الصَّوم في الكنيسة الأولى
12/16/2024 12:00:00 AM
المسيحيّة تعني المسيح، حياته وتعاليمه، وأثناء حياته صام المسيح قُبيل انطلاق خدمته «أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (متى 4: 2)، كما علَّم في أكثر من مناسبة عن الصوم، في الموعظة على الجبل (متى 6: 16)، وفي حواره مع الفريسيين (متى 9: 14-15؛ مرقس 2: 18-20)، وعندما علَّم تلاميذه كيف يواجهون إبليس (مرقس 9: 29)، وعلى مِثال المسيح، صام الرسول بولس، وامتنع عن تناول الطعام بعد ظهور المسيح المُقام له (أعمال 9: 9)، ولا بُدَّ أن يكون اشترك مع كنيسة أنطاكيّة عندما صلَّت وصامت ليختر الرب من بينهم خُدَّامًا (أعمال 13: 1-3)، وقد كتب بولس أنَّه مارس الصّوم قائلًا: «فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً» (2كورنثوس 11: 27)؛ وقد نصح الأزواج في كنيسة كورنثوس، لا على سبيل الأمر، قائلًا: «لاَ يَسْلِبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ إِلَى حِينٍ لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضاً مَعاً لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ. وَلَكِنْ أَقُولُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ» (1كورنثوس 7: 5-6). بالطبع لا يفوتنا صوم حنَّة النبيّة (لوقا 2: 37)، صوم كرنيليوس (أعمال 10: 1-3)، صوم بولس والرجال الذين كانوا في رفقته في السفينة (أعمال 27: 33).
ومع امتداد واتساع المسيحيّة، والكنيسة حول العالم، نقرأ عن المفهوم الروحي للصوم في كتابات الأباء، فقد:
كتب إكليمندس السكندري (150-215م)، قائلًا: "الصوم باعتباره امتناعًا عن الطعام هو إشارة إلى شيء، فالطعام في حد ذاته لا يجعلنا أبرارًا أو أشرارًا أكثر، لهذا يجب أن نصوم عن العالميَّات"
وكتب القديس باسيليوس الكبير (330-379م)، قائلًا: "إنَّ الصوم هو سلاح الحماية ضد الشياطين لأنَّ «هَذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ». (مرقس 9: 28)، كما أضاف قائلًا: "إنَّ الانقطاع عن الأطعمة لا يكفي في حد ذاته ليكون صومًا ممدوحًا، فنصمّ صومًا حسنًا مقبولًا لله؛ الصوم الحقيقي هو مجانبة الشر، ضبط اللسان، الكفّ عن الغضب، غياب هذه الرذائل هي الصوم الحقيقي.
وكتب القديس أمبرسيوس (337-397م)، قائلًا: "الصوم ليس فقط الانقطاع عن الطعام تمامًا من الصباح حتى العصر، وليس هو فقط الامتناع عن أنواعٍ من الأطعمة، ولكن الاثنين معًا، على أنَّ الآباء يؤكدون على الصوم الروحي إلى جانب الصوم الجسدي.
وكتب القديس مار إسحق السرياني (القرن السادس/السابع الميلادي)، قائلًا: "احذر لئلا تُضعِف جسدك بالتمادي في الصوم فيقوى عليك التراخي، وتبرد نفسك، أوزن حياتك في كفة ميزان المعرفة."
من ذلك العرض التاريخيّ، يُمكننا أن نُدرِك بسهولة، أنَّ الصوم في جوهره وسيلة وتدريب روحيّ، يرتقي بالإنسان نحو علاقة أفضل مع الله، ودائمًا ما يكون الصوم مرتبطًا ومُصاحبًا للصلاة، لأنَّه في حين يوصي الكتاب بأنَّه ينبغي أن نُصلي في كل حين (لوقا 18: 1)، يأتي الصوم في أوقات ومناسبات مختلفة، ولمددٍ زمنيّة مختلفة أيضًا.