روب المحاماة ووشاح القضاء
5/19/2025 12:00:00 AM
وقف المتهم خلف القضبان الحديدة في قاعة المحكمة، ونظرات عينية زائغة وهو يتابع بتلهف؛ كلمات وتصرفات المحامي عنه، ثم يعود ويحدق في وجه القاضي ليرى انفعالاته. وهو يأمل بان يوفق المحامي في كلماته، وأن يستخدم القاضي الرأفة معه. هذه صورة معتادة في المحاكم.
ولكن كيف يكون حال المتهم إذا نظر ووجد المحامي عنه يجلس على منصة القضاء، ماذا سيقول وكيف يتصرف حينئذ؟!
هذه الصورة هي الحقيقة بعينها معي ومعك، والرب يسوع المسيح. الذي يرتدي الآن روب المحاماة، لكن سيمضي الوقت. ونجد أنه هو بنفسه جلس متشحًا بوشاح القضاء ليدين (الجميع) الاحياء والاموات. ماذا نقول؟!
نقرأ في بشارة يوحنا قصة المرأة التي اُمسكت في ذات الفعل (يو8: 1-11). فأنها اصدق تعبير عن هذه الصورة البليغة في معناها ومضمونها. فيسوع هو المحامي لها، ولكنة هو أيضًا القاضي بعدم معاقبتها الآن. نعم فيسوع لبس: -
اولاً: روب المحاماة: (فالرب يسوع يحامي بما له من مؤهلات)
1- فأنه حافظ الشريعة ومطبقها. منطق الحياة المعاش لا يزاول مهنة المحاماة إلا الذي درس القانون بكلية الحقوق. وقد حفظ مواد القانون وتدرب على المرافعة، وتقديم الدفوع عن المتهم. وهذا ما تمكن منه يسوع المسيح. إذ نقرأ: "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي"(مز40: 8)، وأيضًا "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ."(مت 5: 19،17).
2- هو المحامي الوحيد. نعم. هو المحامي الوحيد عن الجنس البشري. فقد صرخ أيوب قديمًا في مرارة إذ قال: "لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا"(أي 9: 33)، لكن الرسول بولس وجد هذا المصالح. فيعلن بفرح عظيم إذ يقول: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ،"(1تي 2: 5)، وأيضًا يقول كاتب رسالة العبرانيين: "وَلأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ ¬ إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ ¬ يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ."(عب 9: 15).
3- يعرف المتهم جيداً. لأنه عاش الحياة البشرية بتجاربها وحروبها كما نحن، دون أن يرتكب خطية. "لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ"(عب 4: 15)، وهو أيضًا يقدر أن يعين ويرفع الإنسان المجرب "لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ"(عب 2: 18).
4- يسدد عن المتهم. فهو فيه الكفاية لسد مطالب العدالة الإلهية. فهو يحمل عن (الإنسان) المتهم حمل خطاياه. لذا أعلن يوحنا المعمدان بالروح القدس: "...، فَقَالَ: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!"(يو1: 29)، وهذا ما أكده المختبر لخلاص الرب الرسول بولس:" إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، "(كو2: 14)، ذلك لتميم النبوة: "لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا."(اش 53: 4).
ثانياً: وشاح القضاء: (فالرب يسوع هو القاضي بما له من سلطان)
1- سلطانه على المغفرة. فهو فقط من يستطيع مغفرة الخطايا. فكانت كلماته للمعترضين علية ليس قول ولكن تأكيد بالعمل:" وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا". حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: "قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!"(مت 9: 6)، وهذا ما أعلنه الرسول يوحنا بقوله: "...، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ."(1يو 1: 7).
2- سلطانه على الحياة. لا توجد حياة بعيدًا عن الرب يسوع الذي قال: "وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ"(يو10: 10)، ويؤكد ذلك لمرثا بالقول: "قَالَ لَهَا يَسُوعُ: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا،"(يو11: 25).
3- سلطانه على الموت. فمعطي الحياة له سلطان أيضًا على الموت " لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا."(يو10: 17-18)، وكان ذلك واضح في إقامة أبنة يايرس، وأبن أرملة نايين، وإقامة لعازر بعد أربعة أيام. لتميم النبوة: " مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ الْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ. أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟"(هو 13: 14).
4- سلطانه للدينونة. مَن يستطيع أن يحي ويميت لابد أنه يمتلك الدينونة أيضًا. لذلك يقول الرب يسوع هذه الكلمات: "لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ"(يو5: 22)، ونقرأ ايضًا كلمات تلاميذ الرب: "وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ الْمُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ"(أع 10: 42). وهكذا يقول الرسول بولس لأبنه في الإيمان تيموثاوس: "أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذًا أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ"(2تي4: 1). ويشترك الرسول بطرس فيقول: "الَّذِينَ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا لِلَّذِي هُوَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ"(1بط4: 5).
القارئ الكريم أنا وأنت الآن في عهد النعمة في زمن (المحاماة). لكن قريبًا تنتهي رحلة الغربة ونجد نفوسنا أمام منصة (القضاء) في مواجهة المحامي؛ وصار (الديان) القاضي العادل. فهل ننتهز الفرصة ونحتمي في ظل محامي نفوسنا بالاعتراف له بزلاتنا وضعفاتنا، وهو قادر أن يعيننا وينصرنا لنحيا لمجده. فهو ["يُحَامِي فَيُنْقِذُ. يَعْفُو فَيُنَجِّي"(إش31: 5)] هللويا. أمين