الصوم في المسيحية
9/30/2024 12:00:00 AM
الصوم في المسيحية يُعَدُّ أحد الأساليب الروحية التي تُمارَس بهدف الاقتراب من الله وتعزيز الحياة الروحية. سنستعرض فيما يلي الأبعاد الإنجيليّة للصوم، مركّزين على نصوص الكتاب المقدس.
الصوم في العهد القديم
يَظهر الصوم في العهد القديم باعتباره وسيلة للتوبة والبحث عن مغفرة الله. مثال على ذلك، النبي موسى الذي صام أربعين يومًا وأربعين ليلة أثناء تَسلُّم الشريعة من الله (خروج 34:28).
في سفر يونان، نجد أن أهل نينوى صاموا وَلبسوا مُسوحًا للهروب من عقاب الله بعدما بشّرهم النبي يونان (يونان 3:5-10). هنا، يظهر الصوم كإستجابة مؤثرة للدعوة الإلهية.
الصوم في العهد الجديد
في العهد الجديد، يُعدُّ يسوع المسيح المثال الأسمى للصوم. صام لمدة أربعين يومًا في البرية قبل بدء خدمته العامة، مُقاومًا تجارب الشيطان (متى 4:1-11). هذا يُبيّن أهمية الصوم في التحضير للمهام الروحيّة.
وكذلك، نرى في أعمال الرسل أن أعضاء الكنيسة الأولى مارَسوا الصوم قبل إتخاذ قرارات هامة. على سبيل المثال، صاموا وصلّوا قبل إرسال برنابا وشاول للعمل الرسولي (أعمال 13:2-3).
تعليمات الصوم من يسوع
وضع يسوع المسيح بعض المعايير المحددة حول كيفية الصوم حيث قال: "وَأَمَّا أَنْتَ، فَمَتَى صُمْتَ، فَٱدْهَنِ رَأْسَكَ وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْلَا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لِأَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً" (متى 6:16-18). هنا يُؤكّد يسوع على أن الصوم يجب أن يكون أمرًا خاصًّا بين الفرد والله، وليس عملًا للإستعراض أمام الناس.
الصوم والروحانيّة
الصوم يهدف في جوهره إلى تجديد الروح وتقوية العلاقة مع الله. في الرسالة إلى أهل كولوسي، يقول بولس الرسول: "تُحَرِّمُ مَاذَا تَذُوقُ وَتَشْرَبُ وَتَلْبَسُ" يُحذّر من الأشكال الشكليّة للصوم (كولوسي 2:20-23).
وقد يتساءل البعض هل الصوم فرض؟
من منظور إنجيلي، ليس الصوم فرضًا بقدر ما هو دعوة ورغبة شخصية في الاقتراب من الله. فالصوم وسيلة تعبير عن التوبة والاستعداد النفسي والروحي.
لكن، الكنيسة تمارسه بشكل متنوع عبر تقاليدها المختلفة، مما يجعله ممارسة شائعة بين المؤمنين.
اختتامًا
فأن الصوم في المسيحية ليس مجرد عمل تقشفي، بل هو وسيلة روحية للتواصل العميق مع الله. من خلال نصوص الكتاب المقدس، تظهر دعوة الصوم كنافذة للصفح والتوبة والتجديد الروحي، مع التأكيد على النية الصادقة والعيشة الروحية الحقيقية بدلاً من الالتزام الشكلي الفارغ.
ومن ثم تصبح ممارسة الصوم من خلال هذا المنظور الإنجيلي تجربة غنية وهادفة، تعكس جوهر الإيمان المسيحي في الحياة اليومية.