آراء و أقلام إنجيلية

لماذا المرض ؟

  • بقلم: أ. مارسيل فؤاد

فسر الفلاسفة الألم بكونه شيء حتمي في مسيرة الإنسان فيرى نيتشه "أن الألم خلاق" وأنه يجعلنا أكثر وعياً بوجودنا وفرصة للتدريب على مواجهة الصعوبات وأيضا نظرية معرفة الشيء بنقيضة فمثلاً لا نستطيع تقدير الصحة إلا من خلال تجربة المرض.
ومن الملاحظة العابرة للتاريخ كان الألم فرصة لرقى الإنسان وتطوره وخروجه من ذاته وشعوره بالأخر، ويقول أحدهم "أن واحدة من المزايا العظيمة للمعاناة الشخصية هي أنها تجعل المتألم أكثر تعاطفًا مع الآخرين الذين يعانون حتى أولئك القساة والصارمين تجاه المتألمين سيجدون أنفسهم غالبًا أكثر استعدادًا لإعطاء التَّشْديد والتَّعْزِيَة تجاه الآخرين ممن يعانون من حزن مماثل (٢ كو ١: ٣-٤).
ولكن للأسف حتى الأن هناك من يعتقد أن المرض دليل على شر الشخص الذي يعاني منه، فتلاميذ المسيح كانوا يعتقدون في ذلك ايضاً فعندما سألوا المسيح عن المولود أعمى في (يو9 :3) «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟». كان لديهم هذا اللاهوت الذي يفتقر للرحمة ويتبنى الأدانة وكان السؤال المنطقي، متى أخطأ هذا الشخص فقد ولد أعمى؟! فهل كانوا يعتقدون بتناسخ الأرواح أم توارث الأبناء لنتائج أخطاء والديهم كما ذكر في (خر20: 5) "أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع من مبغضيه" وبالرغم من إجابة الرب القاطعة في عدد3" «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ" إلا أن البعض قد يكونوا معزين متعبين في المرض كما وصفهم أيوب في (أي ۱٦: ۲) «قَدْ سَمِعْتُ كَثِيرًا مِثْلَ هذَا. مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ!" وفى (أي 13: 4) وصفهم " أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ.". وحقا لا يملكون غير لسان ثرثار وسطحية مخزية فكم الحماقات التي ترتكب في حق المتألمين وتسحقهم من هؤلاء مرعبة فلا يملكون غير طريقتان فأما يقدمون وعود كاذبة وبعيده عن الأمانة الكتابية او إدانة باطلة بعدم الإيمان نتيجة عدم الشفاء وكلاهما غير استخفاف بالألم نتيجة ثقة تنبع من الجهل فليس من حق أحد أن يتحدث في حضرة الألم إلا بعد فهم الفكر الكتابي فالمتألم يحتاج للأنفاذ والتعاطف وليس فرصة لأستعراض مهارات الوعظ.
فبرغم من أن أصحاب أيوب كان وعظهم لاهوتياً سليم ولكن أخطائهم كانت أخلاقية فكلمة "حماقتكم" في (اي42 :8) تعنى الفجور وافعال الخزي والعار فكانوا يعظون أيوب البريء وهم الخطأة.
اولاً: - كل البشر تعاني بأشكال مختلفة
(رو8 :22)" فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ." وفى الغالب الذين يعانون يكونوا ضحية الفاسدين والظالمين والتافهين والغير مسؤولين.
المرض هو تحدى الإنسان للشيطان بأننا نتمسك بالله، ليس بسبب ما يعطيه، بل لأجل الله نفسه وهذا ما فعله أيوب إذ بقي متمسكا بالله بالرغم من ألمه فهو على يقين أنه لا يستحق هذا.
ثانياّ: - التعاطف قبل التعزية
إن الرب يسوع لم يكن يشفي مريضاً إلا بعد أن يشعر أولاً بكل ثقل آلامه "هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا" (متى 17:8) كان الرب يتعاطف ويتحنن وكانت له أحشاء الرحمة وهذا للأسف ما نفتقره.
ثالثاً: - الله لا يجربنا بالشر
(يع1 :13)" لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا." هناك قوانين طبيعية وهناك حرية إرادة للإنسان فبعد اكتشاف العلم ل "DNA" والأمراض الوراثية
كلها تكون من ضمن أسباب المرض، ولأن الفكر المسيحي فكر إلهي عميق ينظر لتجربة المرض ليس عقاب من الله أو لشر من يعاني من هذا المرض كالمعتقدات البدائية للإنسان بل هو فرصة لنرى ما لا يرى فقد يختبر المرضى نوع من الحميمية والرعاية والنضج والتشكيل لا يختبرها الاصحاء. فكثيراً يكون كلام المعزين نوع من الكلام الفارغ وقد يصل لمرحلة متدنية من الأخلاق وهي الشماتة وهذا ما شعر به أيوب وكثيراً ما نشعر به من بعض الأشخاص في أثناء تجربتنا فقال أيوب لهم أنا أستطيع أن أتكلم مثلكم لو كانت أنفسكم مكان نفسي وأن أسرد عليكم أقوالاً.
لذلك وبخهم أيوب ووصفهم بالبؤساء فكانوا أصدقاء مزيفين وفاشلين في مساعدته اثناء محنته
حقا هناك علامات استفهام حول أصابه النافعين بمرض يكون سبباً في رقاده فمرض المؤمن يفوح منه طيب الصبر وحكمة التعلم والمجازاة العظيمة بإكليل حياة (يع1 :12) اعتقادي الشخصي أن المرض كان ومازال فرصة لنضج الإنسانية وتطور العلم وخروج الإنسان من انانيته وطفولته فهو يشبه مرحلة فطام الطفل هذا الإحساس أروع الاحاسيس التي تشعر بها الأم وهي أن طفلها يكتشف المشاكل ويقوم بحلها، فأمومة الله لنا تعلمنا الأعتماد على النفس ليخرج ما بداخلنا من طاقات وعظائم خلقته فينا والتي نجهلها بالحياة السهلة.
فهناك ابطال كثيرة في الكتاب المقدس جازوا في المرض "إليشع-أيوب-بولس- داود "وغيرهم
فداود مرض وتمنى أعدائه موته ولكن الرب حول فراش المرض ليكون مريحاً (مز41: 3) "الرَّبُّ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الضُّعْفِ. مَهَّدْتَ مَضْجَعَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ."
رسالتي لكل مريض...
- هذا الوقت هو وقت التمتع بمحبة ورعاية الرب لك بشكل خاص جدا مثل طفل وحيد لوالديه.
- هذا وقت الهدوء من صخب الحياة وتهيئة الأذن لسماع صوت الله وحده.
- هذا وقت التشكيل والتنقية والعمق والأختبارات الروحية وايضاً الراحة والتمتع بالأسرة.
- هذا وقت خريف العلاقات المزيفة والتمتع بمحبة ورعاية المؤمنين الحقيقين والعلاقات المثمرة.
- وقد يكون وقت الأعداد لمواجهة الموت وتسوية الأمور الأرضية بكل شجاعة ورضى وبالرغم
من صعوبة الحقيقة لكن نحن نعرف أنها فرصه تمناها كل من فقدو الأحباء على غفلة بدون مقدمات
لك عزيزى المتألم أنتظر التعويضات والمكافئات «الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بط1: 6،7)