وتكون الرياسة على كتف
1/20/2025 12:00:00 AM
نحتفل في عيد الميلاد بمولد طفل صغير. والسؤال هو:
كيف لطفل صغير مولود في مذود في قرية صغيرة بين ألوف يهوذا.. في مدينة قيل عنها (أمن الناصرة بمكن أن يكون شيء صالح؟).. كيف لهذا الطفل أن يكون ذا شأن كبير ويأخذ كل هذا الاهتمام؟
لم يؤلف ترنيمة، لكن هناك ترانيم عنه تفوق ما كُتِب عن غيره بمراحل.
لم يكتب كتابا، لكن الكتاب المقدس هو الأفضل بين جميع الكتب.
لم يسافر هنا وهناك مبشرا، لكن كل تحركاته كانت في محيط وطنه فقط، ومع ذلك انتشرت رسالته الى جميع أرجاء المسكونة.
قال عنه النبي اشعياء بروح النبوة: لأنه يولد لنا ولد ونُعطَى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويُدعَى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا أبا أبديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود ومملكته ليثَبّتها ويعضدها بالحق والبر من الآن الى الأبد. غيرة رب الجنود تصنع هذا. اشعياء 9: 6 – 7
يقول: يُولَد لنا ولد ... ونُعطَى ابنا... ولا ينبغي أن يفوتنا المعنى ونحن نقرأ هذه الآية سريعا لأنه هنا يقول إن الولد يولد لكن الابن يُعطَى وذلك لأن الابن وهو الأقنوم الثاني موجود قبل تأسيس العالم وقبل ولادة الولد.. وفي ملء الزمان تم دخول البكر الى العالم (عبرانيين 1: 6) لأنه عندما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه الى العالم مولودا من امرأة.. دخل الابن التاريخ بولادة الولد.. الألوهية انسكبت في البشرية... الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر. (1 يوحنا: 18).. وبالإجماع، عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد (2 تيموثاوس 3: 16)
وعندما يأتي إله الكون الينا في أرضنا، فمهما كانت درجة اتضاعه، فهو لا يأتي الا ليسود. لذلك قال عنه اشعياء النبي (وتكون الرياسة على كتفه)
ورغم كل هذا، ألا نلاحظ أنه تم التشويش على هذا الطفل بهذا المعني؟
لقد تم التشويش عليه بعَلْمَنَة العيد وبالولائم والهدايا والأشجار والأضواء مع اختفاء مغارة الميلاد في كثير من البلدان.
معظم البلدان غيرت مسمَى الاجازة الى العطلة الشتوية بدلا من عطلة عيد الميلاد.. انهم لا يريدون يسوع ولا يريدون الاحتفال به ولا أدري بماذا يحتفل الناس في هذا التوقيت.
غير أن اشعياء النبي ينبهنا الى أننا ينبغي أن نحتفل بدخول الله الانسان الى زماننا وتاريخنا. وأن وجوده وسطنا سيكون ليس على مستوى طفل صغير لكن على مستوى حاكم أو ملك يسود (وتكون الرياسة على كتفه) بمعنى أن هذا الحاكم الذي تم ارساله سيدبر أمر كل شيء ويدير كل شيء.. ومن يدرك هذا ويريد أن يكون في حياة مستقرة سعيدة وسعادتها تدوم، عليه أن يخضع لرياسة وحكم هذا الابن الذي أعطاه لنا الله من خلال ولادة الولد.
وعندما نكون تحت رياسته ومحمولين على كتفه، ستكون لنا هذه الامتيازات.
أولا: سنكون تحت مظلة ملك يقول عنه اشعياء أنه "عجيب مشير"
سيكون هو المستشار لشئون حياتنا بظروفها المختلفة، ولن نكون بحاجة أن نعيش حياة مشوشة لأنه ليس مشيرا عاديا، لكنه الأفضل على الاطلاق. انه لا يرتكب أخطاء في مشورته. اننا نستطيع الاعتماد عليه وعلى كل ما يقوله لأنه (المذَّخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم) "كولوسي 2: 3"
مشكلة المشورة البشرية أنها محدودة بأشخاص يقدمونها ولهم عثراتهم.
مشكلة المشورة البشرية أن نظرياتها تتغير بين حين وآخر.
مشكلة المشورة البشرية أنها أحيانا تزيد من حجم المشاكل بالمحاباة والتدخل لطرف على حساب طرف آخر.
مشكلة المشورة البشرية أن الأفضل فيهم لا يستطيع الوصول للدائرة الداخلية، لأعماق الانسان.
لكن هناك شخص واحد ان سمحت لرياسته أن تحتويك وان سمحت له أن يحملك على كتفه فسوف يزيل كل حيرة ويأتي بالوضوح الى حياتك لأنه الوحيد القادر أن يتعامل مع التشويش والتاريخ المحبط ويعيد ترتيب كل شيء وتنظيمه وذلك لأنه مشير عجيب.
ثانيا: سنكون تحت "مظلة الها قديرا"
هو إله قدير، لكنه دخل التاريخ طفلا. هو الطفل الملك واسالوا مجوس المشرق. هو عمانوئيل "الله معنا"
في لحظة يجوع لأنه انسان، وفي اللحظة التالية يُطعم خمسة آلاف شخص.
في لحظة يعطش لأنه انسان، ثم يمشي على الماء.
يتعب لأنه انسان، ثم يقيم الموتى.
يموت لأنه انسان، ثم يقوم بعد ثلاثة أيام.
كل هذا لأنه "إله قدير"
لنجمع صفة الاله القدير مع صفة المشير العجيب. فحين نذهب لمشير بارع من البشر يقدم لنا النصيحة، فانه عادة لا يملك القدرة على تنفيذ ما نصحك به. لكن الاله القدير يستطيع مساعدتنا لتطبيق المشورة التي نصحنا بها، هو يمكِّن المشور أن تُحدث تأثيرها المطلوب.
والأمر الرائع في الاله القدير هو أنه يستطيع أن يسود على ما يسود عليك، كثيرا ما ساد علينا الشيطان وسادت علينا الظروف والناس والمشاكل. لكن هذا الاله القدير يسود على الأمور التي لا نريدها أن تسود علينا (الإدمان – المشكلة – شخص ما – الظروف – الاحتياجات المختلفة...)
كل هذا نستمتع به لأنه "إله قدير"
ثالثا: سنكون تحت مظلة "أبا أبديا"
هو منشئ الزمان وأب له (الذي هو قبل كل شيء) (وفيه يقوم الكل) أي أن كل شيء يعتمد في وجوده واستمرار وجوده عليه. لذلك ولأنه هو منشئ الزمن ومسئولا عنه، فهذا يعني أنه لا يتأثر بعامل الوقت والتوقيت ولا يمثل هذا ضغطا عليه.
اذا تركناه يحكم عالمنا وزماننا سيديره بصورة أفضل بينما نرتاح نحن على كتفه.. نحن نعيش في محدودية حيث (حتم الله وجودنا بالأوقات المعينة وبحدود مسكننا) أعمال الرسل 17: 26.. فليس أمامنا الا أن نعيش في ظل ابديته مع العلم أنه عن كل واحد منا ليس بعيدا.. أمام محدودية وغموض حياتنا علينا أن نترك هذا الطفل ليؤدي مهامه وهو أن يسود وينظم ويرتب حياتنا.
رابعا: سنكون تحت مظلة رئيس السلام.
عند بدء الخليقة كانت الأرض خربة وخالية. وفي الترجمة الإنجليزية يأتي هذا المعني بأن الأرض كانت في حالة تشويش وفوضى. ثم قام الله باستكمال الخليقة بالنور والنباتات والحيوانات والنجوم والزواحف والأسماك ثم خلق الانسان.
على ما يبدو أنه بمرور الوقت قام الانسان بقيادة عالمه بنفسه فسادت الفوضى على كل المستويات.
لدينا فوضى شخصية وعائلية وصراعات وحشية وتعنيف أطفال وطلاق وهجران وتفكك أسري.. حتى في كنائسنا هناك خلافات حادة.. وهناك انقسامات بسبب الدين والعرق والطبقية.. وهناك صراعات ثقافية وسياسية في كل أنحاء العالم.
لكن يسوع يقول: ان سمحت لي أن أكون القائد والحاكم فسآتي بالنظام في حياتك. مع العلم بأن السلام ليس هو غياب الصراعات، لكن بظهور وحلول يسوع وسط هذه الصراعات تهدأ العواصف التي تريد أن تعصف بحياتنا.
هل شاهدت مرة أوركسترا قبل أن تبدأ العرض حيث يقوم الأعضاء بعملية احماء آلاتهم؟
كل ما تسمعه هو تنافر لأن كل واحد يعزف ولا يهمه عزف الأخرين.. انها عملية احماء حيث يسود التنافر في كل مكان.. ووسط كل هذا يخرج القائد ويعلن البداية.. وفجأة تصبح الأمور منظمة ويحل الانسجام مكان التنافر لأنه حين يأتي القائد فانه يغير كل شيء ويسود الانسجام لأن جميع العازفين يركزون على السلطة المركزية.
في الختام نعيد السؤال:
كيف لهذا الطفل أن يكون له هذا الشأن العظيم؟
والاجابة لأنه المشير العجيب والاله القدير والأب الأبدي ورئيس السلام ولملكه لا نهاية. فاذا كانت مهمة الابن بدخوله الى التاريخ هي الرياسة والسيادة بهذا المفهوم فلماذا لا نسمح له ليكون ملكا علينا؟ هو يريد ان يملك علينا هنا على أرضنا ليجهزنا للسماء.
في عيد الميلاد صار الله انسانا.
يستطيع أن يلاقينا كاله له كل القدرة والسلطان.. ويستطيع أن يلاقينا كانسان لأنه عاش بيننا بلا خطية، ولكن ليس بدون ظروف.. ففيما هو تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين.
في عيد الميلاد ينتظر الله منا أن نكون في علاقة شخصية والايمان به لمغفرة الخطايا وقبول عطية الحياة الأبدية.
في عيد الميلاد ينتظر الله منا أن نخضع لرياسته، فنعرف ماذا يريد وندرك أهدافه وطرقه كما أعطاها لنا في كلمته.
في عيد الميلاد ينتظر الله منا ان نكون تلاميذ حقيقيين ليسوع وليس فقط معجبين نراقبه من بعيد.
لتمنح شعبك يا وليد بيت لحم النور وسط ظلامه والقوة وسط ضعفه والتعزية وسط أحزانه والسلام وسط صراعاته والرجاء وسط يأسه.
لا ينبغي أن يكون عيد الميلاد مجرد عطلة واحتفالات، بل ينبغي أن يكون فرصة لكي نؤمن بيسوع مخلصا ونخضع له ملكا ونتبعه معلما ومرشدا..