آراء و أقلام إنجيلية

بطرس الصياد الذي أصبح رسولًا

  • بقلم: د.ق. نصرالله زكريا

سمعان بطرس هو سمعان بن يونا، من قرية بيت صيدا علي ساحل بحر الجليل، واسم أخيه أندراوس الذي كان تلميذًا ليوحنا المعمدان (يوحنا1: 40-44). قبل أن يتبعا يسوع (متى10: 2).
وعندما تزوج سمعان رحل إلى كفرناحوم، راعيًا وعائلًا لأسرته، حيث كان يشتغل بصيد السمك (متى 4: 18). وعندما دعاه السيد المسيح غيَّر اسمه ليصبح بطرس بدلًا من سمعان (مرقس 3: 16). وكلمة "بطرس" كلمة يونانية معناها "صخرة" أو "حجر"، وهي نفس الكلمة الآرامية "كيفا" والتي تعني أيضًا صخرة.
الصياد الذي أصبح رسولًا
كان سمعان أول من اختاره السيد المسيح ليكون تلميذًا له، يقول الكتاب المقدس "وَإِذْ كَاَنَ يَسُوعُ مَاشِيًا عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ سِمْعَانَ الَّذْيِ يُقَاَلُ لَهُ بُطْرُسُ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فيِ الْبَحْرِ فَإِنَهُمَا كَاَنَا صَيَّاَدَيْنِ، فَقَالَ لهَمُاَ هَلُمَّ وَرَاَئيِ فَأَجعْلَكُمُا صَيَّادَيِ النَّاسِ فَلِلوَقْتِ تَرَكَا اَلشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ" (متى 4: 18-20).
تميّزت شخصية بطرس بالشجاعة والإقدام، بالجرأة والاندفاع، أليس هو الذي صرخ حين رأى معجزة صيد السمك الوفير قائلًا "اُخْرُج مِنْ سَفِيْنَتيِ يَا رَبُّ لأَنيِ رَجُلٌ خَاطِئٌ" (لوقا 5: 8). وحين تكلم الرب يسوع عما سيحدث له من آلام في أورشليم "فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْه وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرَهُ قَائِلًا حَاَشَاكَ يَا رَبُّ لاَ يَكُوُنُ لَكَ هَذَا" (متى 16: 22). وبعدما عرف فداحة خطئه في حق سيده بعد الإنكار، خرج في تلك الليلة الرهيبة و "بَكَى بُكَاءً مُرَّاً" (لوقا 22: 62).
على أن بطرس تميز أيضًا بقوة الإرادة والحزم، والقدرة على اتخاذ القرار، فحين دعاه السيد ليتبعه ترك كل شيء وتبعه، وعندما رآى المسيح ماشيًا على الماء، ترك القارب ليمشي علي الماء كسيده، وهو التلميذ الذي جرؤ علي أن يعترض علي المسيح علنًا (متى 16: 22). وفي ليلة الصلب أشهر سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة.
حياته ودعوته
قدم المسيح الدعوة لبطرس ليكون تلميذًا ضمن تلاميذه الاثني عشر، وتكررت الدعوة مرتين في (متي 4: 18، مرقس 1 :17، يوحنا 1: 42). وقد كانت الدعوة ليكون بطرس تابعًا، فتلميذًا، وأخيرًا رسولًا عظيمًا.
وتأتي عظمة بطرس من تجاوبه الإيجابي مع دعوة المسيح، وحتى اليوم يقدم المسيح الدعوة قائلًا: "هَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَاقْرَعُ إِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتيِ وَفَتَحَ البَابِ اَدْخُل إِليِه وَأَتَعَشْى مَعَهُ وَهُوَ مَعيِ" (رؤيا 3: 20).
سمع بطرس الدعـوة وتجاوب معها، فماذا عنك، هل تتجاوب مع دعوة المسيح لك، وتقبله في حياتك مخلصًا شخصيًا فيجعل منك شخصًا عظيمًا، ويعطي حياتك معنى وهدفًا؟
تنقسم حياة بطرس إلى قسمين كبيرين، القسم الأول يبدأ منذ دعوته وحتى صعود السيد المسيح، أما القسم الثاني فيبدأ من الصعود إلي نهاية خدمته وحياته على الأرض.
القسم الأول من حياة بطرس
يمكن تقسيم القسم الأول من حياته إلى فترتين؛ الأولى منهما قبل أسبوع الآلام، والثانية ما حدث بعد ذلك وحتى الصعود.
الفترة الأولى (قبل أسبوع الآلام)،
وهذه الفترة تميزت ببعض الأحداث الهامة قبل أسبوع الآلام وهي:-
1. صيد السمك وتسليم حياته للمسيح (لوقا 5: 1-11).
2. شفاء حماته في كفرناحوم (متى 8: 14 ،15).
3. دعوته ليكون رسولًا، وتأهيله روحّيًا (متى 10: 2).
4. السير علي الأمواج (متى 14: 28).
5. الاعتراف بالمسيح "ابن الله" (متى 16: 16).
6. توبيخ المسيح له (متى 16: 23).
7. امتيازات خاصة باصطحاب المسيح له في حادثة إقامة ابنة رئيس المجمع (مرقس 5 : 37).
8. تمتعه بمشهد الرب، علي جبل التجلي (متى 17: 24).
الفترة الثانية (مرحلة أسبوع الآلام وما بعد ذلك).
وفي هذه الفترة نرى:
1. غسل السيد لرجليه في ليلة الفصح (يوحنا 13: 1-10).
2. تحذير السيد له من شكاية الشيطان ضده (لوقا 22: 31-34).
3. تكرار تحذير المسيح لبطرس (متى 26: 31 - 35).
4. اصطحاب الرب لبطرس وابني زبـدي معـه في بستان جثسيماني (متى 26: 36 - 46).
5. تهوره وقطع أذن ملخس عبد رئيس الكهنة (يوحنا 18: 10 - 12).
6. الإنكار ثلاث مرات، ثم ندم بطرس وبكائه وتوبته (مرقس 14: 66 - 72، لوقا 22 : 54 - 62، يوحنا 18 : 15 - 27).
7. بطرس عند قبر المسيح بعد القيامة (يوحنا 20 : 1 - 10).
8. الملاك يخص بطرس بالإخبار عن قيامة المسيح (مرقس 17: 7).
9. بطرس يرى المسيح المقام (لوقا 24 : 34).
10. ظهور المسيح ثانية لبطرس عند بحيرة طبرية، ودعوته ليرعى غنمه وخرافه، والإنباء بموته (يوحنا 21 : 1 - 19).
القسم الثاني من حياة بطرس
وهو الذي يبدأ من صعود السيد المسيح وحتى موت الرسول بطرس، فنجد الكتاب يسجلها كالآتي: -
1. بطرس والقرعة لإيجاد بديل يهوذا (أعمال الرسل 1 : 15 - 26).
2. العظة الشهيرة في يوم الخمسين (أعمال الرسل 2).
3. شفاء الأعرج (أعمال الرسل 3 : 1 - 8).
4. القبض عليه ودفاعه عن نفسه أمام السنهدرين، ثم إطلاقه (أعمال الرسل 3،4).
5. القبض عليه للمرة الثانية (أعمال الرسل 5).
6. إرسال بطرس ويوحنا لأهل السامرة (أعمال الرسل 8).
7. شفاء اينياس في لدة، إقامة طابيثا من الأموات في يافا (أعمال 9).
8. الرؤيا التي شجعته للكرازة للأمم (أعمال 10، 11).
9. الاضطهاد، ومقتل يعقوب، ثم القبض على بطرس وسجنه، صلاة الكنيسة ومعجزة إخراج بطرس من السجن (أعمال 12).
10. المجمع الكنسي الأول في أورشليم، وتأييد بطرس للتبرير بالإيمان وحده (أعمال 15).
11. مقاومة بولس له بسبب تردده وريائه لأهل الختان (غلاطية 2 :11 - 14).
12. كتابة رسالتيه قرب نهاية حياته (2 بطرس 1 : 12 - 15).
13. استشهاده حيث يذكر التقليد أنه مات شهيدًا في روميّة نحو عام 67م؛ وهو في نحو السبعين من عمره، ويقال إنه مات مصلوبًا منكس الرأس، بناء على طلبه، إذ حسب نفسه غير مستحق أن يشبه سيده في موته.
بطرس والمسيح
كان لبطرس علاقة خاصة تربطه بالسيد المسيح؛
فبطرس هو أحد أقرب ثلاثة أشخاص للرب يسوع: بطرس، ويعقوب، ويوحنا. على أن بطرس لم يصل لهذه المكانة المتميزة بقدرته، وشخصيته، بل لأن السيد المسيح رأى فيه ما لم يره أحد؛ ففي أول لقاء جمع بطرس بالمسيح، كانت نظرة السيد المسيح عميقة للدرجة التي رأى فيها سمعان بمثابة صخرة فناداه قائلًا: "أَنْتَ سمِعَانُ بْنُ يُونَا أَنْتَ تُدْعَى صَفَا الَّذَيِ تَفْسِيرَهُ بُطْرُسُ" (يوحنا 1: 42)؛ وآمن بطرس بالمسيح، وصار من تلاميذه ورسله.
كانت توقعات وآمال المسيح في بطرس كبيرة،
وكان إيمان بطرس بالمسيح ليس له حد، لقد رأى بطرس السيد المسيح ماشيًا علي الماء، وآمن أنه يستطيع أن يتمثل بسيده، فما كان منه إلا أنه قفز علي الماء ماشيًا كسيده (متى 14: 28).
آمن بطرس بالمسيح، فنال ما لم ينله غيره من التلاميذ، الإعلان الإلهي من عند الآب، فنطق بالاعتراف الشهير حين قال "أَنْتَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ اللهِ الحَيِ" (متى 16:16). أقام المسيح الموتى، ورافقه بطرس حين أقام ابنه يايرس ورأى سلطان المسيح على الموت (مرقس 5 : 41). وآمن بطرس بقول المسيح "اَلحَقَّ اَلحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بيِ فَالأَعْمَالُ الْتيِ أَنَا اَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا وَيَعْمَلُ اَعْظَمَ مِنْهَا لأَنيِ مَاضٍ إِليَ أَبيِ وَمَهْمَا سَأَلْتُم بِاسميِ فَذَلِكَ اَفْعَلَهُ ليِتَمَجْدَ الآَبُ بِالابْنِ" (يوحنا 14 : 12 - 13). فأقام طابيثا ونداها من الموت قائلًا: "طَابِيثَا قُوميِ .. فَفَتَحَتْ عيَنْيَهِاَ وَلمَاَ أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ فَنَاوَلهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا ثمُّ نَادَى الْقِدّيِسَينَ وَاَلأَرَاَمِلَ وَأَحْضَرَهَا حَيَّةَ" (أعمال 9 : 40-41).
شفى المسيح الرجل المشلول، والأعمى، وكان بطرس مرافقًا له. كان يرى ويتأمل ما يعمله السيد، ويؤمن به، وبعد أن صعد المسيح للسمـاء، جاء بطرس للهيكل وشفى الرجل الأعرج منذ ولادته (أعمال 3 :1 - 8). عمل بطرس ما كان يعمله سيده، وقدم الشفاء وصنع المعجزات.
عرف بطرس قوة سر الاسم الذي يحمله، وعظمة الشخص الذي يؤمن به، فصنع المعجزات. والسؤال الذي يطرح نفسه، أليس كل واحد منا يحمل هذا الاسم العظيم، فلماذا نحن محدودون هكذا ؟! لماذا لا تكون أنت بطرس آخر؟! إن الأمر يحتاج أن تقترب من شخص المسيح أكثر، فلا يكفي الإعجاب به، أو الإيمان فقط بقدرته، فبطرس عرف نوعًا آخر من الإيمان بالمسيح، عرف كيف يكون هذا الإيمان حقيقة واقعة في حياته. امتلأ بالمسيح لدرجة التشبع، امتلأ بالروح القدس، فشهد بالمسيح المصلوب المقام، أمام الجماهير، وآمن في ذلك اليوم الآلاف بالمسيح.
قد تحتاج لأن تقف وتسأل نفسك، لماذا لا تظهر في حياتك قوة المسيح، أو لماذا تمر بحالة ضعف تمنع حتى شهادتك عن عمل المسيح في حياتك، صلِ الآن واطلب ملء الروح القدس .. أعط قيادة حياتك بالكامل للمسيح، حينئذ ستختبر قوة الله في حياتك .. وفي شهادتك .. وسيعرف جميع مَن حولك قوة الله المغيّرة من خلالك.
كانت محبة المسيح لبطرس عميقة، فقبل أن يسقط بطرس وينكر سيده شدده السيد المسيح قائلًا: "طَلبْتُ مِنْ أَجْلَكَ لِكَيِ لاَ يَفْنىَ إِيمَاْنُكَ وَأَنْتَ مَتىَ رَجِعْتَ ثَبِّت إِخْوَتَكَ" (لوقا 22: 32). وحين جاءت التجربة وأنكر بطرس معلمه وسيده، نظر إليه المسيح نظرة حب وعتاب، نظرة انتشلت بطرس من سقطته وجعلته يفيق من خطئه، ويخرج خارجًا ليبكي بكاء مرًا، كما لم يبكِ من قبل.
نعم .. لقد كانت ثقة المسيح في بطرس كبيرة، حتى عندما فقد بطرس ثقته بنفسه، وكاد أن يضيع ويسقط، كان المسيح يعرف ما في أعماق بطرس من حب وإخلاص نحو سيده.
ظل بطرس علي حب سيده طوال حياته، وعندما جاءت ساعته ليموت، تذّكر موت سيده، وتشرف بأن يموت مصلوبًا كسيده، لكنه طلب أن ينكس الرأس ليموت، لا كما مات سيده، فهو أقل شأنًا من أن يكون كالمسيح في موته، ويكفيه أن يموت مصلوبًا.
بطرس وشفاعة المسيح
في ليلة آلام المسيح، وفي اجتماعه الأخير بتلاميذه، قال لهم "كَلُّكُم تَشُكُّونَ فيَّ فيِ هَذِه الْلَّيْلَةِ لأَنَهُ مَكْتُوبٌ أَنيِ اَضْرِبُ الْرَاعيِ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ اَلْرَعِيَّةِ .. فَأَجَاَبَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ وَإِنْ شَكَ فِيْكَ الجَمَيِعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا .. قَاَلَ لَهُ يَسُوعُ اَلحَقَّ أَقُوُلُ لَكَ إِنَكَ فيِ هَذِه اَلْلَّيَلةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنيِ ثَلاَثَ مَرَّاَتٍ قَاَلَ لَهُ بُطْرُسُ وَلَوِ اِضْطَرَرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ هَكَذَا قَاَلَ أَيْضًَا جمَيِعَ التَلاَمِيذِ" (متى 26 : 31-35).
وحين جاء الوقت الذي سيسلم فيه ابن الإنسان، وقُبض علي المسيح، وجاءت ساعة الامتحان، وأمام جارية أنكر بطرس معرفته بالمسيح، يقول الكتاب المقدس "أَمَا بُطْرُسُ فَكَاَنَ جَالِسًَا خَارِجَا فيِ اَلْدَّارِ فَجَاءَت إِلَيْهِ جَارِيَةٌ قَائِلَةٌ وَأَنْتَ كٌنْتَ مَعْ يَسُوعَ الجَلَيِليِّ فَأنْكَرَ قُدَّاَمَ اَلجمَيِعِ قَائِلًا لَسْتُ اَدْرِيِ مَا تَقُولِينَ" وخرج خارجًا فوجدته امرأة أخرى "فَقَالَتْ لِلَّذيِنَ هُنَاكَ وَهَذَا كَانَ مَعْ يَسُوعَ الَنَّاصِريِ فَأَنْكَرَ أَيْضَا بِقَسَمٍ إِنّيِ لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ". وكانت المرة الثالثة حين "جَاءَ القِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسُ حَقْا أَنْتَ أَيْضَا مِنْهُمْ فَإِنَ لُغَتُكَ تُظْهِرُكَ فَابْتَدَأَ حِيْنَئِذٍ يَلْعَنُ وَيحْلِفُ إِنّيِ لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ" (متى 26 : 69 - 74).
أما من جانب السيد، فكم كان صلاحه عجيبًا، ونعمته فائقة، ومحبته عميقة؟!، فقبل أن يخطئ بطرس كان قد صلى لأجله، ليس لكي يمنع الشيطان من أن يجربّه، بل لكي يُحفّظ إيمانه من أن يتزعزع أو أن يسقط فلا يقوم بعد ذلك. كانت شفاعة المسيح أسبق من سقطة بطرس، يقول "أَنَا طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَي لاَ يَفْنىَ إِيمَانُكَ" (لوقا 22: 32). هذه الشفاعة قادت بطرس للتوبة والندم، فبمجرد أن صاح الديك "الْتَفَتَ اَلْرَّبُّ وَنَظَرَ إِلىَ بُطْرُسُ فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الْرَّبِّ كَيْفَ قَاَلَ لَهُ إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الْدِّيكُ تُنْكُرُنيِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلىَ خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرَّاً" (لوقا 22: 61-62).
على أن هناك خطأ وقع فيه بطرس قبل إنكاره لسيده، ففي ساعة القبض علي المسيح، ظهرت طبيعة بطرس المندفعة، كان القبض علي المسيح مفاجأة لم يتوقعها أحد، وأمام هذا المشهد استل بطرس سيفه "وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيِسِ الْكَهَنَةَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ" (يوحنا 18: 10). ومهما رأينا في هذا المشهد من حب بطرس لسيده، إلا أن هذا لا يمنع من أن بطرس أخطأ باعتدائه على إنسان، وكاد أن يقتله. إنسان لا يملك من أمره شيئًا، فهو عبد لرئيس الكهنة، على كل حال فإن نعمة الله هي التي عالجت الموقف وأنقذت بطرس مما كان سيحدث له.
هذه الأمور توضِّح لماذا كان بكاء بطرس بكاءً مرًا، بكاء ينبئ عن توبة حقيقية، وندم فائق على ما فعله. وفي المقابل كانت محبة الله التي قبلت توبته، وعالجته من أي ضعف في نفسه، فها هو السيد المسيح ينظر إليه بمحبة، وحين يظهر له بعد ذلك، لم يوجه إليه أبدًا هذا السؤال: لماذا أنكرتني؟! لم يحاول مرة أن يذكره بسقوطه، بل بالعكس تعامل معه بكل الحب.
ترى ما هو موقفك من السيـد المسيح .. هل كبطرس وهو يستل سيفه للدفاع عن سيده؟، أم كبطرس وهو ينكر معلمه؟ هل تعاني من ضعف في النفس نتيجة خطأ ما في حياتك؟ تعال الآن للسيد المسيح، اعترف له بخطئك، وبما فعلت، اطلب منه أن يغفر لك حسب وعده "إِنْ اعْتَرَفْنَا بخِطَاَيَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ حَتَّى يَغِفْرُ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثمٍ" (1يوحنا 1: 9).
ثق في غفران الله، وأن المسيح -في محبته- لن يعود يذكر خطيتك فيما بعد.
كتابات بطرس
كتب بطرس رسالتيه في أواخر حياته، نحو عام 65م، وقت أن كان اضطهـاد نيرون للكنيسة قد وصل ذروته، وعلى الأغلب مات الرسول بطرس بعد ذلك بقليل، أما موضوع رسالتيه فقد كان يدور حول تشجيع المؤمنين الذين كانوا متحيرين ومتألمين بسبب الاضطهاد الذي كانوا يئنون تحت وطأته، وليحثهم على الثبات أمام التجارب ومواجهة الاضطهاد بيقين ثابت في خلاصهم ومخلصهم الرب يسوع ومحبته لهم، كذلك التأكيد علي حقيقة مجيء المسيح ثانية، وكيفية الاستعداد، والاستمرار في الحياة المسيحية.

دروس من حياة بطرس
1. الطاعة التامة، والثقة في شخص المسيح هي الطريق للسعادة وضمان الحياة الأبدية، بدأت حياة بطرس بطاعته لدعوة السيد المسيح له، (متى 4: 18-19، مرقس 1: 17).
2. يجب ألا يُعطلنا أي شيء، أو ممتلكات، عن تلبية "دعوة الله العليا في المسيح يسوع" (فيلبي3 : 14).
3. الامتلاء بالروح القدس هو سر ومفتاح الحياة الخارقة المنتصرة.
4. الكرازة بالمسيح ضرورة وواجب على كل إنسان اختبر محبة المسيح في حياته.
5. النجاح في الكرازة لا يعود لإمكانيتنا وقدرتنا، أو طريقة حديثنا، إنما النجاح في الكرازة يرجع لعمل روح الله في الإنسان الكارز، والإنسان الذي يسمع الرسالة.
6. كل إنسان في هذه الحياة يتعرض لهجوم إبليس، ومحاربات قوى الشر.
7. شفاعة المسيح تضمن لنا النصرة على شكاية إبليس، لأن "مَنْ هُوَ الْذِّيِ يُدِينُ؟ المْسَيِحُ هُوَ الَذَّيِ مَاَتَ بَلْ بِالحَرِيِّ قَاَمَ أَيْضًَا الَذَّيِ هُوَ أَيْضًَا عَنْ يمَينِ الله الْذَّيِ أَيْضًَا يَشْفَعُ فِينَا" (رومية 8: 34).
8. إن الطريق لاستعادة الشركة مع الله، هو الاعتراف بالخطأ، والتوبة عنه، والرجوع لمحبة الله ثانية.
9. إن الله لا يُعيِّرنا بسقطاتنا، ولا يعود يذكر خطايانا طالما اعترفنا بها وطلبنا الغفران.
10. يتوقع الله منا الكثير، وهـو يمنحنا القوة والقدرة لتحقيق أعماله التي يريدها، مهما بدت إنها مستحيلـة، وما علينـا إلا أن نـؤمن بأنه يستطيع أن يحقق أعمالـه من خلالنا، فهو الـذي قال: "الحَقَّ الحَقَّ أَقُـولُ لَكُمْ مَنْ يُؤِمنُ بيِ فَالأَعْمَالَ الَّتيِ أَنَاَ أَعْمَلَهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضَـًا وَيَعْمَـلُ أَعْظَمَ مِنْهَـاَ" (يوحنا 14: 12).