آراء و أقلام إنجيلية

التسرع في الغضب

  • بقلم: د.ق. يوسف بخيت

لاَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى الْغَضَبِ، لأَنَّ الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الْجُهَّالِ. (الجامعة ٧: ٩) يذكر الكتاب المقدس الغضب بشكل متكرر (أكثر من 500 مرة)، مما يعكس أهميته. ويميز الكتاب المقدس بين الغضب المقدس والغضب الخاطئ.
- الغضب المقدس يمثله الرب يسوع وهو يطهر الهيكل، ويعلن محبة الله وعدله ويؤدي إلى تغيير بنّاء.
- الغضب الخاطئ ينبع من دوافع أنانية ويؤدي إلى الدمار.
عزيزي القارئ هل تعاني من سرعة الغضب سواء في مواجهة المشاكل الصغيرة أو الكبيرة؟ لا تقلق .. أنت لست لوحدك! يوجد الكثير من الناس يعانون من التسرع في غضبهم.
اولا : الغضب وتعريفه:
يقول الرسول بولس ( اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ، (أف ٤: ٢٦) إستخدمت كلمتان يونانيتان في العهد الجديد للإشارة إلى الغضب.
- معناه : ( شغف - طاقة )
- معناه : ( إثارة - غليان )
الغضب هو طاقة معطاة من الله لمساعدتنا في حل مشاكلنا. واليك بعض الأمثلة عن الغضب في كلمة الله:
+ مواجهة بولس الرسول لبطرس الرسول بسبب التفرقه العنصرية بين اليهود والأمم في غلاطية 2 : 11- 14.
+ غضب الرب يسوع بشأن تدنيس بعض اليهود للعبادة في هيكل الله في أورشليم (يوحنا 2: 13- 18).
لاحظ أن هذه الأمثلة للغضب لم تكن دفاعاً عن النفس، بل دفاع عن آخرين او عن مبدأ يتفق مع كلمةالله.
+ يعرف الغضب في علم النفس بأنّه شعورٌ يمرُّ فيه الإنسان يُظهر فيه سلوكيات وأفكارٍ عدائيةٍ.
+ الغضب هو ثورة داخلية، وفقدان لتحكم الإنسان في طريقة تفكيره وتصرفاته (عدم تحكمه في أعصابه).
يصاحب الغضب (في أغلب الأحيان) تهور يؤدي إلى أخطاء في الكلام والأفعال (صموئيل الثاني 12).
فالغضب ضعف إنساني وكلما نضج الإنسان وتهذب كلما قل انفعاله، وتحكم في تصرفاتهم.
ثانيا: التسرع في الغضب واسبابه:
1- الكبرياء:
موقف نعمان رئيس جيش ملك ارام الذى غضب من أليشع، لأنه لم يعامله كما كان يتوقع لما ذهب لمقابلته فاعتبر ذلك إهانة له «رجع ومضى بغيظ» ( 2 ملوك 5: 11، 12).
2- رفض التوبيخ:
يذكر لنا في كلمة الله عن الملك آسا، الذى جائه حناني الرائي حاملاً له توبيخا من الرب بسبب أنه لم يستند على الرب بل على البشر « فغضب آسـا على الرائي ووضعة في السجن لأنه اغتاظ منه من أجل هذا » (2أخبار 16: 7-10).
وكم من المؤمنين يثورون وترتفع أصواتهم عندما يواجهون توبيخا لتصرف خاطئ أو عمل غير لائق!.
3- اغاظة الآخرين:
وهذا ما حدث مع موسى، الرجل الحليم الذى احتمل الشعب كثيرا طوال 40 سنة. فقد تسببت سرعة غضب موسى في مشاكل له في مصر، كما جلبت له المشاكل في البرية أيضاً. ففي حادثة مريبه قام موسى بضرب الصخرة بغضب لكي يوجد ماء للشعب. ولكنه، لم يعطي المجد لله ولم يتبع توجيهات الله المحددة بدقة. وبسبب ذلك، منعه الله من دخول أرض الموعد (عدد 20 : 11).
هذا يعلّمنا أنه لا عذر لنا إن كنا نغضب ونخطئ بسبب إغاظة الآخرين لنا.
4 - الغيرة ومشاعر الحقد:
وهذا واضح في قايين (أول من ذُكر عنه في الكتاب أنه اغتاظ)، لما رأى أن الله نظر إلى أخيه هابيل وقربانه ولم ينظر إليه ولا إلى قربانه «اغتاظ جدًا وسقط وجهه (أي تغير شكل وجهه) » (تكوين 4: 5). وإذ أطلق العنان لغضبه، قام على أخيه وقتله.
لننتبه حتى لا نحتفظ في قلوبنا بأي مشاعر حقد نحو الآخرين، ولنطرح عنا هذه الخطية كلّية (1بطرس 2: 1).
5 - البغضة والكراهية:
امتلأ قلب شاول الملك بالكراهية لداود، وخطّط للتخلص منه. ولما أحس بتعاطف يوناثان مع داود وإخلاصه له، انفجر في الغضب، وتكلم بأحط العبارات مع يوناثان (1صموئيل20: 30 ).
إني أتعجب كيف يمكن لشخص، من المفترض أنه رجل محترم، أن يثور إلى الحد الذى فيه ينفلت لسانه ويسب ابنه (الأمير)! إنه الغضب؛ وآه من عدم التحكم في النفس!
٦. التجارب السيئة السابقة:
هناك الكثير من حالات الغضب السريع المرتبطة بتجارب سابقة تعرَّض لها الشخص وظلّ أثرها السلبيّ مُرافِقاً له، وخاصَّةً كالتعرُّض للتنمّر أو التمييز في فترة مُعيّنة من حياته، أو سوء المعاملة من البيئة المحيطة، أو أساليب التربية الخاطئة والعنف، ممّا أدّى إلى تولُّد مشاعر غضب مستمرّة داخل نفسه من شأنها أن تنفجر في أبسط المواقف. (فَاغْتَاظَ مُوسَى جِدًّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: «لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى تَقْدِمَتِهِمَا. حِمَارًا وَاحِدًا لَمْ آخُذْ مِنْهُمْ، وَلاَ أَسَأْتُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ». (العدد ١٦: ١٥)
٧. الإجهاد الشديد والشعور بالظلم:
عندما يكون هناك الكثير من المهام التي يجب إنجازها ولا يوجد وقت كافي للقيام بها، يشعر الشخص بالتوتر والإرهاق الذهني والقلق، وهو ما يسبب الشعور بالغضب والإحباط وعدم الجدوى، وعندما يسيء شخص معاملتنا دون أن يكون بوسعنا عمل شيء تجاه الأمر نغضب لأننا نشعر بالظلم.
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ هذَا الْكَلاَمَ اغْتَاظَ عَلَى نَفْسِهِ جِدًّا، وَجَعَلَ قَلْبَهُ عَلَى دَانِيآلَ لِيُنَجِّيَهُ، وَاجْتَهَدَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيُنْقِذَهُ.(دانيال ٦: ١٤)
ثالثًا: التسرع في الغضب واضراره:
1. الغضب المستمر قد يؤثر على صحة القلب،
حيث أنه يعمل على زيادة سرعة ضربات القلب عن المعدل الطبيعى، مما يسبب النوبات القلبية وتصلب الشرايين.
٢. الغضب الشديد يسبب ارتفاع فى ضغط الدم،
حيث يقوم القلب بضخ كمية كبيرة من الدم.
٣. اضطرابات في النوم أثناء الغضب تحدث اضطرابات في بعض الهرمونات بالجسم، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل في النوم،. ويؤدي إلى انخفاض القدرة على التركيز، مسببًا في التراجع الأكاديمي للطلاب والمهني للعاملين.
٤. صداع الرأسالغضب يزيد من توسع الأوعية الدموية في الرأس وزيادة تدفق الدم فيها، مما يؤدي للإصابة بالصداع الحاد.
٥. الغضب المستمر يؤدي إلى المشاكل الصحية منها الإفراط في تناول الطعام والأرق والاكتئاب، ومن الممكن أن تزيد نوبات الغضب من الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية.
٦. أثناء الغضب يفرز الجسم بعض الهرمونات التى تسبب مشاكل جلدية عديدة، ومنها حب الشباب الالتهابات الجلدية والصدفية. وظهور التجاعيد على البشرة.
٧. الغضب الشديد يسبب مشاكل فى الجهاز التنفسى فعند نوبات الغضب لا يستطيع الشخص التنفس بسهولة مما يعرضه لضيق تنفس ومشاكل صحية أخرى
رابعا: التسرع في الغضب وترويضه:
اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً. (امثال ١٦: ٣٢)
”ترويض الغضب” والسيطرة عليه له فوائد هامة جدا لحياة الإنسان وجلب السعادة و تحسين الصحة الجسدية.
يذكر حكيم الاجيال:‏ مَدِينَةٌ مُنْهَدِمَةٌ بِلاَ سُورٍ، الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى رُوحِهِ.(امثال ٢٥: ٢٨).‏ اَلْجَاهِلُ يُظْهِرُ كُلَّ غَيْظِهِ، وَالْحَكِيمُ يُسَكِّنُهُ أَخِيرًا. (امثال ٢٩: ١١). اما مَن يتعلَّم ان يتمالك نفسه،‏ فيُظهِر القوة الحقيقية والتمييز.‏ ( بَطِيءُ الْغَضَبِ كَثِيرُ الْفَهْمِ، وَقَصِيرُ الرُّوحِ مُعَلِّي الْحَمَقِ. (الأمثال ١٤: ٢٩)
إليك بعض الخطوات لترويض الغضب
١. تمالك اعصابك بدلا من ان تعمل شيئا تندم عليه.‏
يقول داود النبي (كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ، مزمور ٣٧: ٨) فبإمكانك ان تسيطر على غضبك قبل ان يؤدي بك الى فعل الشر.‏
٢. انسحب قبل ان ينفجر غضبك.‏
«بدء النزاع كتفجُّر المياه.‏ فانصرف قبل انفجار الخصومة».‏ (‏امثال ١٧:‏١٤‏)‏ من الحكمة حل الخلافات بسرعة،‏ ولكن يلزم ان تهدأ انت والطرف الآخر قبل مناقشة الموضوع.‏
٣ . ادرس الموقف من كل جوانبها.‏
امثال ١٩:‏١١‏:‏ «بصيرة الانسان تبطئ غضبه».‏ فمن الحكمة ان تلمَّ بكل جوانب المسألة قبل التوصل الى الاستنتاجات.‏ وهكذا،‏ يقل الاحتمال ان تغضب دون مبرِّر.‏ يعقوب ١:‏١٩‏.‏ فيضع يعقوب أمامنا هنا هذه النصائح الثلاث: الإسراع في الاستماع: الإبطاء في التكلم؛ الإبطاء في الغضب.
٤ . صلِّ لتنال سلام من الله يملأ عقلك.‏ تساعدك الصلاة ان تنال ( وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.(فيلبي ٤: ٧) فهي وسيلة اساسية يمنحنا الله بواسطتها روحه القدس الذي يُنتِج فينا صفات كالسلام وطول الاناة وضبط النفس.‏( راجع لوقا ١١:‏١٣ ، غلاطية ٥:‏٢٢،‏ ٢٣‏)
٥ . اختَيار اصدقائك.‏
توجد عبارة مشهورة بأن الصاحب ساحب لذلك نحن نتمثَّل عادة بمَن نعاشرهم.‏ لذلك يحذِّر سليمان الحكيم قائلا ( لاَ تَسْتَصْحِبْ غَضُوبًا، وَمَعَ رَجُل سَاخِطٍ لاَ تَجِيءْ، لِئَلاَّ تَأْلَفَ طُرُقَهُ، وَتَأْخُذَ شَرَكًا إِلَى نَفْسِكَ. امثال ٢٢: ٢٤، ٢٥)
٦. استبدل مشاعرك.
اسمح للروح القدس أن يستبدل مشاعر الغضب إلى طول أناة، فإذا كان لديك قلب طاهر و متسامح تستطيع أن تسأل الله أن يظهر ثمار الروح في حياتك ( وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. غلاطية ٥: ٢٢، ٢٣)
٧. اغفر وسامح دائماً:
فكر في الطريقة المثالية التي قد تساعدك على أن تكون قدوة في المسامحة في مواقف الضغط والغضب واستبدل مشاعرك بمشاعر محبة المسيح لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس ومنه ثمر الروح السلام والوداعة واللطف. يجب أن يكون الصفح رائدنا في حياتنا في كل يوم.
٨. اتصل بالراعي او القائد الروحي.
إذا وصلت إلى المرحلة هذه، فمن الأفضل أن تتصل بالراعي او قائدك الروحي والتكلم عن سبب انزعاجك ورغبتك في التخلص من شعروك. غالباً ما يعطينا بعداً عن المشكلة وجهة نظر بديلة تساعدنا على رؤية أشياء لم نكن قد انتبهنا لها من قبل.
ملاحظات ختامية :
===============
اليك أربعة قواعد أساسية لحياتك في رسالة (أفسس 4 : 15، 25 - 32)
1. كن أميناً وتكلم
(أف 4 : 15، 25). لا يقدر الناس أن يقرأوا أفكارنا. يجب أن نقول الحق وأن يقترن دائمًا بالمحبَّة.
2. تعامل مع اللحظة الحالية
(أف 4 : 26-27). يجب ألا نسمح بالتراكم لكل من يضايقنا حتى نفقد السيطرة. من المهم التعامل مع ما يضايقنا والتحدث عنه قبل أن يصل إلى هذه المرحلة.
3. واجه المشكلة، وليس الشخص
(أف 4 : 29 ، 31). وهنا يجب أن نتذكر أن نحافظ على أصواتنا منخفضة (أم 15: 1). يجب أن لا نتكلم إلا بما كان " صالحا للبنيان "
4. كن فعل وليس رد فعل
(أف 4 : 31 - 32). إن أول رد فعل لنا غالباً ما يكون مخطيء (الآية 31).
إستخدم تفكيرك في طريقة استجابة ترضي الرب (الآية 32) ونذكر أنفسنا كيف يمكن أن تستخدم طاقة الغضب لحل المشاكل وليس لخلق مشاكل أكبر منها.
وأخيراً، علينا أن نعمل على الحل من جانبنا في المشكلة (أعمال 12: 18). لا يمكننا أن نتحكم في تصرفات الآخرين ولكننا يمكن أن نقوم بالتغييرات المطلوبة في حياتنا.
إن التغلب على سرعة الغضب لا يتم بين ليلة وضحاها. ولكن من خلال الصلاة، ودراسة كلمة الله، والإتكال على الروح القدس وبذلك يمكننا أن نتغلب على الغضب.
دعونا نصلي ونسمح للروح القدس أن يسيطر على حياتنا ومشاعرنا حتى نكون مشابهين صورة الرب يسوع المسيح في البر والمحبة والوداعة