تلاميذ متميزون
4/7/2025 12:00:00 AM
في بداية كل عام دراسي أقف باندهاش أمام هذا الجزء الكتابيّ (أف 4: 17-31) الذي يضعنا مع منظومة تعليمية مختلفة ومتميزة، وإن كان التعليم الرسمي النظامي يقف عند مرحلة معينة فالتعليم هنا يشمل مراحل العمر كله. والعبارة التي نقف عندها في هذا الجزء هي: "وَأَمَّا أَنْتُمْ" (أف 4: 20) وهي تعبر عن تلاميذ متميزين، وهي تفصل ما قبل بما بعد في ضوء الهدف من رسالة أفسس ففي الإصحاح الأول يتكلم عن عمل الله، في الإصحاح الثاني يتحدث عن عمل المسيح، وفي الإصحاح الرابع يتحدث عن عمل الروح القدس، ثم يتكلم عن الفرق بين الذي يحدثه المسيح في حياة المؤمن.
فيصف حياة الأمم التي يحذرهم أن لا يسلكوا مثلهم بالقول: فَأَقُولُ هذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ: أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ. اَلَّذِينَإِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّأَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ. (أفس 4: 17-18). الذهن باطل، والفكر مظلم، والقلب غليظ، فاسدون أخلاقيًا. العقل والمشاعر الفكر والسلوك مظلم وملوث.
يضع الرسول بولس منهج ومنظومة متكاملة للتغير كما وصفها د. ق. إبراهيم سعيد في شرحه لأفسس، حول شخص المسيح، الذي هو الدرس، والأستاذ، والمدرسة، والمنهج، والرسالة، وما ينبغي عمله.
أولاً: يسوع المسيح الدرس، "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هكَذَا" (أف 4: 20).
ثانيًا: يسوع المسيح الأستاذ، "إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ" (أف 4: 21أ).
ثالثًا: يسوع المسيح المدرسة، "وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ" (أف 4: 21ب).
رابعًا: المنهاج المقرر، "كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ" (أف 4: 21ب).
خامسًا: هدف ورسالة التعليم، "أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ." (أف 4: 22-24). إن تجديد الإنسان من خلال خلع الفاسد ولبس الإنسان الجديد هي أساس خدمتنا وكرازتنا بل هي لب رسالة الإنجيل وهي عملية اختبارية تنتج عنها ثمار وسلوك وحياة.
سادسًا: ما ينبغي فعله، يجملها الرسول بولس فيما يلي:
1- الصدق في مقابل الكذب: "لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ" (أف 4: 25).
2- المشاعر مع العقل ومقاومة الشر: اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ، وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا." (أف 4: 26-27).
3- الاجتهاد والعمل والعطاء في مقابل السرقة: لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ." (أف 4: 28).
4- الحرص في الكلام: "لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ." (أف 4: 29).
5- لا نحزن روح الله: "وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ." (أف 4: 30).
6- اختفاء الأمراض الاجتماعية: "لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ." (أف 4: 31).
7- قيمة الغفران: "وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ." (أف 4: 32). نغفر كما غفر لنا المسيح.
طوبى لكل من يتعلم ويتغير من خلال هذه العملية التعليمية المتميزة التي يكون المسيح مركزها ومحورها فتعلمه كدرس، ونستمع إليه كأعظم معلم، ونتعلم فيه كمدرسة، ونحفظه منهجه الحق ضد كل زيف، ونتعلم رسالته في التغيير بتجديد الذهن، ثم يتحدانا السلوك العملي في التغيير بما أشار إليه الرسول بولس وعلى قمة هذا السلوك يتربع الغفران كقيمة روحية وأخلاقية، بذلك نكون تلاميذ متميزون في مدرسة المسيح.