آراء و أقلام إنجيلية

المسيح في الوَسْط: الضرورة والنتيجة

  • بقلم: ق. عيد صلاح

يُسَجِّل الوحي عن شخص المسيح هذه المواقف حسب ما كتب البشير متى: "لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطهِمْ." (متى 18: 20). ويُسَجِّل البشير يوحنا: "حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْط." (يوحنا 19: 18). وكذلك: "وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْط، وَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ!" (يوحنا 20: 19). ويكتب يوحنا أيضًا: "وَفِي وَسْط السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ." (رؤيا 1: 13). ومن الملاحظ هنا أن المشترك بين الأربع أيات هو شخص المسيح ثم كلمة الوَسْط. عبارة يسوع في الوَسْط عبارة مختصرة ولكن عميقة في معناها ومخزاها، وهذه العبارة تعبر عن الضرورة التي لا غنى عنها والنتيجة التي نحصل عليها من خلال هذا.
ويجب في البداية التفريق بين كلمتي: وَسْط، ووَسْط. الوَسْط (بفتح السين) هو الموضع الذي يقسم الشيء نصفَين، فنقول: وَسْط المدينة-خَطّ وَسْط الملعب، إلخ الوَسْط (بسكون السين) ظرف مكان يشير إلى ما يقع داخل حدود الشيء وبين أطرافه، نقول: اللاعبون وَسْط الملعب، السيارات وَسْط المدينة. وتقول الترنيمة:
الله وَسْط شعبه ومعين الكنيسة
يفرحها من فيضه بركات نفيسة
أربعة مواقف ورد فيها يسوع في الوَسْط:
1- يسوع وَسْط المتعبدين (متى 18: 20)
2- يسوع وَسْط المتألمين (يوحنا 19: 18)
3- يسوع وَسْط التلاميذ (يوحنا 20: 19)
4- يسوع وَسْط الكنيسة (رؤيا 1: 13)
أولاً: يسوع وَسْط المتعبدين (متى 18: 20)
على خلاف مع هو شائع، الإبهار بالعدد الكبير والحشد الكبير والتجمعات الكبيرة يأتي يسوع في وَسْط أثنين أو ثلاثة، يعرض البشير متى لمشكلة ما حسب ما ورد في متى 18 وأثناء حل هذه المشكلة المسيح في الوَسْط، في متى 16 الكنيسة تعلن عمن هو المسيح فتهتم بالتعليم الصحيح وتنقله جيلا بعد الآخر، وفي متى 18 الكنيسة تقوم بدور المصالحة في المشكلات الموجودة، وفي كل هذا المسيح وَسْط الكنيسة، فيحل المشكلات في العبادة لله، مع العدد الصغير اثنان أو ثلاثة. "لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطهِمْ." (متى 18: 20).
العبادة هي اجتماع باسم المسيح، يكون المسيح هو الهدف، يحضر وَسْط الأقلية العددية ويحضر مع الأكثرية العددية، يعمل مع العدد القليل مثل: إبراهيم، يوسف، بولس الفتية الثلاثة كل هؤلاء أقليات عمل الله معهم وفيهم ومن خلالهم فاثروا في أجيال كثيرة. الله من خلال العبادة يعطي العزيمة والقوة ويشدد عزيمتنا وقوانا، نأتي ضعفاء ونذهب أقوياء، نأتي خطاه ونذهب أبرياء، نأتي في يأس ونذهب في رجاء، نأتي في حزن ونذهب في فرح. العبادة هي اللقاء الحميم مع الله والرب يسوع المسيح هو مصدر كل سعادة وفرح.
ثانيًا: يسوع وَسْط المتألمين (يوحنا 19: 18)
لبس المسيح الطبيعة البشرية وتشارك معنا في اللحم والدمم، اجتاز كل الظروف المؤلمة والقاسية في الحياة التي نجتاز فيها كبشر، يقول يوحنا في لحظة قاسية: "حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْط." (يوحنا 19: 18). المسيح وَسْط اللصين على الصليب يعاني معهم ولأجلهم يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ." (عبرانيين 2: 18).
على الصليب نرى من رفض الألم: "وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلًا: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!»" (لوقا 23: 39). ومن قبل الألم أذكرني: "فَأجَابَ الآخَرُ وَانْتَهَرَهُ قَائِلًا: أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ اللهَ، إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْل، لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ: اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ." (لوقا 23: 40-41). هذا اللص قد استمع ليسوع: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ." (لوقا 23: 43).
يقول الرسول بطرس: "فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ،" (1 بطرس 3: 18). في وَسْط الألم المسيح معنا، يشعر بآلامنا، ومن خلال الألم ندرك أن الله معنا، وندرك صلاحه المستمر وندخل مع بولس في هذا الاختبار: "لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ." (فيلبي 3: 10).
ثالثًا: يسوع وَسْط التلاميذ (يوحنا 20: 19)
يرصد البشير يوحنا حال التلاميذ حيث كانوا منعزلين خائفين وغلقوا الأبواب على أنفسهم: وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْط، وَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ!" (يوحنا 20: 19). يسوع في وَسْط التلاميذ الخائفين يمنحهم سلام. "وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ." (يوحنا 20: 20).
أعظم تركة تركها المسيح هي تركة السلام: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ." (يوحنا 14: 27). وقد عن الملائكة بمجيئه قائلين: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ." (لوقا 2: 14). وثمر الروح هو: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ" (غلاطية 5: 22). المسيح وَسْط التلاميذ يمنح السلام والطمأنينة في وقت الخوف والاضطراب.
رابعًا: يسوع وَسْط الكنيسة (رؤيا 1: 13)
يصور البشير يوحنا هذا المشهد العظيم حيث يقول: "وَفِي وَسْط السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ." (رؤيا 1: 13). المناير السبعة هي الكنيسة عبر التاريخ، الذي يعطي قيمة للكنيسة هو أن يكون المسيح في وَسْطها، فعلى الإيمان بيسوع المسيح تبنى الكنيسة: "فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا." (متى 16: 16-18).
المسيح رأس الكنيسة "لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ." (أفسس 5: 23). المسيح وَسْط الكنيسة، وهو أساسها، ورأسها. واليقين هو أنَّ: اللهُ فِي وَسْطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا اللهُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ." (مزمور 46: 5).
المسيح وَسْط المتعبدين يعطي عزيمة وقوة، وَسْط المتألمين يعطي عزاءًا وتشجيعًا، ووَسْط التلاميذ يعطيهم فرح وسلام، ووَسْط الكنيسة لكي تكمل رسالة، وجود المسيح ضرورة لا غنى عنها في كل أمور حياتنا.