آراء و أقلام إنجيلية

أمام الصليب

  • بقلم: د. ممتاز ثابت

أخبرنا البشير والطبيب لوقا في بشارته عن أحداث ما قبل الصلب مباشرة.
وصف لنا الصراع الروحي العنيف في بستان جثيماني.
كتب لنا كيف اسلمه بهوذا.
شرح لنا كيف جاء العسكر ليلا وقبضوا على يسوع.
ذكر لنا تفاصيل المحاكمة والاستجواب من رئيس الكهنة. ثم أمام الوالي الروماني. ثم ارساله الى هيرودس.
وأخيرا وصف لنا مشاعر وأعمال رفض الشعب ليسوع ثم قرار بيلاطس بإطلاق بارباس وتسليم يسوع لمشيئتهم (للصلب) وعندما نتقدم ونقرأ لوقا 23: 26 – 32
وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ أَمْسَكُوا سِمْعَانَ، رَجُلًا قَيْرَوَانِيًّا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِ الصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ خَلْفَ يَسُوعَ. وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضًا وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ: «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ، بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ، لأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْ! حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا! وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا! لأَنَّهُ إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟» وَجَاءُوا أَيْضًا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مُذْنِبَيْنِ لِيُقْتَلاَ مَعَهُ
نجد هذا الجزء الكتابي يركز على حمل يسوع للصليب والتوجه به نحو الجلجثة. ولكننا نجد في التفاصيل أنه كان هناك كثيرين تواجدوا في هذا المشهد. هؤلاء كانوا أمام الصليب وفي مواجهة معه ولا بد أنهم تأثروا بكيفية ما.
ها نحن نرى رجلا قيروانيا آتيا من الحقل امسكوا به ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع.
ثم نري على جانبي الطريق نساء كن يلطمن أيضا وينحن عليه.
وأخيرا نرى اثنين من المذنبين جاءوا بهم ليقتلا معه.
جميع هؤلاء كانوا في مواجهة مع الصليب وهذا يقودنا الى السؤال:
عنما أقف في مواجهة صليب يسوع، كيف يؤثر هذا فيَّ؟ خاصة أن صليب يسوع أمر مثير للجدل. وهذا ما كتب عنه الرسول بولس في 1 كو 1: 18 – 25
فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «سَأُبِيدُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ، وَأَرْفُضُ فَهْمَ الْفُهَمَاءِ». أَيْنَ الْحَكِيمُ؟ أَيْنَ الْكَاتِبُ؟ أَيْنَ مُبَاحِثُ هذَا الدَّهْرِ؟ أَلَمْ يُجَهِّلِ اللهُ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ؟ لأَنَّهُ إِذْ كَانَ الْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ اللهِ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ بِالْحِكْمَةِ، اسْتَحْسَنَ اللهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ الْكِرَازَةِ. لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ. لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ!
عندما يواجه الناس الصليب، عليهم اتخاذ قرار.
البعض يرفضون لأنهم يعتبرونه حماقة. فهل من العقل أن يأتي الله في صورة انسان ويحمل آثام جميعنا ويموت بدلا عنا؟
والبعض يرفضونه لأنه رمز للخزي والعار. والأفضل منه أن تكون أعمال برنا والتدين وانحدارنا من عائلات عريقة في الايمان تحقق التوازن، بل التفوق على خطايانا.
في كل الأحوال لا يمكن أن نتجنب اتخاذ قرار ونحن في مواجهة الصليب.
لنتأمل في ثلاث مواقف وثلاث فئات من البشر أمام الصليب.

الرجل الذي حمل صليب يسوع.
يخبرنا لوقا في عدد 26 وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ أَمْسَكُوا سِمْعَانَ، رَجُلًا قَيْرَوَانِيًّا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِ الصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ خَلْفَ يَسُوعَ كان يسوع قد تعرض للضرب والجلد والتعذيب ثم حمل الصليب وهو في حالة إنهاك تامة، فتعثر ووقع عدة مرات، وخوفا من موته قبل صلبه، سخروا انسانا عائدا من الحقل "ونحن نستطيع أن نعتبره متفرجا أو مارا بالصدفة" هذا الرجل وضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع.
نحن أمام مواجهة فريدة من نوعها للصليب. حيث التفت ذراعي سمعان وحضنت الصليب وربما التصق وجهه بتلك الخشبة. وربما اصطبغ بالعرق والدم الذي سال من رأس يسوع وظهره من اكليل الشوك والجلد بالسياط.
حتى بعد وصوله لمكان الصلب وتركه الصليب أعتقد أنه ظل في مكانه يراقب ويستمع ويشاهد.
سمع التعييرات والتجديف على ابن الله المُخَلِّص.
سمع يسوع وهو يطلب الغفران لكل من اشترك في عملية الصلب.
سمع صلاته للآب.
شاهد نور السماء يتحول الى ظلام.
سمع عن انشقاق حجاب الهيكل لحظة موت يسوع.
وبكل تأكيد سمع قائد المئة وهو يعلن "حقا كان هذا ابن الله"
كيف كانت تأثيرات كل هذا على سمعان القيرواني؟
أولا نقرأ عن سمعان القيرواني في انجيل مرقس 15: 21 أنه أبو ألكسندَرُس ورُوفُس
ويعتقد كثيرون من الدارسين المفسرين للكتاب المقدس أن واحدا من ابنيه وهو رُوفُس تم ذكر اسمه في نهاية رسالة رومية 16: 13 حيث كتب بولس: سَلموا على روفس المختار في الرب وعلى أمه وأمي"
إذا كان الشخص الذي أرسل له بولس تحياته هو في الواقع ابن سمعان القيرواني المذكور في انجيل مرقس، نتحقق من ذلك بأن سمعان كان مؤمنا أو أصبح مؤمنا بحمله صليب يسوع ومعاصرته لكل أحداث الصلب والموت وربما القيامة. وكان مختارا من الله وكذلك أمه وأيضا ابنه الذي كان صديقا عزيزا على بولس.
هكذا كانت نتيجة مواجهة الصليب لدى سمعان القيرواني. ايمانا قويا راسخا انتشر في عائلته.

النساء الباكيات على يسوع
في عدد 27 من انجيل لوقا ص 23ووسط الجوع الغفيرة المتابعة والمشاهِدة والمزدحمة حول موكب صليب يسوع نجد نساء ينُحْنَ ويلطِمن عليه.
ظاهريًا، لم يشترك الجميع في التهكم على يسوع، فالبعض تبعه وهم بالفعل في حزن عليه.
ولكن يا للمفاجأة حين أخبرهم يسوع أن اتجاه الحزن اتجاه خاطئ: فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ: «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ، بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ
أخبرهم بهذه الأحداث المستقبلية نتيجة رفضهم يسوع. فبعد سنوات قليلة من صلبه سيأتي الرومان ويدمروا أورشليم.
بل أكثر من ذلك أقول إن يسوع حينما قال لهم: حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا! وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا
أراد يسوع من كلامه للنساء أن يعلن أن زمن النعمة لا يدوم ولابد من التفاعل مع النعمة لأن النعمة يتبعها دينونة وهذا ما أوضحه في لوقا 19: 41 - 44
وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلًا: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ
إله النعمة هو نفس الاله الديان العادل، وعندما يجئ يوم غضبه العظيم، من يستطيع الوقوف؟

المذنبان اللذان صُلبا معه

يخبرنا لوقا في عدد 32 بأن مذنبين أو لصين صلبا مع يسوع.
حمل يسوع صليبه وهما أيضا حمل كل واحد صليبه.
وبشكل مفاجئ ومذهل نجد تجاوبهم في البداية "وهم في نفس حالة يسوع" قساوة قلب وتهكم وسخرية من يسوع.
ولكن بمرور الوقت توقف أحدهم عن التجديف والسخرية وقد أخبرنا لوقا بالآتي في ص 23: 39 - 43
وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلًا: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!» فَأجَابَ الآخَرُ وَانْتَهَرَهُ قَائِلًا: «أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ اللهَ، إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْل، لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ». ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ

فتح أحد المذنبين قلبه لعمل الروح القدس ليعلن له أن يسوع المصلوب هذا ربا ومسيحا وملكا وله مملكة سماوية وذهب معه في نفس اليوم الى الفردوس.
- أمام الصليب لا بد أن نصنع قرارا.
- هل نقسي القلوب ونرفضه باعتباره جهل وحماقة وخزي؟
- هل نقترب اليه ونحتضنه مثل سمعان؟
- ها نرى فيه دينونة الله كما نرى محبته كما تعلمت هذا النساء؟
- هل نؤمن مثل أحد المذنبين، حتى لو كانت حياتنا حياة نخجل منها، ولكن بالتوبة نقتنيها بدلا من أن نضيعها؟
- كيف تواجه الصليب وما هو قرارك بخصوصه؟