بيت مخلوع النعل
7/7/2025 12:00:00 AM
في سفر التثنية الإصحاح الخامس والعشرين، نجد واحدة من أكثر الوصايا إثارة للتأمل والدهشة، والتي قد تبدو غريبة عن مفاهيمنا المعاصرة لكنها تحمل في عمقها رسالة خالدة عن المسؤولية، والرحمة، والوفاء العائلي والروحي:
"إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، فَلاَ تَصِرِ امْرَأَةُ الْمَيْتِ إِلَى خَارِجٍ لِرَجُل أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، وَيَقُومُ لَهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ.
وَالْبِكْرُ الَّذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ الْمَيْتِ، لِئَلاَّ يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيلَ. "وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ امْرَأَةَ أَخِيهِ، تَصْعَدُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَى الْبَابِ إِلَى الشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ اسْمًا فِي إِسْرَائِيلَ. لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلَّمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَالَ: لاَ أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا. تَتَقَدَّمُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَيْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّيُوخِ، وَتَخْلَعُ نَعْلَهُ مِنْ رِجْلِهِ، وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ، وَتُصَرحُ وَتَقُولُ: هكَذَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. فَيُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ "بَيْتَ مَخْلُوعِ النَّعْلِ".
هذه الشريعة، المعروفة باسم "شريعة الزواج الأخوي" كانت تهدف إلى تحقيق أكثر من غرض عملي:
حماية الأرملة من التهميش والفقر.
ضمان استمرار اسم الزوج الميت ونسله داخل شعب الله.
ترسيخ مبدأ أن العائلة ليست فردية، بل جماعية ومسؤولة عن أعضائها.
بين القديم والجديد: هل انتهى دور هذه الشريعة؟
قد يتساءل القارئ: ما فائدة نص كهذا في القرن الحادي والعشرين؟ أليست هذه وصايا عتيقة لا تنتمي لعصرنا؟
في الواقع، وبينما لم تعد هذه الشريعة تُطبق حرفيًا في أغلب الثقافات، إلا أن روحها ما زالت تنبض في ضمير الإنسانية والمسيحية الناضجة. فالله لا يهتم فقط بالشريعة، بل بما ترمز إليه.
المعاني العميقة وراء الوصية:
1. المسؤولية الجماعية لا الفردية
في زمن تتعالى فيه نداءات الاستقلال الفردي، تأتي هذه الشريعة لتذكرنا أن العائلة والمجتمع المسيحي مسؤولية مشتركة. فحين يفقد أحدنا سندًا أو دعمًا، يجب أن يسند الآخرون البيت الذي كاد أن ينهار.
2. إكرام اسم الأخ
الله في العهد القديم والحديث يهتم بالاسم، بالهوية، بالوجود. لم يُرد أن يُمحى اسم أحد من شعبه. هذه دعوة لكل مؤمن أن لا يسمح بسقوط أخيه، لا روحيًا ولا نفسيًا ولا ماديًا.
3. رفض بناء بيت الأخ = خلع النعل والعار
من يرفض أن يتحمل مسؤوليته الأخوية، يُخلع نعله ويبصق في وجهه، ويُدعى اسمه "بيت مخلوع النعل". صورة شديدة، نعم، لكنها تعكس كيف يرى الله التنصل من الواجبات الأخلاقية على أنه عار لا مجرّد خيار.
يسوع المسيح: القريب الذي لم يرفض الأرملة
أروع ما في هذا النص أنه يُهيئنا لفهم دور المسيح:
نحن الأرملة: البشرية التي فقدت رجاءها، وأصبحت بلا ميراث ولا اسم.
هو القريب: الذي لم يرفض أن يفتدينا، بل نزل من مجده، واتحد بطبيعتنا، ليعطينا اسمًا وميراثًا أبديًا.
مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِي يَأْخُذُ".
دعوة اليوم: هل تبني بيت أخيك؟
من هو أخوك الذي سقط؟ من هي الأرملة التي بلا سند في محيطك؟
هل تعرف أيتامًا بلا غطاء؟ أشخاصًا فقدوا شريك الحياة؟ شبابًا انهارت حياتهم الروحية؟
الشريعة تقول لك اليوم:
لاتهرب من يشاء بيت أخيك وإلا فاسمك سيدعى بيت مخلوع النعل اى بيت العار والخزى الاجتماعى والروحى .
إن كنت خادمًا، اسأل نفسك: من حولي يحتاج حضوري الروحي والإنساني؟
إن كنت رب أسرة، درّب أولادك على التضامن العائلي.
إن كنت عضوًا في كنيسة، لا تكن متفرجًا… بل بانيًا لبيوت إخوتك.
يسوع المسيح انخلع من المجد الاسنى حتى يقيم بناء بيتنا الإنسانى المنهدم .
في حين رفض البعض في القديم أن يقيموا اسم أخيهم، قام يسوع وعمل ما لم يرد الآخرون أن يعملوه.
فلنحيا نحن لا وفق حرف الشريعة، بل في روحها المقدسة.
نَبني لا نَهدِم ........ نُقيم لا نُسقِط
نَرفع لا نُخفِض ....... نُشجِّع لا نُعثِر
نُبارِك لا نَلعَن ......... نُحِب لا نَكرَه
نَغفِر لا نَحقد .......... نُصلِّي لا نَدين
نُعطي لا نَمنَع .......... نَحمِل لا نُسقِط
نَسند لا نَفضَح .......... نُداوي لا نَجرَح
نُضيء لا نُطفِئ .......... نُحيي لا نُميت
نُصلِح لا نُفسِد ........... نَزرَع رجاء لا يأس
نَتكلم بالحق لا بالنميمة .....نَخدم بتواضع لا نتحكم بكبرياء
نَصبر لا نَنتقِم ............نُفتّش عن الضال لا نَحتقِره
نَحتَضِن الضعيف لا نُقصيه .........نَشهَد للنعمة لا للدينونة.
وهكذا نكون أبناء لله متمثلين بيسوع المسيح .