الغـفران مفتاح البركة
2/17/2025 12:00:00 AM
أهتم العلماء بالمشاكل الفردية لأنها اساس المشاكل الدولية العالمية. لذلك فكروا في إيجاد مناسبات تشجع على التواصل والتسامح بين الأفراد. فقرروا أن يكون يوم 16 نوفمبر من كل عام يوم التسامح. أنها فكرة رائعة وذات هدف نبيل. ولكن هل تحقق الغرض؟
فهل يمكن لاتصالنا وتقاربنا وتجمعنا لمدة يوم في السنة؛ ازالة المرارة من النفوس ونزع الحقد من القلوب؟ أنه درب من دروب الخيال. فإن لم يفتح كل منا قلبه لله وللأخرين ولنفسه. لا يمكن صنع سلام. وتبقى الحقيقة أننا نتقابل ونتسامر ونقضي الأوقات، وما في الصدور من بغضة وحقد ومرارة (عدم غفران)، مازال موجود بل ربما يزيد.
لكن نحذر لأن المرارة مدمرة. لك اولاً ومعطلة للآخرين. نقرأ: " فَحُجِزَتْ مَرْيَمُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَرْتَحِلِ الشَّعْبُ حَتَّى أُرْجِعَتْ مَرْيَمُ"(عد 12: 15) فالمرارة تأتي بالبغضة التي مفادها المرض الروحي والجسدي وتوقف المسير. لذلك يطلب الرسول بولس ويقول:"لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ". (اف 4: 31)، ونقرأ أيضًا تحريضه على حفظ السلام الأسري "مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجًا، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ، (عب 15:12).
فالكثير من الامراض الجسدية تأتي كنتيجة للمرارة وعدم الغفران، والكبت في داخل نفوسنا مثل: الاكتئاب، والضغط العصبي الذي يصيب بقُرح الجهاز الهضمي. والصداع. وأمراض القلب. بخلاف السكر، وبعض الأمراض الجلدية [ناهيك عن الحالة الروحية التي تكون في اسواء حالة]. فهل تريد أن تكون مريض روح وجسد؟ تمسك بالمرارة (الخطية) في داخلك. أم أنك تريد الشفاء فعليك "بالغفران" للأخرين ولنفسك.
ولكي ندرك الأمر جيدًا نرجع لكلمة الله ونقرأ الكلمات الواردة في: (مت 18: 21-35، مر 11: 22 -26). فهل هذه الكلمات الكتابية تعلمنا عن التسامح الذي يعيد له العالم يوم 16 نوفمبر من كل عام؛ أم عن عيد التسامح الدائم الذي جعله لنا الرب يسوع المسيح بغفرانه اللامحدود. ووصيته بغفراننا اللامحدود للآخرين أيضًا؟
فسر اليهود أقوال الرب في سفر عاموس: "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: "مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ دِمَشْقَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ دَاسُوا جِلْعَادَ بِنَوَارِجَ مِنْ حَدِيدٍ."(عا 1: 3). بأن الله يغفر ثلاث مرات والرابعة لا يغفر. لذلك علم الربي "يوذي بن حنينة "(من يطلب الغفران من أخيه. فلا يطلب أكثر من ثلاث مرات).
فما أعظم الفارق بين ما ينادي به العالم، وما عمله وعلمه شخص الرب يسوع المسيح. إذ جعل التسامح (نزع المرارة التي هي الخطية) اساس القبول لدى الله بل هو (مفتاح) البركة."فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ." (مت 6: 14-15). راجع معي أيضًا "(لو6: 37، كو 3: 13]
كلمة غفران في اللغة العبرية تعني:
كفر = التغطية والستر "غفران الله للإنسان"
سلاح = الصفح والابعاد "غفران الإنسان للأخرين"
نسا = يرفع "غفران الإنسان لنفسه"
لذلك الغفران ثلاث أنواع: -
أولاً: الغفران الإلهي : (كفر) غفران الله للإنسان ." إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَارَبُّ، يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟ لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ." (مز 130: 3-4).
* فالخطية في نظر الله.
1- فضيحة تحتاج إلى الستر."طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ"(مز 32: 1)
علاجها "أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي» وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي" (مز 32: 5)، راجع (مز 7:32، مز 7:81، اش 10:61).
2- سحابه سوداء فاصله بين الإنسان والله. "بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ"(أش 59: 2).
علاجها "قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ". (أش 44: 22).
3- مصرورة تحتاج لفك." إِثْمُ أَفْرَايِمَ مَصْرُورٌ. خَطِيَّتُهُ مَكْنُوزَةٌ."(هو13: 12)
علاجها " قَدْ نَزَعَ الرَّبُّ الأَقْضِيَةَ عَلَيْكِ، ..." (صف 3: 15)
4- مكتوبة تحتاج للإزالة والمحو."خَطِيَّةُ يَهُوذَا مَكْتُوبَةٌ بِقَلَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، بِرَأْسٍ مِنَ الْمَاسِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى لَوْحِ قَلْبِهِمْ وَعَلَى قُرُونِ مَذَابِحِكُمْ"(إر17: 1)
علاجها "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا"(اش 43: 25)، راجع أيضًا (أع 10: 43، 1بط 1: 18-20).
ثانيًا: الغفران الأخوي: (سالاح). غفران الإنسان لأخيه الإنسان. بكل تأكيد تأملت كلمات النص الكتابي في مت 18: 21-35 ، مر 11: 22- 26 فتأمل معي . خطورة عدم الغفران للآخرين عليك.
1- احزان اخوتك مت 18: 21 تكدير الجماعة
2- غضب سيدك مت 18: 34 حجب البركة
3- تدخل السجن مت 18: 34 فقد الحرية
4- تُسلَم للمعذبين مت 18: 34 وما اكثرهم
5- مطالبتك بسداد الدين مت 18: 34 الفقر الكامل
6- لا يستجاب لك مر 11: 25 غلق السماء
7- لا ينمو إيمانك مر 11: 24 ضعف الحياة
*حسبة ارجو نتعلمها معا اليوم افتح. افتح كتابك المقدس على العملات في الصفحات الاولى واحسب معي. الوزنة هي اعلى وحدة نقد، والعشرة الاف كانت اعلى عدد في اليونانية (الترليون أو الديشليون لغة الارقام) الوزنة = 6000 دينار فيكون الدين الذي تركه السيد للعبد 60.000.000 دينار، ويكون دين الانسان للإنسان [1 إلى 600.000] يا للقساوة. هل يستحق الأمر كل هذا العناء؛ أم انه غباء بنا ألا نغفر للآخرين. لذلك قال الرب:"طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ" (مت 5: 7)، كما أعلن الرسول يعقوب: "لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ. (يع 2: 13).
فالغفران للآخرين لا علاقة له بالعدل.
الغفران ليس نظرية تُدَّرس. فالإنسان لابد أن يعيش التجربة والألم المصاحب لها، وعند ذلك يصنع القرار. يقول الاستاذ / جمال هاشم في الحوار المتمدن: أن التسامح تربية قبل أن يكون قناعة فكرية. تأمل غفران استفانوس لراجميه (أع 7: 60).
ثالثًا: الغفران للنفس: (نسا) أي غفران الانسان لنفسه. وهذا أخطر ما يجهله الإنسان ويستغله إبليس أعظم استغلال لتحطيم المؤمنين أذ يفكرهم بخطاياهم دائمًا.
تذكر دائمًا اللص على الصليب: " ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ: "اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:" الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ"(لو 23: 42-43)، وعيش الاعتراف واحصل على السلام الدائم. بقبول توبتك وغفران خطياك. ثق أن كنت وقفت أمام الرب مثل العشار في انكسار وطلبت بخشوع، واعترفت بأنك خاطئ، وتركت خطاياك فأنك مبرر:" أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ". (لو 18: 14)، راجع[ رؤ1: 5، 2كو5: 19، مي7: 18-19، اش43: 25].
نتائج الغفران:
1- الفرح. (السعادة ) "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ" (مز 32: 1 ) راجع [ رو 4: 7 ، مز 16: 9 ، أش 38 : 20]
2- الحب. (تدفق الحب) "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً". (لو 7: 47).
3- الخوف. مخافة. (الحرص على ارضاء الرب) "لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ"(مز 130: 4)، لذلك يكتب الرسول بولس ويقول: "فَإِذْ نَحْنُ عَالِمُونَ مَخَافَةَ الرَّبِّ نُقْنِعُ النَّاسَ. وَأَمَّا اللهُ فَقَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ لَهُ، وَأَرْجُو أَنَّنَا قَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ فِي ضَمَائِرِكُمْ أَيْضًا"(2كو5: 11).
أمــيــن