الصَّوم في اليهوديّة والعهد القديم
12/2/2024 12:00:00 AM
فرضت الشريعة اليهوديّة، ونصَّت على تخصيص يومٍ للصَّوم، عُرِف بـ "يوم كيبور"، أو "يوم الكفارة "، في هذا اليوم كان اليهود يمتنعون عن ممارسة أيَّة أعمالٍ، لكنَّهم يتذللون أمام الربِّ، ويتقربون منه، يطلبون غفرانه، حيثُ «قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «أَمَّا الْعَاشِرُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ السَّابِعِ فَهُوَ يَوْمُ الْكَفَّارَةِ. مَحْفَلاً مُقَدَّساً يَكُونُ لَكُمْ. تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ وَتُقَرِّبُونَ وَقُوداً لِلرَّبِّ. عَمَلاً مَا لاَ تَعْمَلُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ عَيْنِهِ لأَنَّهُ يَوْمُ كَفَّارَةٍ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ. إِنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَتَذَلَّلُ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَيْنِهِ تُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهَا. وَكُلَّ نَفْسٍ تَعْمَلُ عَمَلاً مَا فِي هَذَا الْيَوْمِ عَيْنِهِ أُبِيدُ تِلْكَ النَّفْسَ مِنْ شَعْبِهَا. عَمَلاً مَا لاَ تَعْمَلُوا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ. إِنَّهُ سَبْتُ عُطْلَةٍ لَكُمْ فَتُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ. فِي تَاسِعِ الشَّهْرِ عِنْدَ الْمَسَاءِ. مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الْمَسَاءِ تَسْبِتُونَ سَبْتَكُمْ.» (لاويين 23: 26-32)
وبعد العودة من السَّبي، سجَّل سفر زكريَّا، أربع مناسباتٍ للصَّومِ في اليهوديّة فقد كتب: «هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَصَوْمَ الْخَامِسِ وَصَوْمَ السَّابِعِ وَصَوْمَ الْعَاشِرِ يَكُونُ لِبَيْتِ يَهُوذَا ابْتِهَاجاً وَفَرَحاً وَأَعْيَاداً طَيِّبَةً. فَأَحِبُّوا الْحَقَّ وَالسَّلاَمَ» (زكريَّا 8: 19). وهذه الأصوام كانت جماعيّة، يصومها الشعب كله، لكنّنا نقرأ عن أصوام أخرى، سواء فرديّة كما في حالة صوم داود من أجل شفاء ابنه (2صموئيل 12: 16)؛ أو جماعيّة، كالأصوام التي سبق ذكرها، أو أصوامٍ اُتفق عليها في مناسباتٍ خاصة (قضاة 20: 26؛ 1صموئيل 7: 6؛ 2صموئيل 1: 12). وجاء في العهد الجديد أنَّ بعضًا من اليهوُد كان يصّوُمون مرتين في الأسبوع (لوقا 18: 11). وقد تعدَّدت الأسباب التي من أجلها صام اليهود، طلب مغفرة خطايا وتوبة عنها (1صموئيل 7: 5-6؛ نحميا 9: 1-3)، أو طلب معونة ومشورة الربّ (أستير 4: 15-16؛ قضاة 20: 26-28)، أو أوقات الحزن والضيق (أستير 4: 3؛ 1صموئيل 31: 11-13)، أو استعدادًا لملاقاة الله (خروج 34: 28؛ دانيآل 9: 3، 10: 3)، لتجنُب كارثة أو تخفيف عقوبة (1ملوك 21: 27-29؛ 2ملوك 20: 5).
ومع تنوع مناسبات الصَّوم، اختلفت وتباينت مدة كل صوم عن غيره، فقد نصَّت الوصيّة على أن الصوَّم يكون مدة يومٍ واحد «مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الْمَسَاءِ» (لاويين 23: 32)، أو من شروق الشمس إلى غروبها (قضاة 20: 26)، أو لمدة ليلة واحدة (دانيآل 6: 18)؛ أو لمدة ثلاثة أيامٍ (أستير 4: 16)؛ أو لمدة أسبوعٍ (2صموئيل 12: 16-18)؛ وقد صام النبيّان موسى وإيليّا كل واحد لمدة أربعين يومًا (خروج 34: 28؛ 1ملوك 19: 8).
أمَّا بعد السبي اليهودي، أضيفت أصوام أخرى، منها: صوم يومي الاثنين والخميس، فالخميس، كما كانوا يعتقدون، وحسبما جاء في بعض كتبهم التقليدية، هو يوم ذهاب موسى النبي للجبل لاستقبال الوحي الإلهي، والاثنين هو اليوم الذي عاد فيه من هناك.
كان الصوم في اليهوديّة بالامتناع عن تناول الطّعام والمشروبات والعلاقات الجسديّة، مع الصّلاة والتّفرغ لعبادة الله، هو السّمة الجامعة في الصَّوم عِند اليهوُد، سواء الفردي منه أو الجماعي. ومع أنَّ الصوم كان دائمًا يقترنُ بالصلاة، وطلب الغفران الإلهي، وقراءة النصوص التوراتيّة، لم تكن كل أصوامهم مقبولة عِند الله، حتى تساءلوا ذات مرة قائلين: «لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟»، وقد أوضح الله في إجابته عليهم، ما يجب وما لا يجب أن يكون عليه الصّيام، فقال: «إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُومُونَ وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ الشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي الْعَلاَءِ. أَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْماً يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ وَيَفْرِشُ تَحْتَهُ مِسْحاً وَرَمَاداً. هَلْ تُسَمِّي هَذَا صَوْماً وَيَوْماً مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟ أَلَيْسَ هَذَا صَوْماً أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَاراً وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَاناً أَنْ تَكْسُوهُ وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعاً وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: «هَئَنَذَا»» (إشعياء 58: 3-9). وهذا الصَّوم هو الذي أكَّدت عليه تعاليم الربَّ يسوع المسيح، ورُسله في العهد الجديد.