آراء و أقلام إنجيلية

الصوم الكتابي

  • بقلم: د.ق. خلف موسى

في سفر عزرا 23:8. فَصُمْنَا وَطَلَبْنَا هَذَا مِنْ إِلَهِنَا فَأسْتَجَابَ لَنَا
الصوم له معاني أعم وأشمل و أوسع مما نعرفه عنه، فنحن نحجمه في الإمتناع عن الأكل والشرب، ولكن عندما نتأمل في الآية التي تقول " لأَنَّ ‍الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ ‍الرُّوحِ وَ‍الرُّوحُ ضِدَّ ‍الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ.( غلاطية ٥:‏١٧) ، وبالنظر في بطن الآية والبعد الروحي لها نجد أن هناك معركة روحية، بين مايريده الجسد وما يريده الروح، فالجسد يريد الأكل والشرب والملذات والشهوات والراحة، أما الروح يريد التحرر والسمو والقداسة والإتحاد بالله، وهنا نجد أن الإنسان هو صاحب القرار، فإذا أطاع الإنسان صوت الجسد ومتطلباته، فنجد أن النتيجة الحتمية هي نمو وإزدياد وتغول الجسد وبشريته، أما إذا أطاع الإنسان صوت الروح، فإنه بذلك يحصل على نتيجتين هما
النتيجة الأولى هو تكسير الطبيعة البشرية، وإضعاف إرادتها وسلطانها، إلى أن تصل إلى حالة الإماته الدائمة. وبذلك تكون النتيجة الثانية، هي التحول من الطبيعة البشرية إلى الطبيعة الروحية أو إلى الطبيعة الإلهية ونكون "شركاء الطبيعة الإلهية" ( بطرس الثانية ١:‏٤ ) اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا ‍شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.
ففي الصوم الكتابي الروحي، سمو وإرتفاع في الحضور الإلهي، تغيُر لطبيعتنا الساقطة، فيستعلن الله فينا بصورته النقية والمقدسة، والصوم هو جزء من العبادة المسيحية، يجب أن تقدم بكل حرص ودقة كما قال الكتاب، فلا نزيد عليها ولا نقلل منها، فبالبحث في أعماق الكتاب المقدس نستخلص منه آيات كثيرة ترسم لنا معاني الصوم وطريقته ومنها نذكر مايلي: وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لَا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لِأَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً. ( مَتَّى ٦:‏١٧-‏١٨) هنا نجد أن الصوم هو سر بيني وبين الله، هو عمل روحي بدرجة أولى، يتم تقديمه للرب كذبيحة، مصاحبة لذبيحة الصلاة ومقترنة بالتضرع والتواضع وطلب مجد الرب، وليس طلباً لمدح البشر. ذكرنا سالفاً، أن الصوم هو ضبط أعمال الجسد والتحكم فيه، وفي كل رغباته المُلحة ومتطلباته المغايرة لمتطلبات الروح، ومنها الأكل والشرب، فالصوم هو الإمتناع الكامل عنهما، وليس الإمتناع عن أطعمة معينة، فهنا يقول الكتاب المقدس " ١٦فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ. (كو 2: 16)
ومن أبعاد الصوم الرائعة نجد فيه الإنتصارات الروحية على كل ارواح الظلمة
كما قال رب المجد" وَأَمَّا ‍هذَا الْجِنْس فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ" ( متى ١٧:‏٢١)
أخيرا الصوم المسيحي الكتابي، لم يُجبر المسيحيين على الصيام، ولم يحدد أياماً بعينها، كي يصومون فيها، بل هو عمل تعبدي حر، ففيه يقوم المؤمن بتحديد أياماً خاصة فيها يمتنع عن كل الأطعمة، و يقرنها بالصلوات من أجل التقرب إلى الله، والتحكم في النفس، والحصول على الانتصارات الروحية، والنمو الروحي.