آراء و أقلام إنجيلية

خطاب حفل التخرج لطلبة لاهوت الرسولية & أساسيات مهمة

  • بقلم: ق. عيد صلاح

أعبر عن سعادتي الشخصية لمشاركتكم هذا الحفل، وأهنئ الزميل والصديق العزيز القسّ ناصر كتكوت رئيس المجلس العام للكنائس الرسوليّة بمصر، وعميد الكلية، ومدير فرع المنيا والأساتذة والطلاب، وأشكركم على الدعوة الكريمة، مزيد من التقدم والازدهار في ملكوت الفادي.
منذ ما يزيد عن سبعة وعشرين عامًا، حضرت في 21 مارس 1997م حفل رسامة الزميل العزيز القسّ سامي حنا باسليوس في الكنيسة الرسوليّة في إدمو-الذي يتخرج ابنه اسحق في هذه الدفعة-وهناك قد استمعت إلى عبارة مهمة من طيب الذكر القسّ إميل بطرس "بك أمجاد يا كنيسة رسوليّة"، ومن يومها لم تنقطع علاقتي بهذه الكنيسة المحبوبة، سواء في إدمو، أو المنيا، أو القاهرة. وزاد علاقتي بها معرفتي بالفاضل الأخ والصديق القسّ ناصر كتكوت رئيس المجلس العام للكنائس الرسوليّة بمصر، والذي تشهد الكنيسة على يديه امتدادًا وتقدمًا طيبًا، تحية تقدير وحب للكنيسة للفاضل القسّ ناصر كتكوت، ولعميد الكلية ومديرها وأساتذتها وطلابها، والحضور الكريم، وكل تقدم في الكنائس الإنجيليّة يدعو للفخر والاعتزاز والشكر لله على عمله في مجتمعنا المصريّ.
والرسالة التي أود أن أشارك بها في هذه المناسبة تحت عنوان: من الدراسة (التكوين) للخدمة (الخروج): أساسيات مهمة. السؤال هو ما الذي يحمله معه الدارس في الخدمة؟ وما هي الأسّس التي يجب أن يقف عليها؟
فترة الإعداد والتدريب إلى الإرسالية والرعاية:
شهدت فترة الإعداد في الكتاب المقدَّس محطات هامة في تاريخ رجال الله، كتب عن موسى: "وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ." (خر 34: 28). وذُكِرَ عن إيليا: "فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ." (1 مل 19: 8). وقيل عن المسيح أنَّه: "فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا." (مت 4: 2). وكذلك مكث المسيح مع الكنيسة، بعد القيامة، أيضًا أربعين يومًا حسب ما ورد في افتتاحية سفر أعمال الرسل: "اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ." (أع 1: 3).
الأربعين يومًا فترة من الزمن للإعداد والتشكيل، وتشير إلى كل فترة فيها يعد الإنسان للخدمة والخروج والانطلاقة، فمع كل فترة إعداد يكون معها انطلاقة للخدمة في الملكوت. وبصفة خاصة المسيح أعدَّ التلاميذ في الفترة التي قضاها في الخدمة. إنَّ الهدف الأساسي للمسيح كان في إعداد التلاميذ، ليحملوا الرسالة من بعده، وهذا يبين أن خط التعليم وصناعة التلاميذ كان في تصاعد وتزايد وتضاعف مستمر، فنسمع عن 12 تليمذًا (مت 10: 2-4)، ثم 70 رسولاً (لو 10: 1)، وصولاً إلى 120 أخ في العلية حسب أعمال الرسل (أع 1: 15).
ونحن كخريجين في هذا المساء تم إعدادنا بطريقة معينة وتشكيلنا بالتعليم للخروج للخدمة الإرسالية والرعاية، فما هي الركائز والأسّس التي إذا وقفنا عليها تنجح خدمتنا؟
أضع امام نفسي وأمامكم أربعة أسّس أو ركائز أساسية لا يمكن أن تخلى عنهم في خدمتنا، وهي ركائز هامة في حياة الخادم والخدمة، وهي: مركزيّة الكلمة، مركزيّة المسيح، مركزيّة الروح القدس، مركزيّة الكنيسة.

الأساس الأول: مركزيّة الكلمة
تعلَّمنا ونتعلَّم أنَّ المرجع الأول والأساسي في حياة الخادم هو كلمة الله، الكتاب المقدَّس، الدستور الوحيد المعصوم من الخطأ للإيمان والأعمال، تعود أهمية هذا الكتاب إلى أنه أنفاس الله: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ." (2 تي 3: 16-17). وكُتِبَ في لغة البشر: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2 بط 1: 21). أنفاس الله سجلها أناس الله القديسون محمولين بالروح القدس. وبالتالي هو رسالة الله للإنسان.
الكتاب المقدَّس هو الأساس للوعظ والتعليم،
ليس لدينا كتابًا آخر نعظ منه غير هذا الكتاب، فالكتاب وحده هو المصدر للتعليم، فيه نتعلم من هو الله؟ ومن نحن؟ ماذا فعل الله لأجلنا، إنَّ أصدق رسالة هي التي تقدم من خلال الكلمة المقدَّسة.
الكتاب المقدَّس مصدر النور والاستنارة:
"فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ، يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ." (مز 119: 130). "إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!" (إش 8: 20). ويوق المرنم في سفر المزامير: "وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ." (مز 19: 8). وهذا ما أدركه تلميذي عمواس "فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟" (لو 24: 31-32).
والتاريخ يعلمنا أنه في الوقت الذي ارتبطت فيه الكنيسة بالكلمة استنارت والوقت الذي بعدت فيه عن الكلمة دخلت فيما يُسَمَّى بعصور الظلام.
كل شيء يتغير من حولنا ولكن كلمة الله ثابتة:
"وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،" (2 بط 1: 19).
ودورنا هو القراءة المستمرة والتفسير، فـ"طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ." (رؤ 1: 3). والسؤال الذي يتحدانا هو: "فَقَالَ لَهُ: مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ" (لو 10: 26). وقال فيلبس للخصي الحبشيّ: "فَبَادَرَ إِلَيْهِ فِيلُبُّسُ، وَسَمِعَهُ يَقْرَأُ النَّبِيَّ إِشَعْيَاءَ، فَقَالَ: أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟" (أع 8: 30).
وفي الوقت نفسه نقدم الكلمة بصورة مناسبة، يستخدم الرسول بولس كلمة مفصلاً، وهي الكلمة التي تستخدم في تفصيل الملابس: "اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ للهِ مُزَكًّى، عَامِلًا لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلًا كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَةِ." (2 تي 2: 15).

الأساس الثاني: مركزيّة المسيح
كلمة الله-الكتاب المقدَّس-تتحدث عن شخص واحد، ورسالة واحدة، الشخص هو المسيح، والرسالة هي رسالة الخلاص، وقانون الإيمان المسيحيّ يدور حول شخص المسيح في تجسَّد، تألم، صلب، مات، دفن، قام، صعد، سيأتي ثانية.
مركز خدمتنا ورسالتنا هو تقديم شخص المسيح للناس كمخلص وحيد وطريق وحيد للسماء.
والمشكلة التي نقع فيها نتيجة للواقع الذي نعيش فيه هو نتحدث كثيرًا عمن هو المسيح؟ ولكن نغفل في بعض الأحيان عما هو عمل المسيح؟ والاثنان يسيران معًا وهما موضوع الكرازة والإعلان فنحن نتحدث عمن هو المسيح؟ وما هو عمل المسيح؟
في قيصرية فيلبس في مت 16 سال المسيح التلاميذ سؤالان: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ (مت 16: 13). وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ (مت 16: 15). كان المسيح يريد أن يعلم الكنيسة أن قد تكون هناك تصورات مغلوطة حوله في أذهان البشر، ولكن الأهم، أنتم ماذا تقولون؟ الكنيسة يجب أن يكون لديها التصور الصحيح والفهم الصحيح والعقيدة الصحيحة: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!" (مت 16: 16). كما أعلن بطرس في ذلك الوقت، وهو أقصر وأصغر قانون إيمان عرفته الكنيسة عبر عصورها. وهذه يدعونا دائمًا إلى الأية والشعار الذي وُضِعَ في الاحتفال: "تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ" (2 تي 1: 13). فالتعليم الصحيح يعطي صحة في ذاته.
تعلّمنا كلمة الله أنَّ المسيح وحده هو الوسيط، والشفيع، والمخلص الوحيد، وهو الإنسان الكامل والإله الكامل،
قيل عنه: "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ." (أع 4: 12). وقال الرائي في سفر الرؤيا عنه: "وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ" (رؤ 1: 5).
تقدم الرسالة إلى العبرانيين فرادة شخص المسيح فهو الأفضل والأعظم، هو إعلان الله الكامل للهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ. (عب 1: 1-4). وفي نهاية الرسالة تؤكِّد على أنَّ يسوع المسيح هو مركز التاريخ، بل كل التاريخ: "يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ." (عب 13: 8).
المسيح هو أساس الكنيسة، وهو أساس الإيمان، وهو الطريق الوحيد للخلاص،
قال المسيح: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي." (يو 14: 6). فلنقدِّم المسيح لمن نخدمهم في كماله وقدرته وسلطانه كمخلص وحيد لحياتهم.

الأساس الثالث: مركزيّة الروح القدس
أيها الأحبة، لا يمكن أن نخدم أو حتى نكون مؤثرين بدون عمل الروح القدس، الرب المحيي، حين يرافق الروح القدس الكلمة المقدَّسة في الوعظ تحدث المعجزة الحقيقية في تغيير النفوس، والروح القدس يقودنا في رحلة من المعرفة: "وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ." (1 كو 2: 12).
الروح القدس يعمل في الخليقة من منظور الدعوة العامة، ويعمل في المؤمنين بالتجديد والتقديس من خلال الدعوة الخاصة، وهي الدعوة الفعالة التي لا يمكن أن تقاوم.

في الحديث عن الروح القدس لدينا أربع موضوعات يجب أن نعرفهم: من هو الروح القدس؟ ما هو عمله؟ ما هي مواهبه؟ ما هي ثمره؟ غالبًا في التفكير نقف فقط عند مواهب الروح القدس أو بالأحرى بعض المواهب منها، مع أن قوائم المواهب ليست حصرية وليست مغلقة في الكتاب المقدَّس (رو 12؛ أف 4). فالروح القدس روح خلاق يعطي الكنيسة المواهب باستمرار لمواصلة الخدمة في الكنيسة.
الروح القدس في الخدمة وفي حياتنا كخدام هو المرشد والمعزي والذي يقودنا للحق،
قال المسيح: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ." (يو 14: 26). الروح القدس يشير دائمًا للمسيح، ويعمّق معرفتنا الروحيّة بالكلمة، ويشير إلى كل الحق، ويمنح القوة: "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ." (أع 1: 8).
منذ أن تعمَّدت الكنيسة بالروح القدس في يوم الخمسين دخلت الكنيسة في حركة التجديد المستمر وهذا يوضحه سفر أعمال الرسل من خلال عمل الروح القدس نمت الكنيسة وازدادت عدديًا، وفي نفس الوقت توسعت مكانيًا (وصلت إلى روما وإلى الحبشة، البيض والسود معًا). وارتبطت الكنيسة بالكلمة المقدَّسة، "وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ." (أع 2: 47). "وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ." (أع 6: 7). "فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِي الإِيمَانِ وَتَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ." (أع 16: 5).
الروح القدس يرافق خدمتنا ووعظنا وتعلمينا في الوقت الذي يعمل فيه من خلال المستمعين،
ففي الوقت الذي كان يعمل الله فيه مع كرنيلويوس (أع 10: 1-8)، كان يجهز قلب بطرس (أع 10: 9-33). تأكد حين تعظ بالكلمة أن الله يعد قلبك كما يعد قلب المتكلم، فمسحة الروح القدس مشتركة بين جميع المؤمنين.
ولذلك يزداد تأثير الخادم في الخدمة، وتزداد تأثير الخدمة كلما كانت في الروح ومن خلال الروح القدس، وعلى الخدام في تعاملهم مع الروح القدس وخضوعهم للروح القدس في بعض المحاذير السبعة، وهي:
1. لا تقاوموا الروح (أع 7: 51).
2. ولا تحزنوا الروح (أفس 4: 30).
3. ولا تطفئوا الروح (أفس 5: 19).
4. ولا تجربوا الروح (أع 5: 3).
5. ولا تدنسوا هيكل الروح (1كو 3: 17، 6: 14).
6. ولا تزدروا بالروح (عب7: 29).
7. ولا تجدفوا على الروح (مت 12: 31، 32، مر 3: 28-30، لو 12: 10).
ما أروع الترنيمات التي نرمها في الكنيسة:
يا روحَ قدْسِ اللهْ ....... أشرقْ على القلبِ
جدِّد به روحَ الحياةْ ....... والطهرِ والحبِ
وشدِّد الإيمان ....... وانزِع دجى الأوهامْ
واضرِم بنا طول الزمانْ ....... حبًّا على الدوامْ
***************************************
أيا روحَ قدسِ الإله العلي ....... ومصدرَ نور الحياهْ
هلم إلينا لكي ينجلي ....... ظلامُ قلوب القُساةْ

الأساس الرابع: مركزيّة الكنيسة
الكنيسة هي جسد المسيح، عامود الحق وقاعدته، عروس المسيح، هي الجماعة المدعوة من العالم إلى العالم، هي الأم التي تغذي أبنائها بكلمة الله، فيها تتحقق الشركة والوحدة والانتماء، وهي غالية على قلب الله فقد افتداها بدمه:
"اِحْتَرِزُوا إِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ." (أع 20: 28). والمسيح قد أحب الكنيسة وضحى من أجلها: "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا،" (أف 5: 25). توجد ثلاث علامات تميز الكنيسة: الشركة/كينونيّة، الخدمة/دياكونيّة، الشهادة/ميرتوريّة). وموضوع الشركة موضوع مهم في هذه الأيام ويجب أن ننتبه له نتيجة لما فرضته التكنولوجيّا على الناس في العزلة، وبالتالي الشركة من أهم العلامات التي تميز الكنيسة مثلها مثل الخدمة والشهادة، والثلاثة معًا هم علامات تميز الكنيسة عبر عصورها المختلفة (الشركة، الخدمة، الشهادة). هذه العلامات متداخلة معًا، وكل واحدة تقوي وتسند الأخرى.
ليست الشركة داخل الكنيسة فكرة معرضة للزوال ولكنها حقيقة دائمة وأكيدة لأنها مبنية على: الشركة مع الآب:
"الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ." (1 يو 1: 3). الشركة في المسيح، "أَمِينٌ هُوَ اللهُ الَّذِي بِهِ دُعِيتُمْ إِلَى شَرِكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا." (1 كو 1: 9). الشركة في الروح، "إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ." (في 2: 1). الشركة في الكنيسة، "فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ ..." (1 كو 12: 28).
حسب رؤية العهد الجديد للشركة نجد أنَّ الآب، والمسيح، والروح القدس، والكنيسة، هم الذين يوحدون المؤمنين في شركة حية، وكثيرًا ما يستعمل الرسول بولس هذا التداخل في فكرة الشركة، فالذين يحيون في المسيح، هم في الروح، وبالتالي هم في الكنيسة. والذين هم في الكنيسة هم في الروح وفي المسيح، والذين هم في الروح هم في الكنيسة وهم في المسيح. وهذا عكس من ينادي به البعض طالما إنني في المسيح فلا علاقة لي بالكنيسة، أو طالما كنت في الروح فلا علاقة لي بالمسيح أو الكنيسة.
ورد لفظ الكنيسة في إنجيل متى مرتين: الأولى في (مت 16: 13-20) والثانية في متى 18، الأولى تبين هوية الكنيسة والثانية تبين رسالة الكنيسة، في مت 16 يتحدث عن الكنيسة المبنية على صخرة الإيمان بالرب يسوع المسيح (الهوية الإيمانيّة)، وفي (مت 18: 15-36) يتحدث رسالة المصالحة (الخدمة الجوهرية) التي تقوم بها الكنيسة بالمصالحة لأثنين بينهما مشكلات.
إذًا، فرسالة المصالحة هي رسالة الكنيسة: "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ." (2كو 5: 17-20). هذه الرسالة-رسالة المصالحة-بين الأفراد، والأمم، والشعوب، والدول. ما أحوج العالم اليوم إلى رسالة المسيح رسالة المصالحة.
أيها الأحباء، لا تقاس الكنيسة بكبرها أو صغرها، بفقرها أو غناها، بعدد أعضاءها الكثير أو القليل، ولكن تقاس الكنيسة بأمانتها لسيدها ومحبتها لها وبفهم هويتها الإيمانيّة ورسالتها الجوهرية كأداة للسلام والمصالحة في العالم.

خاتمة:
في النهاية، أخواتي وأخوتي الأحباء، من الإعداد للدراسة (التكوين) إلى الخدمة (الخروج) لدينا منابع ومصادر وركائز وأساسيات مهمة بدونها لا يمكن أن نفعل شيء في خدمتنا: مركزيّة الكلمة، مركزيّة المسيح، مركزيّة الروح القدس، مركزيّة الكنيسة. هذه الأسس في المركز وليست على هامش التفكير.
صلاتي لكم مزيد من الارتباط بالكلمة، مزيد من معرفة الروح القدس، ومزيد من الارتباط بشخص المسيح، مزيد من الارتباط بالكنيسة جسد المسيح.
ألف مبروك لجميعكم
والرب يبارككم