الوجه الاخر لله (1) - كيف يختبر الأنسان الله
9/8/2025 12:00:00 AM
فالسؤال الوجودي الذي كان يشغلني دائماً، كيف يختبر الأنسان الله لو فقد الأم أو لم يستطيع أن يرى الله كأب بسبب صورة ابوية مشوهة؟!
في علاقتنا مع الله نختبر شخص أستطاع أن يعوضنا عن كل علاقة افتقدنها في حياتنا
- فهو الصديق والأخ " يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ."(أم18 :24)
- وهو الأب والأم لليتامى (مز ٦۸: ٥) "أَبُو الْيَتَامَى"
- فالله هو الاب (مز ۱۰۳: ۱۳) "كَمَا يَتَرَأَّفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَّفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ."
- وهو الأم (إش ٦٦: ۱۳)"كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا،"،
وهذا ما أكده داود (مز 27 :10)"إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَالرَّبُّ يَضُمُّنِي."
لم يترك داود والديه ابداً ولكن الأصعب أن تفتقد علاقة برغم من وجود الشخص المسؤول عنها في حياتك، في هذه الآية تترجم بدقة أكثر كما يلي: “لو أن أبي وأُمي تركاني، لكان الرب ضمني”.
فقد نعانى من ابوة مشوهة ويصعب علينا وصف الله كأب فقد يصل بالبعض أن وصف الله بالأب يعتبر بمثابة أهانه لله وسبب قوى لرفضه ولكن قد يكون منحنا الله أم عظيمة نستطيع أن نرى الله من خلالها بصورة أجمل وأصدق. فالله في كل علاقة رسمته وجسدته كما هو في كلمته.
ولكن في هذا المقال سوف أركز عن وجه الله الأمومي لنا فالإعلان عن الله كونه ليس أب فقط لكنه أُم أيضًا، هز أركان قلبي واستوضح شخصيّة الله بشكل مختلف ومتميز، لأن الأبوة والأمومة معًا يعبران عن صورة الله (تك1: 27).
وتجسيد الله لنا في كلمته كأم يجلنا ندرك خبرة روحية عميقة وشفاء للنفس ومعنى لوجودنا نستطيع أن نستوعبه كوجه لله أكثر وضوحاً لفكرة الميلاد الجديد.
ولكن قبل أنّ تفهموني خطأ أعزائي القُرأ، أريد أن اؤكد على أنّ الله روح وليس له نوع جنس (اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا.) (يو 4 :24)
الله لا يختزل في نوع جنس فهو التكامل بين الابوة والأمومة.
1- الله كأم يحمل بنا
(أش 46: 3)"اِسْمَعُوا لِي يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ وَكُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، الْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ مِنَ الْبَطْنِ، الْمَحْمُولِينَ مِنَ الرَّحِمِ.".
أم تحمل طفلها في بطنها ثم تحمله وهو صغير (أف5: 30) "لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ." يعتني بنا كجسده الخاص فهي علاقة عميقة أكبر من مجرد ملقح القى بذرة بل هو أيضا احتضانها بداخله.
2- الله كأم يلدنا
(تث 32: 18)"الصَّخْرُ الَّذِي وَلَدَكَ تَرَكْتَهُ، وَنَسِيتَ اللهَ الَّذِي أَبْدَأَكَ."
وفى الترجمة اليسوعية " (الصَّخرُ الَّذي وَلَدَكَ أَهمَلتَه، والإِلٰهُ الَّذي وَضَعَكَ نَسيتَه).
ويقول وليم ماكدونالد (ما من شيء أعظم من السرعة التي بها تنسى الأم آلام الشدة بعد ولادة طفلها. وهذا ما يحصل للتلاميذ. فإنّهم سرعان ما سينسون الآلام التي رافقت غياب ربهم عنهم، حالما يرونه مرة أخرى).
فالمسيح حملنا كما تحمل الأم المولود لذلك بعد التقابل معه تكون لنا ولادة ثانية (مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، (1بط 1: 23)"لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ."
والله في الكتاب المقدّس يلد "كلّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ."(١ يو ٥: ۱۸)
والله في الكتاب المقدّس يلد (كلّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ.) (1يو3: 9) فالولادة من الله ليست مجرد ألقاء بذور الحياة داخلنا بل هو حملها وراعها وأهتم بها كما تهتم الأم بتفاصيل نمو أولادها
ثم يُضيف المسيح نفسه شهادته فيكشف عن أنه في حديث خاص مع الآب ووصفة للأب بالأم التي انجبته: «قال لي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك».
"إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ."(مز2: 7).
3- الله كأم يرضعنا
(أش66 :12)"هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَمًا كَنَهْرٍ، وَمَجْدَ الأُمَمِ كَسَيْل جَارِفٍ، فَتَرْضَعُونَ، وَعَلَى الأَيْدِي تُحْمَلُونَ وَعَلَى الرُّكْبَتَيْنِ تُدَلَّلُونَ."
الرضاعة والحمل على الأيادي والتدليل هي كلها تعاملات الأم مع طفلها وهذا ما تؤكده الكلمة في نهاية الآية عندما حاول الوحي تقريب وتوصيل محبة واهتمام الله بنا وصفة بمحبة الأم. فحينما أبتعد عنه أشعر بفراغ داخلي نفس شعورنا عندما تبتعد الأم عنا ونحن رضع.
4- الله كأم تفطمنا
(مز131: 2) "بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ".
الفطيم هو من حُرِمَ من ثدي أمه، فيظل يصرخ ولكنه مع امتناع أمه عن إرضاعه يهدئ نفسه ويقبل الأمر الواقع مكتفيًّا بصدر أمه، ينام عليه في راحة هنا يمثل داود من كان يشتهي الطفولة الروحيّة (لبن أمه) وحرمه الله منها (فطام) فثارت نفسه فيه، وظلّ يجاهد ليستريح، وصبر لله فأعطاه ثقة مطمئنة في الله (الراحة على صدر أمه) عوضًا عن الطفولة نضج ونمو (اشتهاء الرضاعة من صدر أمه).
بل أنّ الله في بعض الأحيان يفعل كما تفعل الأم حينما تريد أن تفطم أبنها فبعض الأمهات يضعن سائل له طعم مر على ثديهن ليكره الأطفال الرضاعة، والله يسمح ببعض الآلام لننضج ونختبر الله بشكل جديد (مز23) "مرحلة المراعي" (الطفولة) "مرحلة الوادي" (الاختبار)
"المائدة "(المكافئات). لنتوقف عن الطفولة الروحيّة ونأكل الطعام القوي (عب5: 14)
5- الله كأم تحامى عنا
(أش42: 14)"قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ الدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَالْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنَخُرُ مَعًا"
الله يشبه صموده أمام العدو ليخلص شعبة مثل الم المرأة عند الولادة
يصف الله صموده أمام العدو لتخليص شعبة كصمود المرأة التي تلد أمام ألم الولادة لأن هذا أصعب ألم، (كالْوَالِدَةِ كأنّه لا يقدر أن يضبط نفسه وربما هذا التشبيه يشير إلى ولادة شعبه بعد السبي لحياة جديدة وعبادة روحيّة وتجديد قلوب المؤمنين في كلّ جيل) بقلم وليم مارش.
"هذا المقال هو الجزء الأول من سلسلة مقالات بعنوان الوجه الأخر لله، سنتناول فيها أبعاد تصوير الله كأم في الكتاب المقدس، وكيف يمكن أن يشكّل هذا التصوير روحانية جديدة، خاصةً للذين يفتقدون خبرة الأمومة في حياتهم أو يجدون صعوبة في رؤية الله كأب."