الكنيسة في المجتمع
9/1/2025 12:00:00 AM
"حين تصمت الكنيسة… تصرخ الأرض!"
في ظل عالم يموج بالإضطرابات، تتغيّر المبادئ وتتبدّل معه الفصول، بل وأحيانا تعلو الأصوات الزائفة، وتُغيب معه الحقيقة تحت ستار الترفيه والماديات والتشريعات الموجَّه، وفي خضم هذا المشهد المعقَّد ينبثق معه سؤال ملحٌّ كالنار يتمثل في أين الكنيسة من كل هذا وهو سؤال يبدو مشروعا وإن كان قاسيا لأن الكنيسة موجودة في المجتمع ولايمكن أبدا أن نتغافل دورها ولكن يظل السؤال لمن فقدوا أحيانا بصيرة الرؤية ويتساءلون فيما بينهم عن أمر هو موجودا لكنهم لا يرونه وهو أين صوت النبوة؟، بل وأين نور الحق؟ وهو صوت إستنكاري في حقيقة الأمر لأنه السائل لو ركز مليا في الأمر سوف يجد كل ذلك صارخا ويستمر في الأسئلة والتي ربما لا تنتهي عندما يكون الإنسان فاقدا للبوصلة الإيمانية قائلا متواصلا متسائلا أين الذراع التي تحتضن ؟ ، واليد التي تصرخ، والقدم التي تسعى خلف المكسور؟*
على أنه في وقت يُنتَزع فيه صوت الضمير الأخلاقي ، وتُخدَّر الشعوب بدينٍ منزوع القوة، يبقى غياب الكنيسة كشعب وخداما فيه قصورا روحيا قد يكون له نتائج إجتماعية غير مقبولة وغير مشجعة
وتبقي ٱلْكَنِيسَةُ هِيَ عَمُودُ ٱلْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ» (١ تيموثاوس ٣: ١٥)
أي أنها "دعامة لا تهتز، وقاعدة لا تميل"، في وسط مجتمع قد يكون مضطربا.
لأن الكنيسة هي موجودة في قلب المجتمع وليست على هامشه
وعندما نتحدث عن "الكنيسة في المجتمع"، لا نقصد وجودًا رمزيًا شكليًا أو ديكوريًا،بل دورًا فعّالًا يلامس، يوجّه، يُصلح، ويُقاوم.
رأس الكنيسة هو الرب يسوع لم يكن نبيًا في الهيكل فقط، بل جال في الأسواق، ودخل بيوت الخطاة، وشفى في الحقول.
وناقش الفريسيين بشكل معلن، بالإضافة إلى أنه رفع صوت الحق في وجه السلطة الدينية والمدنية.
فالكنيسة لا يقتصر دورها فقط في الجنازات والمناسبات الرسمية وإن كان ذلك أمرا مطلوبا منها، بل تكون وتظل هي ضمير المجتمع، وصوتا للعدالة.
وملاذًا للضعفاء.
ففي الكنيسة الأولى
لم يكن "الإجتماع" هو الجوهر، بل "الإرسال أيضا ويظهر ذلك جليا في ٱيات الكتاب المقدس عندما يقول " وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ». (أعمال الرسل ١٣: ٢)
أي أن الكنيسة هي "محطة إنطلاق" وليست مجرد "محطة انتظار"، وحين تفقد الكنيسة صوتها… تتكلم الأرض بالحجارة
ويتضح ذلك من قول الرب يسوع «إن سكت هؤلاء، فالحجارة تنطق» (لوقا ١٩: ٤٠)
وحين يتراجع دور الكنيسة عن الشهادة للحق ، يتحول العالم إلى "مذبح للباطل"، وتصبح منصات المجتمع منابر للحيرة ، والتشويش ، والإرتباك الأخلاقي، كأن نرى قوانين تصدر دون مرجعية روحية، على سبيل المثال مما يتجه معه بعض الشباب نحو الإلحاد مثلما نسمع في السنوات الأخيرة عن مثل هذه الأمور بعض ما يسبب ذلك قد يكون غياب صوت التعليم المتزن، وقد يزداد هذا الأمر بين فئات الفقراء الذين لا يجدون من ينادي لهم بعدل أو يُدافع عنهم، أو سيدات مكسورات بلا سند كنسي واضح في مقابل نجد، إعلام يُشكل الذوق العام أكثر من أي عظة.
الأمر الهام هو أن الكنيسة لا تقوم فقط بدور المراقب بل هي من تحدث التغيير الإيجابي في المجتمع، ولا يقتصر أيضا دورها على الجانب الروحي بل هناك مسئولية مجتمعية تقع على عاتق الكنيسة وخدماتها تمتد إلى الشارع وتشكيل البشر نحو الأفضل بما يتماشى مع الحق الإنجيلي الذي يقول " مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ (يعقوب ٢: ١٤)
ومتى هنري هو أحد المفسرين للكتاب المقدس يرى أن "الإيمان الحقيقي يُولد أعمالًا عملية تمسّ الجائع والعريان، لا تبقى في وعظات نظرية."
فالكنيسة الحقيقية تصنع فرقًا في التعليم، وتغيّر نظرة المجتمع للأخلاق بكل تأكيد للأفضل وتواجه الكذب المجتمعي ، لاتُجمله.
وبكل تأكيد فأن الكنيسة ليست بعدد المترددين عليها ولكنها بقوة تأثيرها في المجتمع الذي تعيش فيه فالأمر إذن لا يتعلق بعدد الحضور يوم الأحد، وإن كان أمرا مهما، بل بعدد الممسوحين بالروح الذين يخرجون للتأثير يوم للمجتمع!
قال أحد القادة: "لا تقِس قوة كنيستك بعدد الكراسي الممتلئة، بل بعدد الشوارع المتغيّرة!"
فالكنيسة المؤثرة هي تلك التي:
- تُدرِّب قادتها ليكونوا سفراء في كل ميادين: التعليم، الاقتصاد، الإعلام، والطب.
- وتبني شراكات مع المجتمع المحلي لخدمة المهمَّشين.
- وتدافع عن القيم الكتابية في الحوار العام.
- أيضا هناك مسئولية متبادلة بين الكنيسة والمجتمع
فالمجتمع ليس عدوا للكنيسة، بل هو ساحة لرسالتها. والكنيسة ليست غريبة عن المجتمع، بل كهنوت وسطي يحمل رسالة الله لخلاص الناس، وعودة الناس إلى تعاليم الله التي هي باقية
فالكنيسة ينبغي أن تبقى:
- متمايزة دون أن تنعزل.
- نقية دون أن تنكمش.
- صوتًا نبويًا، لا سياسيًا فقط.
تبقى كلمة أخيرة نحن لسنا في زمن التجميل الكنسي، بل في زمن الاستفاقة.
وإذا لم تستفق الكنيسة اليوم، فقد تستفيق غدًا على مجتمع لم يعد يستمع، ولا يعود يطلب منها صوتًا!
وعلينا أن ندرك حقيقة هامة وهي أنه ليست قوة الكنيسة في مبانيها، بل في صرخة حقها، ودمعة رحمتها، وموقفها من أجل الضعيف.