آراء و أقلام إنجيلية

الإنسانية… ثمرة الإيمان الحقيقي

  • بقلم: د. ناديه هنري

في عالمٍ يضج بالشعارات الدينية، نكتشف مرارًا أن ما ينقصنا ليس الإيمان، بل العيش بهذا الإيمان. نحن لا نعاني نقصًا في العقائد، بل نقصًا في تجسيدها. فالإنسان (الصفة لا النوع) لا يُقاس بما يعرفه عن الله، بل بما يعكسه من الله في حياته اليومية، في تعامله مع الطفل، والمريض، والمُسنّ.
قال المسيح: «بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ» (متى 25: 40). هذه ليست جملة وعظية، بل مفتاح جوهري لفهم روح الإنجيل: الرحمة فوق الطقوس، والمحبة قبل المعرفة، والإنسان قبل كل شيء.
1. الطفل… حيث تبدأ الحياة وتنكشف القلوب
الطفل في نظر المسيح لم يكن ضعيفًا يجب التحكم به، بل معلمًا صامتًا عن الاتكال والثقة والبساطة.
قال: «إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ، فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متى 18: 3).
فالسؤال للمؤمن هنا:
- هل تستطيع أن تنزل عن برج النضج الزائف لتصغي لبراءة الطفل؟
- هل ترى في عشوائيته فرصة للتشكيل، لا تهديدًا لنظامك؟
- هل تعامله كما كان المسيح يفعل… واضعًا إياه في الوسط، لا على الهامش؟
2. المريض… حين يتكلم الجسد باسم الروح
المريض يكشف هشاشتنا، ويضع كل ادعاءاتنا بالقوة والثبات أمام اختبار عملي. المسيح لم يكتفِ بشفاء المرضى، بل كان يقترب منهم، يلمسهم، يُعزّيهم. كان يراهم، لا كأجساد مريضة، بل كأرواح في حاجة للحنان.
- هل نستطيع نحن، كمؤمنين، أن نلمس آلام الآخرين برفقٍ دون تعالٍ؟
- أن نكون معينين حقيقيين، لا مجرّد زائرين بنصف اهتمام؟
- هل نجرؤ أن نعكس حضور المسيح في غرف الألم لا بكلمات بل بمشاركة الصليب؟
3. المُسن… حيث الحكمة تهمس والعزلة تصرخ
من يحترم الشيخوخة لا يشفق، بل يعي أن الغبار على الجسد لا يطمس نور التجربة في الروح.
قال الرب: «أَمَّا الشَّيْخُ فَفِي الشُّيُوخِ حِكْمَةٌ، وَطُولُ الأَيَّامِ فَهْمٌ» (أيوب 12: 12).
إن كنا نؤمن فعلًا بذلك، فلماذا نعامل المُسنين كعبء؟ لماذا نصمت حين يكرّرون حكاياتهم بدلًا من أن نسأل:
- ما الرسالة التي لم نفهمها بعد؟
- هل فينا ما يكفي من الإيمان لنصغي بتواضع؟
- أن نجلس عند أقدام الشيخوخة لا لنُرشد، بل لنتعلّم؟
- أن نمنح حضورنا الكامل لمن لم يعد يسمع صوته أحد؟
الإيمان الذي لا يُمارَس، هو إعلان كاذب
عشنا الإيمان زمنًا كقائمة ممنوعات أو شعائر لا تلمس الحياة. فصلناه عن الإنسان، ففقدنا كلًا من الإيمان والإنسانية.
المسيح لم يؤسس ديانة بل حياة.

قال: «بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حب بعضكم لبعض» (يوحنا 13: 35).
فأين نحن من هذا الحب؟
هل يحب “المؤمن” الطفل، والمريض، والمُسن؟ أم يفضل الراحة، والمكانة، والانتقاء في العطاء؟
دعوة للتوبة العملية
دعونا لا نكتفي بالصلاة، بل نُصلي بقلوبٍ مستعدة لتُجيب هي نفسها عن صلواتها.
دعونا نمارس الإيمان كما عاشه المسيح:
بأن نضم الطفل لا أن نسكته،
وأن نحمل ضعف المريض لا أن نتهرّب منه،
وأن نوقر الشيخوخة لا أن نختصرها في صمتٍ ثقيل.
الإنسانية ليست شعارًا… بل ثمرةٌ من ثمار الروح.
- فهل نعيش ما نؤمن به؟
- أم نكتفي بأن نؤمن بشيء لا يُرى في سلوكنا؟