آراء و أقلام إنجيلية

هامان

  • بقلم: د.ق. خلف موسى

بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ عَظَّمَ الْمَلِكُ أَحَشْوِيرُوشُ هَامَانَ بْنَ هَمَدَاثَا الأَجَاجِيَّ وَرَقَّاهُ، وَجَعَلَ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ جَمِيعِ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ.‏ ٢فَكَانَ كُلُّ عَبِيدِ الْمَلِكِ الَّذِينَ بِبَابِ الْمَلِكِ يَجْثُونَ وَيَسْجُدُونَ لِهَامَانَ ( إس 3: 1).
هنا وفي هذا التوقيت حقق الشيطان أحلامه التي كان يحلم بها، فالكبرياء نابع من قلب الشيطان، وهنا قد حقق حلمه من خلال هامان لينشر الكبرياء بين البشر ويفصلهم عن الله، فقد تعظم هامان وامتلأ قلبه بالكبرياء حتى وقتما لم يسجد له مردخاي فإمتلأ غضباً وغيظاً وأراد الإنتقام منه لانه الشيطان الذي فيه يكره المتواضعين الذين هم عكس طبيعته والساجدين للرب فقط حسب وصايا الرب، فبدلاً من أن ينتقم من فرد بعينه، أراد أن يهلك كل من على شاكلته، وأن يبيد شعب الرب بالكامل، فكما أن الشيطان هو عدو لكل مؤمن حقيقي كذلك أيضاً هامان كُتبَ عنه أنه عدو اليهود.
فلم يقف الشيطان عند الفكرة، بل أراد أن يحول الأفكار والكراهية إلى عمل بشع، يُهلِك من خلاله إذا إستطاع كل شعب الرب، فقد حان وقت التخطيط والتدبير الشرير على مردخاي وكما خطط الشيطان من خلال هامان ليهلك كل شعب اليهود، نري في العهد الجديد ما هو مكتوب عن الرب يسوع .
فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ لِلْوَقْتِ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ وَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ. (مرقص ٣:‏٦ ) ففكر وتخطيط الشيطان هو هو على مر العصور والأجيال، والآن لنعود أدراجنا إلى ما صنعه هامان، فقد بدأ خطته من القصرمع الملك أحشويروش،إذ إنه بث سمومه في فكر الملك وزرع في قلبه الخوف من جهة شعب اليهود، على إنهم شعب له تقاليد ونواميس معاكسة لشعب الملك، ولم يقف إلى هذا الحد بل صنع إجتماعاً، مع أهل الشر، لكي يخطط ويدبر كيف يهلك مردخاي وشعبه، وهكذا أيضاً يصنع الشيطان بكل من لا يريد السجود والخضوع له، فعندئذ تجتمع أرواح الشرفعلياً كي تدبر وتوزع مهامها على أجنادها، لتعطيل المؤمنين ومحاربتهم وإهلاك المؤمنين الإسميين الغير حقيقيين، فكان تدبير الشيطان من خلال هامان، أن يصلب مردخاي أولاً، على غرار، ما هو مكتوب "أَنِّي ‍أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ. (متى ٢٦:‏٣١ )
هاليلوا مجداً للرب ..... كما رأينا وشاهدنا وتأملنا كم يخطط الشيطان لهلاك البشر، فسنرى الآن كم يتداخل الرب القدير لخلاص البشر، ففي التوقيت الدقيق والمناسب جداً، وفي اللحظة الحاسمة، عندما دخل هامان على الملك ليأخذ التأييد على صلب مردخاي، تنقلب الأوضاع وتأتي النجاة من عند الرب، فهامان الشامخ المتكبر المخطط للهلاك والموت والجاعل نفسه عظيماً، والذي يرى نفسه أعظم وأفضل شخص في المملكة والحالم بالبهاء والمجد، يأتي إليه الفرمان الملكي من السيادة العُليا، أن ينحني أمام مردخاي المتواضع كما سجد نبوخذ نصر لدانيآل "حِينَئِذٍ خَرَّ نَبُوخَذْ‍نَصَّرُ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ لِدَانِيآلَ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُقَدِّمُوا لَهُ تَقْدِمَةً وَرَوَائِحَ سُرُورٍ (دانيال ٢:‏٤٦) فالعظماء يسجدون للأمناء، فسار هامان متصاغراً أمام مردخاي ومنادياً "هكَذَا يُصْنَعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسَرُّ الْمَلِكُ بِأَنْ يُكْرِمَهُ" (أس 6: 9)، فبكل تأكيد ان الله موجود في الأحداث كما ذكر الوحيّ عن نبوخذ نصر "فَال‍آنَ، ‍أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، أُسَبِّحُ وَأُعَظِّمُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ، الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقِهِ عَدْلٌ، وَمَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ ‍قَادِرٌ ‍عَلَى أَنْ يُذِلَّهُ (دانيال ٤:‏٣٤ )، فقد كسر الله كبرياء هامان (الشيطان) حتى انه مكتوب "وَأَمَّا هَامَانُ فَأَسْرَعَ إِلَى بَيْتِهِ نَائِحًا وَمُغَطَّى الرَّأْسِ" (أس 6: 12) فهو في موضع مخجل للغاية، ودارت عليه الدائرة، ولم تقف الإمور عند هذا الحد بل يصدر الملك فرمانه الخاص بالخشبة التي أعدها هامان لصلب مردخاي قائلاً "فَقَالَ الْمَلِكُ: "اصْلِبُوهُ عَلَيْهَا".‏ ١٠فَصَلَبُوا هَامَانَ عَلَى الْخَشَبَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمُرْدَخَايَ. ثُمَّ سَكَنَ غَضَبُ الْمَلِكِ.‏(أس 7: 9).
وهنا النهاية، فالله متسلط على الأحداث فهو ضابط الكل، يضع حداً للبحر فلايتعداه، يرفع رأس محبيه، "تُفَتِّشُ عَلَى مُنَازِعِيكَ ‍وَلاَ تَجِدُهُمْ. يَكُونُ مُحَارِبُوكَ كَلاَ شَيْءٍ وَكَالْعَدَمِ" (أشعياء ٤١:‏١٢ ).