آليات التعامل مع خطاب الكراهية
12/30/2024 12:00:00 AM
بات خطاب الكراهية يمثل تهديدا مباشرا وخطيرا للبشرية ولكي نتعامل مع هذا الخطاب لابد من معرفة الأسباب وكيفية تلاشي تلك الأسباب وهي تتمثل في التالي :ـ
أولا: الشعور بالكراهية ليس أمرًا فطريًا لدى الإنسان ولكنه شعور يتولد مع الوقت، نتيجة عوامل كثيرة.
ويساهم خطاب الكراهية في بناء الكراهية في النفوس، وتدمير الفرد والمجتمع، إذ أنه كفيل بإضعاف المجتمعات وتدميرها ويزرع بذور الخوف والكراهية وفقدان الثقة في نفوس الأفراد، كما أنه يؤدي إلى نشر بذور التعصب بين الأفراد، واختفاء الشرعية على أعمال الكراهية، وقد يؤدي إلى أعمال عنف وجرائم كراهية ضد الجماعات المهمشة وخطاب الكراهية يؤدي إلى مخاطر جسيمة على تماسك المجتمع الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون؟
ثانيًا: المعنى العام
- كل تعبير عن الكراهية تجاه شخص أو جنس أو مجتمع أو دولة، بسبب الاختلاف في الدين أو العرق أو النوع.
- أنماط مختلفة من التعبير العام التي تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة، أو تحرض عليها، أو تروج لها أو تبررها ضد شخص أو مجموعة، بناء على الدين أو العرق أو الجنس أو اللون أو النسب أو عامل آخر من عوامل الهوية.
- هو أنماط السلوكيات الفعلية أو القولية التي تتسم بالكراهية، تصدر من فرد أو جماعة، بقصد إقصاء الآخر أو إخضاعه أو استغلاله أو توريطه، انطلاقًا من متبنيات دينية أو عرقية أو عنصرية في إطار علاقة غير متكافئة.
ثالثًا: خطاب الكراهية
1- الأسرة
مثلما تهتم الأسرة بتوفير الاحتياجات المادية لأطفالها، عليها أن تزرع فيهم بذور المحبة وقبول الآخر واحترامه. ويقع على عاتق الأسرة تشكيل الشخصية السليمة وبث الصورة الذهنية الصحيحة تجاه الاخر، واحترام التنوع والاختلاف
2- المؤسسة التعليمية
وهي المكان الذي يقضّي فيه الطفل الوقت الأطول، ولا يجب أن تكون مكانًا لتلقي المعلومات ولكن زرع القيم التي تشكل العقل والسلوك.
والأهم أننا في حاجة شديدة إلى مراجعة المناهج الدراسية وتنقيتها من كل ما هو ملوث بالكراهية أو يدعو إلى التفرقة والتمييز. كما يجب أن تكون هناك أنشطة يتشارك فيها التلاميذ وتدعوا إلى قبول الآخر واحترام التعددية
3- الخطاب الديني المتطرف
أخطر خطابات الكراهية هو الذي يستند على بعد ديني أو عقائدي، لأنه يجعل صاحبه يعتقد أنه يملك الحق المطلق، ويتقّرب بتطرفه إلى الله.
وهنا تأتي أهمية تصحيح الخطاب الديني لدى الكثيرين مما يعتلون المنابر، ويبثون من فوقها خطابات الكراهية. ويجب أن يكون التركيز على أن كل الأديان في نبذ الكراهية نبذًا تامًا.
"إن قال أحد إنه يحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب"
"من قال إنه في النور ويبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة"
"من لا يحب أخاه يبقى في الموت، كل مَنْ يبغض أخاه فهو قاتل نفس"
"مَنْ لا يحب لم يعرف الله، لأن الله محبة"
"رسالة يوحنا الأولى"
4- التحلي بالفضيلة على وسائل التواصل الإجتماعي
لأنها باتت وسيلة إعلام رخيصة ومُتاحة، فمَنْ يملك حساب على فيس بوك مثلاً، كأنه يملك قناة فضائية وجريدة يومية.
موقع فيس بوك أزال في الفترة من أكتوبر 2018 إلى مارس 2019 (6 شهور) أكثر من 7 ملايين بوست تدعو إلى الكراهية.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منابر لخطاب الكراهية، والأخطر أن النسبة الأكبر من المتعاملين مع هذه الوسائل هم الشباب.
5- القوانين الحاكمة
من المهم ان يكون هناك تجريم قانوني لخطاب الكراهية، لأنه عنصرًا رادعًا ومكملاً لمنظومة الوقاية. وهذا نراه في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري CERD كذلك في قانون التنمر الذي أُقر في مصر.
رابعًا: آليات مواجهة خطاب الكراهية
1- ضرورة اشتراك كافة مؤسسات الدولة في العمل على رفع مستوى الوعي بخطورة خطاب الكراهية داخل المجتمع المصري.
2- عدم التقاعس عن الإبلاغ عن ما يتم نشره من خطابات تدعو للكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا سهلٌ ومتاح.
3- دعم ضحايا خطاب الكراهية من خلال تعريفهم بحقوقهم، وتقديم المشورة والإرشاد لهم، ومساندتهم ماديًا ومعنويًا.
4- إنتاج برامج ثقافية للأطفال تدعو إلى المحبة والتسامح وقبول الآخر.
5- توضيح المسئولية في القانون المدني المتعلقة باستخدام خطاب الكراهية، وتطبيق القانون على المخالفين.
6- تشجيع صانعي القرار والمؤسسات المعنية على اتخاذ قرارات حازمة ضد أي خطاب للكراهية.
7- تشكيل فريق رصد وإنذار لرصد خطابات الكراهية والتحريض على العنف داخل المجتمع وتنبيه المجتمع لها.
خامسًا: محتوى المحبة ونبذ الكراهية
1- التنبير على إدراك حق الاختلاف
- الاختلاف هو سُنة الحياة، وقد اختار الله سبحانه أن يكون التنوع سمة الخليقة، وهذا يعطيها جمالاً خاصًا وغنى كبير.
"إن زهرة واحدة لا تصنع بستانًا، وعصفورًا واحدًا لا يصنع ربيعًا" د. عادل أبو زهرة
- الاختلاف هدفه أن يتكامل الجميع معًا.
- بولس الرسول يتحدث عن الوحدة بين الجميع ويشبهها بأعضاء الجسد، رغم اختلافهم لكنهم يتكاملون معًا في تأدية وظائفهم.
- الروم 22 "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم"
- لا يجب أن نحول الاختلاف إلى خلاف، بل نفهم أن الآخر مختلف عني، فلا احتاج إلى أن أدخل معه في صراع، بل تكامل معًا لخدمة المجتمع.
2- ضرورة الحوار
- الاختلاف قد يسبب التباعد، لكن الذي يسبب التقارب هو الحوار.
- الحوار هو التفاعل والتجاوب مع مَنْ يعيش معي.
- الحوار يزيل الخلاف، يقرب وجهات النظر، يجعلني افهم الآخر بصورة صحيحة وأقدم له نفسي بصورة صحيحة، يساعد على قبول النقد ومراجعة النفس، ويقود إلى مساحات من التوافق تتصدى لخطابات الكراهية داخل المجتمع.
3- قبول الآخر
- الحوار يقود إلى قبول الآخر، رغم إدراكي أنه مختلف عني.
- قبول الآخر يعني أقبله كما هو دون مساس بجنسه أو دينه أو فقره أو عاهته.
- قبول الآخر يعني أن أعامله كما أود أن يعاملني "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضًا لهم – السيد المسيح"
- قبول الآخر تعني قبوله كما هو وليس كما أريده أن يكون.
- قبول الآخر تعني حقه في الحياة والتفكير والتميز.
مثال "قول أحمد شوقي"
أعهدتنا والقبط إلا أمة للأرض واحدة تروم مراما
نعلي تعاليم المسيح لأجلهم ويوقرون لأجلنا الإسلاما
الدين للديان جل جلاله لو شاء ربك وحَّد الأقواما
4- نبذ التعصب
- التعصب نزعة أنانية، لا يرى فيها الشخص إلاّ نفسه، ويسعى دائمًا لإزاحة الآخر وتحطيمه.
- التعصب يرجع للفهم الخاطئ للدين، والإعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة، بالإضافة إلى النظرة المتدنية للآخر.
- التعامل مع التعصب يكون من خلال احترام إنسانية الإنسان - الآخر مثلي الله حباه حقوق ومسئوليات.
- خطورة أن يجعل كل شخص من نفسه حكمًا على الآخرين "لا تدينوا كي لا تدانوا" السيد المسيح
- عدم الرد على التعصب بالتعصب يزيد المشكلة تعقيدًا بل نشر فكر السماحة والمحبة داخل المجتمع.
- احترام الأديان، إن طبيعتنا كمجتمع مصري ضد أي ازدراء بالأديان، وعلينا أن نُعلّم ذلك للنشء.
كتب أحمد شوقي قصيدة للنشء، لا أدري لماذا لا تُقرر في المناهج الدراسية، تدعو للتسامح وعدم التعصب
قُل إذا خاطبت غير المسلمين ..... لكم دين رضيتم ولي دين
خلّ للرحمان فهم شأنه ..... إنه خالقهم سبحانه
أيها الأحباء:-
إن خطاب الكراهية يهدم المجتمع ويزلزل أركانه فعلينا أن نقاومه بكل قوة، ساعين إلى نشر خطاب المحبة والتسامح من أجل مجتمع صحي ناهض ومستقر