آراء و أقلام إنجيلية

إرساليّة المسيح: المعنى والمغزى

  • بقلم: ق. عيد صلاح

الكلام حول شخص المسيح كثير ومتسع، وإذا وقفنا حول الحوادث التاريخية: ميلاده، خدمته، ألامه، صلبه، موته، قيامته، صعوده، مجيئه ثانية يحتاج إلى عظات كثيرة. وإذا وقفنا عند تعاليمه ومعجزاته ومواقفه نجد أيضًا أنها تحتاج إلى عظات أكثر، فالمسيح هو شخصية محوريّة في حياة المؤمنين والكنيسة، بل هو الشخصية المحوريّة في الكتاب المقدّس كله.
ولكن ما نود الوقوف عنده فقط هو إرساليّة المسيح في معناها ومغزاها لنا حسب ما ورد في إنجيل لوقا (لوقا 4: 16-30). وترجع أهمية الكلام عن إرسالية المسيح في بعدين: الأول حول المكان في وطنه، والثاني الزمان فهو يعلن اليوم قد تمّ "فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ" (لوقا 4: 21). نجد ثلاث أفكار:
1- العودة إلى المكتوب،
2- التفاعل مع احتياجات الناس،
3- رد الفعل
أولاً: العودة إلى المكتوب
في أول ظهور للمسيح في الهيكل كابن للشريعة كان يسمع ويسأل "وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ." (لو 2: 46-47). وفي أول ظهور له في بداية خدمته الجهاريّة وفي أول وعظ له ارتبط كلامه بالمكتوب حيث قرأ من سفر إشعياء 61: 1-3 "وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ." (لوقا 4: 20) "وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ" (لوقا 4: 22).
ربط المسيح بين الوعظ بالكلمة، والكلمة بالوعظ "فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ" (لوقا 4: 21). التعامل مع المكتوب كان يمثل عند المسيح أسلوب حياة وطريقة تفكير، قبل هذاالموقف مباشرة نجده يلجأ للمكتوب في تجربته في البرية فكان يحتكم للمكتوب. "فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قِائِلًا: مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ." (لو 4: 4). "فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ." (لو 4: 8). "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ." (لو 4: 12).
المواجهة بالكلمة، الوعظ بالكلمة، الحياة بالكلمة، من خلال إرسالية المسيح نتعلم أن نرتبط بالكلمة في حياتنا، كما قال بطرس الرسول: "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،" (2 بط 1: 19).
الفكرة الثانية: التفاعل مع احتياجات الناس
من هي الفئات التي كانت تعامل معها المسيح وكانت محور إرساليته؟ المساكين، المنكسري القلوب، المأسورين، العمي، وقدَّم لهم البشارة، الشفاء، التحرير، النور. نادى بسنة الرب المقبولة، سنة اليوبيل، وقد ورد عنها التعليم في سفر اللاويين 25 وكان يتم فيها الآتي: تحرير العبيد والعودة إلى عائلاتهم، الأملاك المباعة ترد إلى أصحابها الأصليين، الديون تلغى، الأرض تستريح، الإنسان والبهائم تستريح.
في إرسالية المسيح هناك مكان للمساكين والمأسورين لمنكسري القلوب والعمي، المسيح يحرر، المسيح يشفي، المسيح ينير البصر والبصيرة "وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ." (2 تي 1: 10).
كل شخص له في قلب المسيح مكان"تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (مت 11: 28). "اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ." (يو 10: 10).
الفكرة الثالثة: رد الفعل
تباينت ردود افعل حول الكلام الذي قرأه المسيح في بداية إرساليته فحين يتعامل المسيح مع الواقع يهرب الناس من واقعهم ويغرقون في مجادلات وحكايات لا تفي الغرض ولكن تبتعد كثيرًا عن الهدف، فوقعوا في حالة أندهاش وتعجب مع عدم التصديق وهي معادلة صعبة "وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: عَلَى كُلِّ حَال تَقُولُونَ لِي هذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ! كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَافْعَلْ ذلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولًا فِي وَطَنِهِ." (لوقا 4: 22- 24).
عدم التصديق والشك في إرساليته، فعرض أمامهم مثلين واقعيين: نعمان السرياني، وأرملة صرفة صيدا وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ. وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ. (لوقا 4: 25-27)، تعامل الله معهما من خلال الإيمان.
حالة من الغضب عن الاستماع فَامْتَلأَ غَضَبًا جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هذَا، فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. (لوقا 4: 28-29)، لم يستنيروا بعد، ما زالوا في عماهم.بكل تأكيد غأن إرسالية المسيح لكافة الناس والشعوب، وهي تتفاعل مع واقعنا الحاضر فالمسيح يشفي والمسيح يحرر والمسيح ينير