جوهر حياة المؤمن... أي المسيحي
8/5/2024 12:00:00 AM
نتابع معًا معنى مؤمن بالمسيح أم مسيحي. ولنا سؤال من هو المسيحي؟
المسيحي ... يعيش تعاليم الكتاب المقدس مطبق لها في حياته، كما وضحها الرب يسوع المسيح في "ميلاده وتعاليمه ومعجزاته وصلبه وموته وقيامته "، وهو يقر ويعترف في صدق تام بقانون الإيمان، وحياته تتسم بالعفة والأمانة والتواضع والصدق والقداسة .... الخ، لأن المسيحي من يعيش المسيح بمعنى الكلمة، ففي كل نواحي حياته وتصرفاته يتمثل بالمسيح فقط، دون تردد أو خوف من نظرة العالم له، وفي فرح يتحمل آلام تبعيته للمسيح بكل رضى ومحبة. لذا قال الرسول بطرس الذي اختبر ذلك " وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ". (1بط4: 16).
والمسيحي له قاعدة أساسية تنطلق منها مسيرة حياته، هذه القاعدة هي "المحبة" لله والناس، وهذا يؤكده الوحي المقدس " تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ". (لو10: 27)، فمن يحب الله يحفظ وصاياه ويطبقها في تعاملاته مع الناس، وبذلك يُعلن أنه مسيح على الأرض أي مسيحي بين الناس.
لذلك قال الرسول يوحنا بالروح القدس" إِنْ قَالَ أَحَدٌ: " إِنِّي أُحِبُّ اللهَ " وَأبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ (1يو4: 20)، وأيضا الرسول بولس يؤكد ذلك فيقول أن: "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرًّا لِلْقَرِيبِ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ. (رو13: 10)، وهذه قاعدة أساسية للحياة كالمسيح، فمن نتعامل معهم هم من يؤكدون صدق حياتنا أو زيفها، فبمحبتنا العملية لهم يروا المسيح فينا،
يؤكد ذلك الرسول بطرس بقوله:" وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً، لِكَيْ يَكُونُوا، فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ، يُمَجِّـدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الافْـتِقَادِ، مِنْ أَجْـلِ أَعْـمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا"(1بط2: 12)، وبحياتنا هذه نعلن محبتنا لله، وذلك بحفظ وصاياه وتنفيذها مع الأخرين، أما عكس ذلك فهو كذب.
وصف الرسول بولس المحبة بأنها "الطريق الأفضل"، بل بدونها كل المواهب الروحية لا قيمة لها، فكتب لمؤمنين يتغنون بالمواهب دون حياة صحيحة " الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ". (1كو13: 4-7)، وفي تأمل مدقق نجد أن من يحيا هذه الصفات مع الناس يكون قد أكمل الناموس، فكل صفة للمحبة تحتاج إلى مجلدات للشرح، فهنا يقدم الرسول ثماني أمور لا تفعلها المحبة [ الحسد. التفاخر. الانتفاخ أي الكبرياء. قُبح اللفظ أو الفعل. الأنانية. الاحتداد. ظن السوء. الفرح بالشر ]، وسبعة أمور تفعلها المحبة [ تتأنى. ترفق. تفرح بالحق. تحتمل. تصدق. ترجو. تصبر ]، فما تمتنع عنه المحبة أنما تقدمه بفعل مضاد له يظهر بصورة واضحة في تعاملها مع الأخر، فدعنا نرى أولى الصفات وأخرها وهما "تتأنى وتصبر" وهنا إعلان صريح عن " قوة الاحتمال "، في تأني وصبر أي ضبط النفس والانتظار وعدم العصبية، ومن ذا الذي " يتأنى ويصبر " في حياته إلا الذي ملاء الحب قلبه للرب فنفذ وصاياه، بمحبته للناس وهو غاض طرف العين عن تصرفاتهم وردود أفعالهم تجاه تعاملاته معهم، فيستطيع أن يطبق الصفات الأخرى للمحبة مع الجميع، بكل سهوله لأن " حَافِظُ الْوَصِيَّةِ لاَ يَشْعُرُ بِأَمْرٍ شَاقّ، وَقَلْبُ الْحَكِيمِ يَعْرِفُ الْوَقْتَ وَالْحُكْمَ".(جا 8: 5).
فالمحبة هي جوهر الحياة المسيحية وقانونها بين الناس، ومواد القانون وضحها الرسول بولس كما أشرنا في ردود فعل المحبة تجاه الأخرين (1كو 13: 4-7)، فهو هنا قدم باستفاضة شرح لكلمات الرب في وصيته التي أجمل فيها كل تصرفات الحياة في قاعدة ذهبية " فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ". (مت 7: 12)، فالرب آتى بالفعل المضاد للرغبة، فأنت تريد من الأخر شيء، فعليك أنت تقديمه له، فإن كنت تريد احترام قدم أنت أحترم للأخر، وإن كنت لا تريد أن تسمع كلمات قبيحة فلا تُقبح أنت ... الخ، ذلك ما قصده الرب بكل دقة. وهذا ما أقتبسه الرسول بولس في توضيحية لكيفية السير في الطريق الأفضل "المحبة" لأنها تصل بالإنسان لكل فضيلة في الحياة.
ويتفق كل من الرسول بولس والرسول يوحنا على أهمية المحبة في حياة المسيحي، فيعلنا أن من يعيش بالحب فهو التابع الحقيقي للمسيح " المحب الأعظم والوحيد للبشرية "، فالمحبة ترتبط بالله، فالرسول يوحنا يقول " وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي للهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. "(1يو4: 16)، علاقة وثيقة بين الله والمحبة، فإن جاز التعبير نقول وجهين لعملة واحدة، فندما نذكر الله نرى المحبة، وعندما نرى المحبة نذكر الله، لذلك يؤكد الرسول بولس دوام المحبة لدوام الله فيقول " اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا". (1كو13: 8).
خلاصة القول إن سر "العظمة" هو المحبة، التي هي حجز الزاوية في حياة "الإنسان" الذي هو "مسيح" بتصرفاته على أرض الواقع، فيُدعى من الناس "مسيحي" كما قيل سابقاً " وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ "مَسِيحِيِّينَ" فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً. (أع11: 26)، فمن يعيش الحب يعيش المسيح "الله"، لذلك يقول الرسول بولس موضحا هذه العلاقة "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْـيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْـيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. (غل 2: 20)، بمحبتي لمن احبني أعيش مصلوب للعالم ليظهر حب المسيح في حياتي، فبحياة المحبة كل من يتعامل معي يرى المسيح فيَّ، من خلال كل قول أو عمل، فهل هناك عظمة تقارن بهذا الارتباط المقدس، لذا هذا هو "المسيحي".
وسؤالي الأن .. من أنت؟ مؤمن بالمسيح أم مسيحي؟!.
فكل البركات الروحية التي أعلنها الرب تخص المسيحي، وليس من يؤمن فقط بالمسيح فيدعونه مسيحي، فالحياة ليست لقب بل سلوك وعمل يعلن للأخرين ما بداخل النفس، لذا قال الرب " فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُم"ْ. (مت 7: 20).
فهل اختبرت الحياة للمسيح بالمسيح، أي بالإيمان به كمخلص شخصي وضامن لحياتك؟! وتعيش به حياة التوبة عن الخطية بقداسة السلوك المسيحي في الحياة؟! وتقدم بحياته فيك الحب للأخرين بلا استثناء دون تردد، وأنت لا تنظر سواه أمامك فيتمجد الله في حياتك ؟!. إن كنت هكذا.....
إذاً فأنت تمتلك {كل بركات السماء والأرض }