الصوم بحسب كلمة الله ( جزء 1)
11/11/2024 12:00:00 AM
الصوم معروف عبر الأزمنة والأجيال لدى جميع الشعوب، لكن هناك صوم فعال ومؤثر فى العالم الروحى، وعلى النقيض هناك صوم ما هو إلا نظام وطقوس. فقد تعددت أهداف ودوافع الصوم، منها دوافع الذات البشرية، ودوافع عدم الإيمان، ودوافع شيطانية، وعلى النقيض الآخر هناك صوم حقيقي بحسب فكر الله بدوافع روحية هادفة مؤثرة فى العالم الروحى مصحوبة بإيمان فى الله وقدرته.
وللصوم أنواع كثيرة في كلمة الله، كما سنرى لاحقًا، لقد أكتسب الشعب قديماً طرق وتقاليد للصوم ولكن ليست بفكر الله، وكثيراً فى عالمنا هذا نرى تقاليد فى الصوم لم يأمر بها الرب، وكثيرون يصومون بلا هدف وتأثير، بل مجرد تقليد يعرفونه، لذلك أعلن الرب لشعبه عن الصوم الحقيقى الذى يتوافق مع مشيئته وحسب فكره أيضًا، وذلك نراه متجليًا بوضوح فى (أش 58) وهذه الكلمات هى محور وركائز الصوم الحقيقى من الله لشعبه.
وقبل أن نتصفح موضوع الصوم في الكتاب المقدس، فيجب أن نوضح أن الصلاة والصوم جزء لا يتجزأ؛ بل عنصر واحد ذو وجهين، كالعملة الواحدة ذات وجهين. فإن الصلاة هى الإيمان فى الله وقدرته، والصوم هو عدم الاتكال على الذات؛ بل على إيماننا فى الله وقدرته. فالإيمان الفعّال هو الصلاة والصوم، وذلك واضح فى القصة الواردة (مر9: 14- 29).
معنى الصوم (νῆστις) (nace-tyoo-o):
1- صوم إنقطاعي: هو الامتناع عن الطعام والشراب معاً، ويتضح ذلك فى التعليم الموسوي عن الصوم (لا 16: 29؛ 23 : 27). وأيضاً نرى موسى أثناء وجوده فى محضر الله على الجبل لقد صام أربعين يوم نهاراً وليلاً لم يأكل خبزًا ولم يشرب ماءً (خر 34: 28) وكذلك النبى إيليا أيضا (1مل 19: 8). وكذلك السيد المسيح ( مت 4: 2) وبولس الرسول صام ثلاثة أيام ( أع 9: 9).
2- الصوم هو الامتناع عن الطعام ( νῆστις): وذلك واضح من كلام الرب يسوع عن الجموع عندما قال: "إنى أشفق على الجمع ... وليس لديهم ما يأكلون وإن صرفتهم إلى بيوتهم صائمين يخورون فى الطريق" (مر8: 2-3).
واضح أيضاً أن دانيال صام وتذلل أمام الله عندما فهم من الكتب المقدسة عدد السبعين سنة التى تكلم بها أرميا النبى عن الشعب وخراب أورشليم وهى مدة السبى البابلى 70 سنة. ومع ذلك نرى دانيال يصوم ويتذلل أمام الله ويطلب المغفرة. لكنه صام صوم مختلف نظراً لكبر سنه وتقدمه في العمر، فيقول الكتاب: "فى السنة الثالثة لكورش ملك فارس" (دا 10: 1) وهذا آخر ملك من الملوك الأربعة الذين عاصرهم دانيال فى حياته، ويقول التقليد أن دانيال حينذاك كان عمره حوالي 80 عام. لأنه عندما ذهب للسبي قبلاٌ كان فتى ( دا 1: 4) وقد عاش مدة السبي السبعون سنة، بالإضافة لسني حياته كفتى قبل السبي. لذلك صام صوم مختلف نظراً لتقدم العمر فقد امتنع عن الطعام الشهى واللحم والخمر.
عزيزى القارئ، إن كنت فى ريعان الشباب فعليك أن تذلل نفسك لتحيا حياة القداسة وتصوم صوم بكل معناه أي الامتناع عن الطعام والشراب معٌا، وإن كنت فى سن الشيبة فعليك الامتناع الملذات والطعام الشهى. وتذكر أن الصوم ليس الإمتناع عن الطعام والشراب فقط؛ بل الإمتناع عن شهوات الجسد وملذاته الرديئة الدنسة، فبالصوم نتقرب لله في الروح، ونسمو ونرتقي روحيٌا، وأخلاقيٌا.
ويقول الرسول بولس قائلاً: "واحد يؤمن أن يأكل كل شئ وأما الضعيف فيأكل بقولاً" (رو 14: 1- 4) فإنه يوضح نوع الطعام في وقت الصوم، سواء بقول أو كل شئ كاللحوم، فلا يزدري من يأكل كل شيء بمن يأكل بقولاً، ولا يدن من يأكل بقولاً بمن يأكل اللحوم.
عزيزى القارئ إن الصوم والصلاة هو العنصر الفعال فى الحياة الروحية، فعليك أن تقدم أصوام لله مصحوبة بصلوات فعالة تصل إلى قلب الآب، وبها تخترق السماوات وحينئذٍ تُكشف لك الأسرار الإلهية وتصل إلى فهم المقاصد الإلهية، كما فعل دانيال. وتختبر الحرية الدائمة وتكون مؤثر وفعال فى مجالاتك الروحية والزمنية، حينئذ تسمتع بالبركات المتدفقة من ينابيع السماء.