، بركة وسلطان، وأيضًا طعام متنوع شهي" وَقَالَ اللهُ:" إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا"(تك1: 29)، ولكن مع ذلك الإكرام كانت الوصية الواجبة للحماية " أَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً:" مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ"(تك2: 17).
وهنا نرى أن المنع جاء بعد المنح. فالله منح آدم الحرية والسلطان ليأكل كما يشاء من (كل) شجر الجنة؛ الذي هو شهي للنظر وجيد للأكل، ومنعه عن شجرة واحة فقط. فمحبة الله شملت آدم بكل الرعاية والعناية، وأيضًا الحماية. فالمنع والوعيد ليس قسوة كما كنا نظن، وإنما رحمة وحماية من الموت الذي هو الانفصال عن شركة الله. رغم هذا التحذير كان الموت بسقوط آدم في المعصية. ثم الطرد من الجنة. وهكذا تكاثرت البشرية وجرثومة الخطية في كيانها.
ثم كان الحدث الفريد والهام جدًا في حياة البشرية (الطوفان). لنرى لماذا، وكيف أهتم الله بنوح؟!، رغم وجود شعب كثير جدًا على وجه الأرض. فنقرأ " وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ1 الإِنْسَانِ2 قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ3 الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ:" أَمْحُو4 عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ". وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً5 فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ"(تك6: 5-8). ونجد في هذا النص بعض الكلمات التي يجب أن نتأملها جيدًا: -
1- الشر. فبداية الشر كانت مع آدم. وهو ناتج عن كسر الوصية، بتصرف ينم عن شهوة بلا وعي أو إدراك، فكل أشجار الجنة شهية للنظر وجيدة للأكل، تمامًا كما شجرة معرفة الخير والشر المنهى عنها. لكن سماع كلمات المشكك (الحية) في محبة وصلاح الله، والتطلع للرفعة والمكانة بأن يصير كما الله. جعله ينسى بركة الله وجوده وخيراته الممنوحة له، وتجاهل الوصية. ليلتذ بأكلة شهية عاقبتها الموت.
فالشر دائمًا ضد للخير كما اللعنة والبركة. ولكن فكر الله لحياة الإنسان هو البركة " قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ"(تث30: 19)، فقصد الله الدائم حياة البركة، ولكنه أعطى للإنسان حرية اختيار طريقة حياته؛ مع تحمل تبعيات هذا الاختيار. وهذا ما حدث فكان الشر الذي عم البشرية.
2- الإنسان. جالب الشر في الحياة. نعم الإنسان المسؤول عن الشر الذي اجتاح البشرية، والذي بسببه تعاني الشعوب وتصرخ من ويلاته. لذلك حذر الله من الانحراف لطريق الشر، وقدم المشورة الصالحة مانحًا الإنسان كل البركات والخيرات، لعله يكتفي بها ويسير في خوف الله، إلا أن الإنسان أبى الطاعة في عناد شديد؛ بل حاول أن يلصق سبب سقوطه في عناية الله به!، فَقَالَ آدَمُ:" الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ"(تك3: 12). فلسان حال آدم أنت يا الله جعلت معي التي أسقطتني. أنا ما كنت أسقط في عصيانك دونها. هي السبب!، بل أنت يا الله. هكذا رد آدم على اهتمام الله به في هذه الحياة. فأوجد له أنيس وحدته ورفيق رحلته " لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ"(تك2: 18). فمحبة الله لآدم وإحساسه بوحدته تحول لمسؤولية عن الشر عند آدم. هذا هو الإنسان جالب الشر لنفسه ولا يبالي بالرحمة المحيطة به.
3- حزن. وسؤالنا مَن الذي حزن؟ ولماذا؟، هل الإنسان جالب الشر حزن على ما فعله؟، أم الله حزن لما صار عليه الإنسان من فساد؟ حتى فكره أصبح شرير كل يوم. أي دون تغيير!!، لذلك يتساءل إرمياء النبي ويقول:" مَنْ أُكَلِّمُهُمْ وَأُنْذِرُهُمْ فَيَسْمَعُوا؟ هَا إِنَّ أُذْنَهُمْ غَلْفَاءُ فَلاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَصْغَوْا. هَا إِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ لَهُمْ عَارًا. لاَ يُسَرُّونَ بِهَا"(إر6: 10)، ويوافقه الرسول بولس بقوله:" الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ."(رو1: 32)، وهكذا يوضح البشير لوقا الحالة المتردية للبشرية " كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ"(لو17: 27).
لذلك الله حزن وتأسفه على خليقته التي تمردت سريعًا. فالملك سليمان الحكيم بعد أن اختبر الحياة يقول:" اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً"(جا7: 29). بل بتصرفاتهم " فَيَقُولُونَ ِللهِ: ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ"(أي21: 14). لأجل ذلك حزن وتأسف الله المُحب الذي أعلن بأن" فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ."(أم8: 31).
هنا نصطدم بمشكلة معرفة الله، والسؤال الذي يدور في الأذهان. هل الله لا يعلم أن الإنسان سيسقط؟، وأنه سوف يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فلماذا لم يمنعه وتركه يسقط؟ نعم يعلم كل شيء. فهو يقول:" مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي"(إش46: 10). فمعرفة الله أزلية أبدية. إلا أنه أعطى للإنسان حرية الاختيار. فالله متسق مع نفسه. فصفاته غير متضادة بل تعمل معًا في انسجام تام. فالمعرفة لا تتعارض مع الحرية. كما العدل مع الرحمة. وهكذا...
4- أمحو. أي أنهي وأزيل من على وجه الأرض كل المخلوقات.[رغم أن هذا لم يكن قصد الله]. لكنه عقاب شر الإنسان المتسلط على جميع المخلوقات. أفكار الإنسان الشريرة يومًا فيومًا جعلت الله يحزن ويتأسف أنه خلقه، فقد أنحرف عن الهدف المخلوق لأجله، وأبتعد عن طريق الحق فوجب القصاص. ومن هنا نعلم أن كل المخلوقات كانت لخير الإنسان وبشرة هلك وأهلكها معه.
5- نعمة. النعمة (عطية لمن لا يستحق) هذا أبسط تعريف. وأيضًا تأتي في بعض الحالات بمعني (الإكرام والاحترام)، كما في قول أبراهيم: وَقَالَ:" يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ"(تك18: 3). هنا تأتي كلمة نعمة على فم أبراهيم بمعنى( إن كانت لي كرامة لديك أو إكرام لي منك) أقبل طلبي وضيافتي. وأيضًا نقرأ" وَلكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ، وَبَسَطَ إِلَيْهِ لُطْفًا، وَجَعَلَ نِعْمَةً لَهُ فِي عَيْنَيْ رَئِيسِ بَيْتِ السِّجْنِ"(تك39: 21). وكذلك تأتي كلمة نعمة هنا بمعنى إكرام واحترام. أو تفضيل له عن باقي المسجونين.
فالنص يصرح بأن نوح وجد نعمة في عيني الرب. ففي قمة غضب الله على البشرية لشرها المتواصل. نجد أن الله يذكر نوح الذي سار معه وصار كامل وبار. يذكره لينقذه من الغضب الآتي على البشرية، وهذا أعظم أنعام من الله على الإنسان أنه يذكره للخير، ويريه طريق خلاصه من الدينونة والتمتع بالحياة الأبدية. وهذا يتضح أمامنا عندما نتأمل معاملات الله معنا " لِذلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قُلْتُ إِنَّ بَيْتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ يَسِيرُونَ أَمَامِي إِلَى الأَبَدِ. وَالآنَ يَقُولُ الرَّبُّ: حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ."(1صم2: 30)، مسير نوح مع الله إعلان عن الخضوع والطاعة والإكرام؛ فكانت نعمة الله له بالإنقاذ من الموت والهلاك بالطوفان. فصوت الر لك أهتم لحياتك بأن تضع قلبك على طريقك لكي ترضي الله وتصل لسماه " فَالآنَ أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، وَاسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، فَيَنْدَمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْكُمْ."(إر26: 13).