رفيق الطريق
2/24/2025 12:00:00 AM
يسجل البشير لوقا شهادة رائعة عن أعظم رفيق في الطريق، عن شخص المسيح حين يقول: "وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا." (لو 24: 15). الأمر الذي ميَّز تلميذي عمواس، وجعل للرحلة معنى وللحياة قيمة هو هذا القول: "وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا" هي خبرة روحية متميزة وفريدة من نوعها عاصرها تلميذي عمواس مع المسيح المقام من الأموات، يقول البشير لوقا: "اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا"، في كل الظروف والأحوال المسيح يقترب منا ويمشي معنا، هو ليس بعيدًا عنا ولكنه يقترب إلينا ويمشني معنا رحلة الحياة بكل ما فيها. "لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا." (أع 17: 27).
حال تلميذي عمواس:
ظهر تلميذي عمواس على مسرح الأحداث وهما "وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هذِهِ الْحَوَادِثِ." (لوقا 24: 14)، "فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الَّذِي اسْمُهُ كِلْيُوبَاسُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟" (لوقا 24: 18)، فهما مشغولان بالأحداث التي تمت في أورشليم الخاصة بشخص المسيح من صلب وموت وقيامة، ودخلا في ثلاث حالات مربكة:
1- العبوس: "فَقَالَ لَهُمَا: مَا هذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟ (لوقا 24: 17).
2- الحيرة: "بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِرًا عِنْدَ الْقَبْرِ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. وفقدان الرجاء. (لوقا 24: 22- 23).
3- فقدان الرجاء: وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلكِنْ، مَعَ هذَا كُلِّهِ، الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذلِكَ". (لوقا 24: 21).
في أوقات كثيرة نكون فيها في حالة من العبوس، والحيرة، وفقدان الرجاء لكن في وسط كل هذا المسيح يقترب منا ويمشي معنا في هذه الرحلة المغيرة للحياة.
ماذا فعل المسيح لتلميذي عمواس؟
قام المسيح بثلاثة أمور هامة مع تلميذي عمواس، وهي:
1- مشى معهما: في رحلة الحيرة والشك وفقدان الرجاء مشى المسيح مع تلميذي عمواس، الله معنا، قال المسيح: "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. آمِينَ." (مت 28: 20).
2- استمع لهما: دخل معهما في حوار استمع لهما طرح أسئلة وأعطى إجابات، وطرحت عليه أسئلة وأجاب، الاستماع فضيلة مهمة، المسيح استمع لتلميذي عمواس، وهو مازال يستمع إلينا، وإلى تسأولاتنا وحيرتنا. "اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي" (مز 40: 1).
3- فسَّر لهما المكتوب: المسيح هو أعظم مفسر، وفي تفسيره قاد تلميذي عمواس إلى المكتوب ليعرفا يسوع من خلاله، فلب المكتوب هو شخص المسيح: "ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لوقا 24: 27)
المسيح يسير معنا في طريق غربتنا، يسمع أسئلتنا وحواراتنا وهمومنا، ويقودنا لنراه في المكتوب من خلال الشرح والتفسير، فمن الواقع للنص ومن النص للواقع حوار يومي مغير للحياة، هكذا أختبرا تلميذي عمواس، وتغيرت حياتمهما.
ماذا حدث لتلميذي عمواس؟ ما هي نتيجة اللقاء؟
حدث ثلاثة أمور مهمة لدى تلميذ عمواس وهي:
1- فتحت الأعين: في بداية الرحلة يقول لوقا "وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ" (لوقا 24: 16)، لكن في نهاية الرحلة "فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا" لوقا 24: 31).
2- التهب القلب: خلال الرحلة شخص المسيح حالتهما: "فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ" (لوقا 24: 25). في نهاية الرحلة إعلان صادق فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟ (لوقا 24: 32).
3- مشاركة الخبرة الروحية: فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ! وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ. (لوقا 24: 33- 35). أصبح لديهما خبرة روحية يستطيعا مشاركة الآخرين بها، محور الخبرة الروحية هو شخص المسيح، ومحور كل خبرة روحية ومشاركة في حياتنا يجب أن تدور حول شخص المسيح.
فتح الأعين قاد إلى المعرفة، وألتهاب القلب قاد للتصديق، ومشاركة الخبرة الروحية قادت إلى التشجيع، النور والنار، حين تنفتح العين يستنير القلب ويشتعل بكلمة الله الحية التي تغير، وبالتالي تقود إلى مشاركة لخبرة روحية عن عمل المسيح المغير للحياة.
خبرات مشابهة من كلمة الله:
الفعل يمشي له دلالة في كلمة الله حين يرتبط بالله وعمله فنرى ثلاثة أمواقف هامة، وهي:
1- في جنة عدن بعد السقوط: الله يبحث عن الإنسان "وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ." (تك 3: 8). لم يستفد آدم وحواء من وجود الله معهما فالخطية شوهت الإنسان، لكن بعد القيامة استفادا تلميذي عمواس من إقتراب المسيح المسيح منهما ومشيه معهما،الخطية تبعد الإنسان عن الله، القيامة تقرب الإنسان من الله.
2- في أتون النار: "أَجَابَ وَقَالَ: هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ." (دا 3: 25). في وسط أتون النار المحمَّى سبعة أضعاف الشبيه بابن الآلهة في المشهد للحماية والرعاية والحفظ.
3- في وقت أضطراب السفية في البحر: "وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمْوَاجِ. لأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً وَفِي الْهَزِيعِ الرَّابعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ." (مت 14: 24- 25). وضع السفينة كان في قمة الحرج لكن من غير المشهد هو من آتي ماشيًا على المياه، في الهزيع الرابع من الليل للإنقاذ.
أرتبط مشي الإله بعدة أمور وهي: الله يبحث عن الإنسان حتى ولو هو في حال السقوط، الله موجود حتى ولو في الظروف الصعبة هكذا تخبرنا قصة الفتية الثلاثة في آتون النار، وفي وسط البحر الهائج والسفينة المضربة من الأمواج يآتي المسيح ليهدى الأمور ويعطي سلام. وفي وسط الحيرة وفقدان الرجاء يأتي المسيح ليفتح الأعين ويلهب القلوب، فهو رفيق الطريق.