امرأتان في محنة: الأزمات والفرص المتاحة
12/2/2024 12:00:00 AM
يُسَجِّلُ سفر الملوك الثاني في الإصحاح الرابع منه موقفان لامرأتين دخلتا في تجارب وأزمات، ولكن في الأزمة كانت فرص متاحة وبركات، الامرأتان جاءتا خلوًا من الأسماء، فهما:
الأرملة، "وَصَرَخَتْ إِلَى أَلِيشَعَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الأَنْبِيَاءِ قَائِلَةً: إِنَّ عَبْدَكَ زَوْجِي قَدْ مَاتَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَكَ كَانَ يَخَافُ الرَّبَّ. فَأَتَى الْمُرَابِي لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لَهُ عَبْدَيْنِ. فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: مَاذَا أَصْنَعُ لَكِ؟ أَخْبِرِينِي مَاذَا لَكِ فِي الْبَيْتِ؟ فَقَالَتْ: لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ. فَقَالَ: اذْهَبِي اسْتَعِيرِي لِنَفْسِكِ أَوْعِيَةً مِنْ خَارِجٍ، مِنْ عِنْدِ جَمِيعِ جِيرَانِكِ، أَوْعِيَةً فَارِغَةً. لاَ تُقَلِّلِي. ثُمَّ ادْخُلِي وَأَغْلِقِي الْبَابَ عَلَى نَفْسِكِ وَعَلَى بَنِيكِ، وَصُبِّي فِي جَمِيعِ هذِهِ الأَوْعِيَةِ، وَمَا امْتَلأَ انْقُلِيهِ. فَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى بَنِيهَا. فَكَانُوا هُمْ يُقَدِّمُونَ لَهَا الأَوْعِيَةَ وَهِيَ تَصُبُّ. وَلَمَّا امْتَلأَتِ الأَوْعِيَةُ قَالَتْ لابْنِهَا: قَدِّمْ لِي أَيْضًا وِعَاءً. فَقَالَ لَهَا: لاَ يُوجَدُ بَعْدُ وِعَاءٌ. فَوَقَفَ الزَّيْتُ. فَأَتَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَ اللهِ فَقَالَ: اذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَبَنُوكِ بِمَا بَقِيَ. (2 مل 4: 1-7).
ثم المرأة الشونميّة، "وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ عَبَرَ أَلِيشَعُ إِلَى شُونَمَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ عَظِيمَةٌ، فَأَمْسَكَتْهُ لِيَأْكُلَ خُبْزًا. وَكَانَ كُلَّمَا عَبَرَ يَمِيلُ إِلَى هُنَاكَ لِيَأْكُلَ خُبْزًا. فَقَالَتْ لِرَجُلِهَا: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلَ اللهِ، مُقَدَّسٌ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْنَا دَائِمًا. فَلْنَعْمَلْ عُلِّيَّةً عَلَى الْحَائِطِ صَغِيرَةً وَنَضَعْ لَهُ هُنَاكَ سَرِيرًا وَخِوَانًا وَكُرْسِيًّا وَمَنَارَةً، حَتَّى إِذَا جَاءَ إِلَيْنَا يَمِيلُ إِلَيْهَا. وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ جَاءَ إِلَى هُنَاكَ وَمَالَ إِلَى الْعُلِّيَّةِ وَاضْطَجَعَ فِيهَا. فَقَالَ لِجِيحْزِي غُلاَمِهِ: ادْعُ هذِهِ الشُّونَمِيَّةَ. فَدَعَاهَا، فَوَقَفَتْ أَمَامَهُ. فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهَا: هُوَذَا قَدِ انْزَعَجْتِ بِسَبَبِنَا كُلَّ هذَا الانْزِعَاجِ، فَمَاذَا يُصْنَعُ لَكِ؟ هَلْ لَكِ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ أَوْ إِلَى رَئِيسِ الْجَيْشِ؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا سَاكِنَةٌ فِي وَسْطِ شَعْبِي. ثُمَّ قَالَ: فَمَاذَا يُصْنَعُ لَهَا؟ فَقَالَ جِيحْزِي: إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ابْنٌ، وَرَجُلُهَا قَدْ شَاخَ. فَقَالَ: ادْعُهَا. فَدَعَاهَا، فَوَقَفَتْ فِي الْبَابِ. فَقَالَ: فِي هذَا الْمِيعَادِ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ تَحْتَضِنِينَ ابْنًا. فَقَالَتْ: لاَ يَا سَيِّدِي رَجُلَ اللهِ. لاَ تَكْذِبْ عَلَى جَارِيَتِكَ. فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا فِي ذلِكَ الْمِيعَادِ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ، كَمَا قَالَ لَهَا أَلِيشَعُ. وَكَبِرَ الْوَلَدُ. وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ خَرَجَ إِلَى أَبِيهِ إِلَى الْحَصَّادِينَ، وَقَالَ لأَبِيهِ: رَأْسِي، رَأْسِي. فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: احْمِلْهُ إِلَى أُمِّهِ. فَحَمَلَهُ وَأَتَى بِهِ إِلَى أُمِّهِ، فَجَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهَا إِلَى الظُّهْرِ وَمَاتَ. فَصَعِدَتْ وَأَضْجَعَتْهُ عَلَى سَرِيرِ رَجُلِ اللهِ، وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِ وَخَرَجَتْ. وَنَادَتْ رَجُلَهَا وَقَالَتْ: أَرْسِلْ لِي وَاحِدًا مِنَ الْغِلْمَانِ وَإِحْدَى الأُتُنِ فَأَجْرِيَ إِلَى رَجُلِ اللهِ وَأَرْجعَ. فَقَالَ: لِمَاذَا تَذْهَبِينَ إِلَيْهِ الْيَوْمَ؟ لاَ رَأْسُ شَهْرٍ وَلاَ سَبْتٌ. فَقَالَتْ: سَلاَمٌ. وَشَدَّتْ عَلَى الأَتَانِ، وَقَالَتْ لِغُلاَمِهَا: سُقْ وَسِرْ وَلاَ تَتَعَوَّقْ لأَجْلِي فِي الرُّكُوبِ إِنْ لَمْ أَقُلْ لَكَ. وَانْطَلَقَتْ حَتَّى جَاءَتْ إِلَى رَجُلِ اللهِ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. فَلَمَّا رَآهَا رَجُلُ اللهِ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ لِجِيحْزِي غُلاَمِهِ: هُوَذَا تِلْكَ الشُّونَمِيَّةُ. اُرْكُضِ الآنَ لِلِقَائِهَا وَقُلْ لَهَا: أَسَلاَمٌ لَكِ؟ أَسَلاَمٌ لِزَوْجِكِ؟ أَسَلاَمٌ لِلْوَلَدِ؟ فَقَالَتْ: سَلاَمٌ. فَلَمَّا جَاءَتْ إِلَى رَجُلِ اللهِ إِلَى الْجَبَلِ أَمْسَكَتْ رِجْلَيْهِ. فَتَقَدَّمَ جِيحْزِي لِيَدْفَعَهَا، فَقَالَ رَجُلُ اللهِ: دَعْهَا لأَنَّ نَفْسَهَا مُرَّةٌ فِيهَا وَالرَّبُّ كَتَمَ الأَمْرَ عَنِّي وَلَمْ يُخْبِرْنِي. فَقَالَتْ: هَلْ طَلَبْتُ ابْنًا مِنْ سَيِّدِي؟ أَلَمْ أَقُلْ لاَ تَخْدَعْنِي؟ فَقَالَ لِجِيحْزِي: أُشْدُدْ حَقَوَيْكَ وَخُذْ عُكَّازِي بِيَدِكَ وَانْطَلِقْ، وَإِذَا صَادَفْتَ أَحَدًا فَلاَ تُبَارِكْهُ، وَإِنْ بَارَكَكَ أَحَدٌ فَلاَ تُجِبْهُ. وَضَعْ عُكَّازِي عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ. فَقَالَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ. فَقَامَ وَتَبِعَهَا. وَجَازَ جِيحْزِي قُدَّامَهُمَا وَوَضَعَ الْعُكَّازَ عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ، فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُصْغٍ. فَرَجَعَ لِلِقَائِهِ وَأَخْبَرَهُ قَائِلًا: لَمْ يَنْتَبِهِ الصَّبِيُّ. وَدَخَلَ أَلِيشَعُ الْبَيْتَ وَإِذَا بِالصَّبِيِّ مَيْتٌ وَمُضْطَجعٌ عَلَى سَرِيرِهِ. فَدَخَلَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَى نَفْسَيْهِمَا كِلَيْهِمَا، وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ. ثُمَّ صَعِدَ وَاضْطَجَعَ فَوْقَ الصَّبِيِّ وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى فَمِهِ، وَعَيْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَيَدَيْهِ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ فَسَخُنَ جَسَدُ الْوَلَدِ. ثُمَّ عَادَ وَتَمَشَّى فِي الْبَيْتِ تَارَةً إِلَى هُنَا وَتَارَةً إِلَى هُنَاكَ، وَصَعِدَ وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ فَعَطَسَ الصَّبِيُّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ فَتَحَ الصَّبِيُّ عَيْنَيْهِ. فَدَعَا جِيحْزِي وَقَالَ: اُدْعُ هذِهِ الشُّونَمِيَّةَ فَدَعَاهَا. وَلَمَّا دَخَلَتْ إِلَيْهِ قَالَ: احْمِلِي ابْنَكِ. فَأَتَتْ وَسَقَطَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَتْ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ حَمَلَتِ ابْنَهَا وَخَرَجَتْ. (2 مل 4: 8-37).
ويمكن أن نضع بعض المفارقات بينهما،
- فمن الناحية العائليّة الأولى أرملة والثانية متزوجة،
- ومن الناحية الاقتصاديّة الأولى فقيرة والثانية غنيّة،
- الأولى كان معها أولاد والثانية لم يكن معها أولاد ورزقت ابنًا ثم مات وقام،
- الأولى عبَّرت عن مشاعرها بالصراخ والثانية أدارت مشاعرها بقوة وصلابة ولكنهما في الموقفين عبَّرتا جيدًا عن مشكلاتهما الشخصيّة، بطلة المشهد هو المرأة في صراعها وجهادها.
بالإضافة لذلك، فإن الخيط الناظم بين القصتين؛
- المرأة من نساء بني الأنبياء والمرأة الشونمية هو مكافأة الله لمن أحسن بإحسان مضاعف؛
- فزوج الأولى كانت صلته بالله قوية ويخافه ويتقيه، فلم يُضيِّع الله ذريته وأنقذهما من فقدان حريتهما وتحولهما إلى عبيد بصلاح أبيهما وسابق طاعته لربه. والثانية كانت تُحسن لإليشع وغلامه كلما مرَّ من أمام بيتها وذلك بتقديم الخبز له، ثم زادت في الإحسان إليه ببناء ما يشبه الاستراحة ووضعت له فيها سريرا ليرتاح قبل مواصلته السير إلى مقصده، وكان نتيجة هذا الإحسان إحسانًا مضاعفًا، ففي المرة الأولى أرسل أليشع غلامه مصحوبًا ببركة وضعها على عكازه لإعادة الحياة للصبي ففشلت المحاولة، فقام بنفسه وأدى المهمة وعادت الحياة للصبي، تمامًا كما زادت الشونمية من قبل في إحسانها درجةً من مجرد تقديم الخبز إلى تقديم الخبز والمأوى... وهكذا، فمن قدم السبت وجد الأحد، ومن ذرع المعروف جناه في مواطن المحنة، ومن كان له رصيد من خير في وقت الراحة أنفق منه وقت الشدة.
المحنة:
محنة المرأة الأولى الدين الذي تركه زوجها، ووقعها تحت تهديد المرابي الذي يستغل الموقف لصالحة في مقابل ضعفها وعجزها عن السداد وَصَرَخَتْ إِلَى أَلِيشَعَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الأَنْبِيَاءِ قَائِلَةً: إِنَّ عَبْدَكَ زَوْجِي قَدْ مَاتَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَكَ كَانَ يَخَافُ الرَّبَّ. فَأَتَى الْمُرَابِي لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لَهُ عَبْدَيْنِ." (2 مل 4: 1).
ومحنة المرأة الثانية هي فقدان الابن الذي حصلت عليه بعد شغف وطول انتظار فَلَمَّا جَاءَتْ إِلَى رَجُلِ اللهِ إِلَى الْجَبَلِ أَمْسَكَتْ رِجْلَيْهِ. فَتَقَدَّمَ جِيحْزِي لِيَدْفَعَهَا، فَقَالَ رَجُلُ اللهِ: دَعْهَا لأَنَّ نَفْسَهَا مُرَّةٌ فِيهَا وَالرَّبُّ كَتَمَ الأَمْرَ عَنِّي وَلَمْ يُخْبِرْنِي. فَقَالَتْ: هَلْ طَلَبْتُ ابْنًا مِنْ سَيِّدِي؟ أَلَمْ أَقُلْ لاَ تَخْدَعْنِي؟ (2 مل 4: 27-28).
الأزمات متنوعة ومختلفة:
أولاً: المؤمن غير مُحصَّن من الأزمات، وهو ليس سوبرمان غير قابل للكسر، وهو تحت الآلام "كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ." (يعقوب 5: 17). والله لا يرفع الأزمة ولكنه يعمل من خلالها، ولكن هو معرض للضعف والهزيمة والانكسار، لم يمنع الريح والأمواج ولكنه كان وسط السفينة، مما أعطى لها الأمان. مشاكل المرأتين مختلفة، والله تدخل بصورة مختلفة في الموقفين.
ثانيًا: مع التجربة يأتي المنفذ، ومع العسر يأتي اليسر، وبعد الليل فجر، وقد يكون المنفذ غير متوقع، ففي المعجزة الأولى استخدمت دهنة زيت "فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: مَاذَا أَصْنَعُ لَكِ؟ أَخْبِرِينِي مَاذَا لَكِ فِي الْبَيْتِ؟ فَقَالَتْ: لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ. (2 مل 4: 2)، وفي المعجزة الثانية استخدمه الاسعافات الأولية القديمة في بعث الحياة من جديد "ثُمَّ صَعِدَ وَاضْطَجَعَ فَوْقَ الصَّبِيِّ وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى فَمِهِ، وَعَيْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَيَدَيْهِ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ فَسَخُنَ جَسَدُ الْوَلَدِ. عَادَ وَتَمَشَّى فِي الْبَيْتِ تَارَةً إِلَى هُنَا وَتَارَةً إِلَى هُنَاكَ، وَصَعِدَ وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ فَعَطَسَ الصَّبِيُّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ فَتَحَ الصَّبِيُّ عَيْنَيْهِ. (2 مل 4: 34-35)، وهو نفس الموقف المتكرر مع إيليا مع أرملة صرفة صيدا "فَتَمَدَّدَ عَلَى الْوَلَدِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: يَا رَبُّ إِلهِي، لِتَرْجعْ نَفْسُ هذَا الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ. فَسَمِعَ الرَّبُّ لِصَوْتِ إِيلِيَّا، فَرَجَعَتْ نَفْسُ الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ فَعَاشَ (1مل 17: 21-22).
ثالثًا: البركات مع الأزمات عظيمة، تم تسديد الدين مع الأرملة، وفاض للمعيشة أيضًا "وَلَمَّا امْتَلأَتِ الأَوْعِيَةُ قَالَتْ لابْنِهَا: قَدِّمْ لِي أَيْضًا وِعَاءً. فَقَالَ لَهَا: لاَ يُوجَدُ بَعْدُ وِعَاءٌ. فَوَقَفَ الزَّيْتُ. فَأَتَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَ اللهِ فَقَالَ: اذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَبَنُوكِ بِمَا بَقِيَ." (2 مل 4: 6-7). وقام الابن من الأموات مع المرأة الشونمية فَدَعَا جِيحْزِي وَقَالَ: اُدْعُ هذِهِ الشُّونَمِيَّةَ فَدَعَاهَا. وَلَمَّا دَخَلَتْ إِلَيْهِ قَالَ: احْمِلِي ابْنَكِ." (1مل 4: 36).
تقابل وتداخل الأدوار معًا:
أولاً: قوة المرأة في المواجهة: الأرملة تعاني من الظلم والاستغلال، تقاومه، لم ترض به، ولم تخضع له، المرأة الشونمية تدير المشاعر بقوة فولاذية وسط الظروف الصعبة، لتعلن في الظرف الصعب سلام مع زوجها وسلام عن زوجها وعن ابنها، وهي أيضًا في سلام. استطاعت أن تدير الأزمة بقوة، ولم تسمح للأزمة أن تديرها.
ثانيًا: التأكيد على الكرامة الإنسانيّة والمسؤوليّة الشخصيّة في محاولة أن تساعد الأرملة نفسها، حول السؤال عما لديها؟ وتقوم هي وتبيع أيضًا الزيت، وتفي الدين، وهي قدرة على اكتشاف الإمكانيات الصغيرة والمتاحة، وإدارة الأموال بحكمة أيضًا.
ثالثًا: المعجزتان تمتا في مكان مغلق في البيت بدون جماهيريّة أو تسليط كاميرات، فعمل الله لا يستغل لأغراض دعائية مغرضة. البيت في الأسرتين هو مصدر النجاة.
رابعًا: يبقى الله أمينًا إلى الأبد، فهو يحافظ على الأسرة من الضياع في قصة الأرملة، ويحافظ على العطية التي أعطاها للمرأة الشونمية "لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ." (رو 11: 29).
خامسًا: الله قادر على أن يملأ أوعيتنا الفارغة من نعمته بطرق خلاقة ومبتكرة لم تكن أبدًا في الحسبان، أو التفكير التقليديّ.
الفرص المتاحة:
أولاً: فرصة الاستماع دون حكم أو إدانة على الامرأتين، لم يدن أليشع الأرملة، ولم يدن أليشع أيضًا المرأة الشونمية، لم يضعهما في قفص الاتهام، احترم مشاعرهما. بعض المنابر والشخصيات الآن تدين الناس على وباء كورونا بدل من أنْ تشجعهم وتتعامل مع مخاوفهم تزيد مخاوفهم أكثر. وسط الأزمات نحتاج لمن يسمع لنا بحب دون أن يديننا، فالدينونة لله وحده.
ثانيًا: تلامس عمل الله بصورة مدهشة،فالله يسدّد الدين ويبقى فائض للمعيشة مع الأرملة، والله يقيم الموتى، فهو صاحب السلطان كلي القدرة. كل دين في حياتنا أو ميت فينا الله قادر على أن يتعامل معه.
ثالثًا: الأزمة تكشف ما لدينا من إمكانيات حتى لو كانت دهنة زيت فالله يعمل من خلال الصغير والضعيف، وندرك من خلال الأزمات محدوديتنا وحدودنا، ونختبر قدرة الله في الحياة.
رابعًا: الذهاب إلى المصدر الصحيح: الامرأتان ذهبتا إلى رجل الله أليشع كمصدر ثقة، ومصدر صحيح، وجيد ونحن في الأزمة نفكر إلى من نذهب وإلى من نلجأ، وفي وسط المنابر المفتوحة من نتبع؟ في وسط التيه لمن نلجأ؟ لم يستغل أليشع أحتاجهما أو ضعفهما، ولكن تعامل معهما بكل تقدير واحترام.
خامسًا: عاشت الأرملة حياة الطاعة، وعاشت المرأة الشونميّة حياة الإيمان، وإيمانها مثل إيمان إبراهيم الذي عبَّر عنه كاتب الرسالة العبرانيين "إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا، الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضًا فِي مِثَال." (عب 11: 19). وهكذا في كل الأزمات نحتاج إلى اختبار الطاعة واختبار الإيمان. ومن خلال الطاعة والإيمان نكبر وننضج.