آراء و أقلام إنجيلية

استثمر الكنز الذي بداخلك

  • بقلم: د.ق. صموئيل زكي

هناك قصة تُحكى عن قروي فقير في صعيد مصر، وجد في حقله نسرًا صغيرًا ولم يكن يعرف أنه نسر فأحضره من الحقل ووضعه في حظيرة صغيرة فى بيته وسط الدجاج الذي كانت تربيه زوجته. وكبر النّسر، ولكنه تشبّه بالدجاج في كل شيء. وعندما جاء ضيف لأسرة القروي ونظر في حظيرة الدجاج ووجد فيها النّسر، وعرفه وأمسك به وإذا بالنّسر يحاول العودة وسط الدجاج مرة أخرى كما تعوَّد، رغبةً في البقاء داخل الحظيرة خوفًا من الانطلاق للخارج. لكن الرجل أخذه وساعده على الطيران وقذفه بقوة لأعلى وقال له ليس مكانك ههنا. لقد خُلِقت لتُحلِّق في السَّماء في الأجواء العُليا. ونظر النّسر للشمس وانتفض وطار فى السَّماء وبدأ يحلق ويرتفع... ويرتفع... ويرتفع إلى أعلى بحسب طبيعته التي خلقه الله عليها.
وأنت أيضًا يا أخي، لم تُخلق لتندب حظك وتعيش في الحضيض، بل لتحلِّق وترتفع لأعلى ثم لأعلى. لقد خُلِقت لرسالة فأنت لم تأت إلى العالم صدفة، ولا خلقت بطريقة عشوائيَّة. أنت إنسان صناعة يد الله، صنعك فنان عظيم، بل أعظم فنان ولقد صنعك على صورته ونفخ فيك من روحه وجعلك تاجًا للخليقة وسيدًا عليها، ونائبًا له على الأرض. وهذا ما جعل بولس يتغنى مفتخرًا بذلك ويقول "لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا." (أف 2: 10). إنه يشتاق أن يرى نفسه فيك. وأن تكون صورته الصَّادقة التي تعكس مجده وعظمته. لقد ميَّزك عن سائر المخلوقات الأخرى بالعقل المفكر، والإرادة الحرة، والقدرة على الإبداع والابتكار، والقدرة على التّعلّم المستمر، والتّواصل الفعّال مع الآخرين. وخلق كل إنسان متميز عن الآخر، يتحرك من ذاته ويتحمل مسؤوليّة نفسه، وأفكاره وأفعاله وأقواله. خلق فى داخلك كنز عظيم حاول تكتشفه وتستثمره
ابـــدِع
قدم لنا عالم النَّفس الأمريكيّ الشهير بايرون رأيًا عظيمًا وخطيرًا، مُفاده أن أحلام اليقظة ليست ظاهرة مَرَضيّة كما كنا نحسبها، ولكنها ميزة خاصة يتمتع بها أصحاب المواهب النادرة. فالعقل الباطن يختزن طاقة فكريّة، تنطلق من خلال حلم من أحلام اليقظة في شكل فكرة أو اختراع. وهذا الرأي يؤيده التاريخ، توصَّل أرشميدس لقاعدته عن الأجسام الطافية وهو يستحم في منزله، وقد أطلق لفكره العنان في شكل حلم من أحلام اليقظة. وعندما ضاق عالم الرياضيات المشهور نيوتن بأعماله وأبحاثه ونام مسترخيًا، سبح بفكره بعيدًا ليتوصل إلى قوانين الحركة الشهيرة وأهمها أنَّ "لكل فعل رد فعل مساو له في القدرة ومضاد له في الاتجاه." ويعترف الاستاذ توفيق الحكيم بأهمية أحلام اليقظة أو ما يمكن تسميتها بالخيال، فيقول بأن قانون الجاذبيّة الأرضيّة جاء من مشاهدة هادئة للتفاحة وهي تسقط من فوق الشجرة. والقوى البخاريّة اكتشفها مخترعها جيمس واط (1736 – 1819) عندما شاهد البخار يتصاعد من إبريق شايٍ كان يعدّه لنفسه، وفكره مُسترخٍ هادئٍ. ومخترع البنسلين ألكسندر فلمنج 1929 لم يتوصل إلى اختراعه بعقله الواعي، ولكنه توصل إليه وهو يتابع حالة مريض تقدمت صحته ووجده يأكل من بقايا طعام بعد تعفنه. والأمثلة كثيرة، وكلها تدعونا إلى ضرورة تغذية عقلنا الباطن بالدراسة والقراءة والمشاهدة، ويتبع ذلك فسحات من وقت نترك فيها عقولنا للإبداع، ولأحلام اليقظة أن تطلق هذا الجنين الذي تكون داخل هذا العقل الباطن فينا. وهذا ما أكد عليه الرسول بولس في قوله "تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ." (رو12: 2) ونصيحته لابنه تيموثاوس "اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءةِ...لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذَلِكَ." (1تيمو 4: 13، 16)
حــدِّد أهدافك
أجرت إحدى الجامعات الأمريكيّة (Yale University) دراسة عن نسبة من يحققون أهدافهم، فوجدت أن ٣% فقط هم الذين يستطيعون تحقيق أهدافهم! ربما يجعلك هذا الرقم تتعجب بعض الشيء، أو تشعر بالإحباط واليأس، وأنا مثلك عندما قرأت هذه الإحصائيّة سألت نفسي: إذا كان هذا هو الحال في بلد متقدم مثل الولايات المتحدة الأمريكيّة، فما نسبة الناس الذين يحققون أحلامهم في بلد من بلاد العالم الثالث؟! والسؤال المهم هنا، والذي جال بخاطري وأنا أتأمل هذه الدراسة: يا ترى أنا واحد من الـ ٣% أم أنا واحد من الـ ٩٧% الباقين؟ وكانت الإجابة السريعة والتلقائية طبعًا أنا واحد من الـ ٩٧%. والسؤال لك أيضًا: ماذا تعتقد عن نفسك، وإلى أي فئة تنتسب أنت؟
في فيلم البحث عن السعادة يلعب ويل سميث دور مندوب مبيعات يعمل بجهد كبير، ولكن نظرًا لارتفاع سعر المنتج الذي يبيعه، بالإضافة إلى كونه منتجًا جديدًا، ولا يشتريه سوى الأطباء المتميزين، لذا كان يعاني من ضيق الحال وقلة المبيعات، وفي أحد الأيام بينما يمر من أسفل مبنى تجاري ضخم، وجد الناس يترددون على المبنى وهم في قمة السعادة، يرتدون الملابس الفاخرة، يقودون السيارات الفارهة، أوقف أحدهم ليسأله: ماذا تفعل فى حياتك حتى تكون فى هذه الحالة السعيدة وتبدو عليك علامات النجاح؟ وكيف؟
كما لو كان بسؤاله هذا يريد أن يعرف ماذا يفعل الـ ٣% في حياتهم ليصلوا الى ما وصلوا اليه؟ وكيف؟ ما هو سر نجاحهم؟ وما حال الـ ٩٧% الباقين؟ ماذا يفعلون؟ وكيف يعيشون؟ وربما لو فتشنا معا عن الحقيقة سنجد أن الـ ٩٧% هم الذين يعملون دائما من أجل تحقيق أحلام وأهداف الـ 3 %! وإذا لم تكن أنت من الـ ٣ % فمن المؤكد أنك ستكون من الـ ٩٧%. أبحث معي: هل تواظب على مشاهدة التلفزيون؟ كم ساعة في اليوم؟ الأسبوع؟ الشهر؟ العام؟ هل لديك حساب على الفيس بوك؟ بالتأكيد أنت تملك حسابًا على فيس بوك؟ كم ساعة تقضى يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعيّ؟ وكم ساعة في مشاهدة برامج التوك شو؟ هل تعلم أنك تقضى يوميًا 3ساعات، وهذا يعنى فى الشهر ۹۰ ساعة، وهذا يعنى في العام ۱۰۸۰ ساعة، وبحسبة بسيطة عندما نقسم هذا الرّقم على ٨ ساعات، وهو عدد ساعات العمل الرسميّة، فسوف تكتشف أنك تقضي في العام الواحد ١٣٥ يوم عمل في شيء لا ولن يفيد فى بناء مستقبلك وبلوغ أهدافك، ليس هذا فقط فبينما أنت تضيع وقتك وحياتك وعمرك على أشياء لا طائل منها، فأنت في الوقت نفسه تحقق أحلام الآخرين. وهذا ليس معناه أني أدعوك أن تقلع عن مشاهدة التلفزيون، أو مشاهدة مباريات كرة القدم، أو متابعة أعمالك على الموبايل الحديث الخاص بك. فقط إنى أدعوك أن تفكر وتركز، ثم تقرر قرارًا واعيًا فى أى شيء أنت تقضي وقتك وحياتك. ففي سباق الحياة ينقسم الناس إلى 4 فئات:
الفئة الأولى: ينتمي إليها الأشخاص الذين لا يعرفون بالتحديد ما يريدون، وبالتالى لا يعرفون أية طريق عليهم أن يسلكوا، أو ماذا يجب عليهم أن يفعلوا؟ إنهم فقط يتمنون أشياء غير محددة، عندما تسألهم: ما الوظيفة التي تتمنون أن تعملوا بها؟ لا تجد لديهم إجابة مقنعة.
الفئة الثانية: ينتمي إليها الأشخاص الذين هم أفضل حالًا من الأُوَل، فهم يعرفون بالضبط ما يريدون، ولكنهم لا يعرفون كيف يصلون إليه، أو ماذا عليهم أن يفعلوا، أو الطريق المؤدية إلى هدفهم الذي يريدونه، فهم يعرفون أنهم يريدون شراء سيارة، ولكن ليس لديهم مال كاف، ولا يعرفون كيف سيحصلون على الأموال، ولا يعرفون أية طريقة أخرى لامتلاك السيارة!
الفئة الثالثة: ينتمي إليها الأشخاص الذين يعرفون جيدًا ما الذي يريدونه، ويعرفون كيف يصلون إليه، وما الذي عليهم أن يفعلوه، ولكنهم غير واثقين باستطاعتهم ذلك. إنهم غير مؤمنين أن لديهم القدرات التي يحتاجونها لتنفيذ ما يريدون، إنهم يشكون في قدراتهم وإمكانياتهم، ويرون أنه من المستحيل تحقيق أيّ نجاح، لأنهم يرون أن الناجحين لهم قدرات وملكات خاصة لا تتوفر فيه. قد يرغب شخص ما فى التقدم إلى فتاة ليتزوجها، فهو لديه الإمكانيات المادية، ويعرفها جيدًا، ويعرف والدها، ويعرف أمور كثيرة تخص مستقبلهما. ولكنه يخاف أن ترفضه، لذا يبقى محلَّك سرّ. ولا يتقدم خطوة واحدة تجاه مستقبله.
الفئة الرابعة: ينتمي إليها الأشخاص الذين لديهم إيمان بأنفسهم، وثقة في قدراتهم وهذا يجعلهم يعرفون جيدًا ما الذي يريدونه، وربما لا يعرفون بالضبط كيف سيصلون، إلا إنهم يعرفون ما الذي عليهم أن يفعلوه، كما يعرفون جيدًا الطريق التي يجب عليهم أن يسلكونها، ويعرفون المهارات التي يجب أن يكتسبونها ليصلوا إلى ما يريدون، وهذا النوع يؤمن تمام الإيمان، أنه سيصل إلى تحقيق هدفه مهما طال المشوار والوقت، ومهما قابل من تحديات ومشاكل.
إنّ الهدف الذي يضعه الإنسان نصب عينيه يشحذ همته ويقوى إرادته، ويعطيه دافع ليثابر ويتحمل المشاق من أجل الوصول لتحقيقه. والرب يسوع علمنا "منْ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ." (لو 14: 28)، والرسول بولس رغم كل ما قابله من ألم وضيق واضطهاد كان شعاره "أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (في3: 14).
لا تـسـتـصـغـر قدراتك
عندما وجّه الرَّبُّ الدعوة لموسى ليقود شعب الله ويخلصهم من يد فرعون القاسي إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا. كان رد موسى على الرَّبِّ "من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر." (خر ۳: ۱۱) لقد كان يشعر بصغر نفسه وقدراته وربما يعود هذا إلى كونه ثقيل الفم واللسان، فوجود بعض العاهات أو العيوب الخِلقية أحيانًا يسبب الإحساس بالضَّعف والله يريد أن يحرِّرنا من من هذا الشّعور. فقال له "من صنع للإنسان فمًا... أما هو أنا الرب. فالآن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به." (خر ٤: ١١ و١٢) لم يُشف لسان موسى، ولكنه شُفي من الداخل فاستطاع أن ينطلق ويتحرك وقاد الشعب بحكمة ونجاح لمدة أربعين عامًا. وأنت يا عزيزي لا تقل أنا غير موهوب أو امكانياتي بسيطة. فحقيقة الأمر أنت تستطيع أن تنجز وتحقق. لقد كان طه حسين فاقد البصر، ولكنه أصبح وزيرًا للمعارف العموميّة، ولويس بريل كان كفيفًا ورغم ذلك هو الذي اكتشف طريقة بريل للقراءة للمكفوفين.
عــش بالرَّجاء
من أجمل الصور التي أبدعتها أنامل مصور متميز مشهور اسمه ف. واط. صورة أطلق عليها عنوان (الرجاء) هي صورة امرأة عمياء تجلس على كرة مظلمة (الكرة الأرضيّة) وقد أمسكت بيدها قيثارة تحطمت جميع أوتارها. ولم يبق فيها سوى وتر واحد، والمرأة تعزف بإصرار وعناد عليه حتى أخرجت أعذب الألحان. هذا الوتر كان هو وتر الرجاء فالرجاء هو الامتناع عن الاستسلام والبحث عن الموسيقى بقيثارة محطّمة فى عالم مظلم خرب وحياة عمياء. الرجاء الذي يرى في العبوسة بهجة وفرحًا. وينبئنا بأنّ الشّمس مهما غابت لا بُد أن تشرق. وأن الضباب مهما كان كثيفًا لا بُد له أن يذهب، لا يمكن أن يدوم.
إنّ اليأس أساس كل داء، كما أن في الرجاء كل دواء ففيه دواء المرض، وبلسمًا لأعمق الجراح الإنسانية المؤلمة. على سراجه يثابر الطالب ويحتمل عناء الدرس، ويحرث الزارع مترقبًا الثمر، وهو أسطع شعاع ينير سجن الأسير. ويرد الضال إلى بيت أبيه، والساقط إلى ذراعي أمه. نعم إذا خلا العالم من الرجاء يصبح بغير شمس مبهجة.
عزيزي، أختم معك بالقول، إذا خاب أملك فى عمل ما فلا تفشل ولا تيأس. بل فكر ثانية واسترجع الموقف مرة ثانية بنظرة جديدة وبإيمان جديد وسوف تُدهش من النجاح الباهر الذي تحققه. كن شجاعًا وأرفض أن تستسلم للهزيمة. اتخذ من تجاربك الماضية عظة لكل ما يعترضك في الحاضر والمستقبل. وثق أنه لا يأس مع الإيمان. ولا إيمان مع اليأس.