آراء و أقلام إنجيلية

المحرومون من التناول

  • بقلم: د.ق. نصرالله زكريا

أسس المسيح فريضتين للحياة المسيحيّة هما «المعمودية» و «العشاء الرباني»، وقد مارسهما بنفسه، يذكر الكتاب المقدس أنَّ المسيح اعتمد في نهر الأردن، حيث يقول: «وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يَسُوعُ مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ وَاعْتَمَدَ مِنْ يُوحَنَّا فِي الأُرْدُنِّ. وَلِلْوَقْتِ وَهُوَ صَاعِدٌ مِنَ الْمَاءِ رَأَى السَّمَاوَاتِ قَدِ انْشَقَّتْ وَالرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلاً عَلَيْهِ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ!» (مرقس 1: 9-11).
كما يذكر الكتاب «إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزاً. وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي». كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلاً: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي» (1كورنثوس 11: 23-25). وقد أوصى المسيح تلاميذه بممارسة هاتين الفريضتين قائلاً: «اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (متى 28: 19)؛ وقد كتب الرسول بولس مؤكِدًا على وصية المسيح بأهميّة ممارسة فريضة العشاء الرباني (1كورنثوس 11: 23-30).
وينص دستور الكنيسة الإنجيليَّة في المادة (03)، على الإيمان بهاتين الفريضتين، إذ يقول: «نؤمن بأن المعمودية والعشاء الرباني فريضتان رتبهما المسيح ولهما قانونية والتزام دائمان. وإنَّهما علامتا العهد الجديد، وختماه، ووسيلتا اتصال النعمة الحقيقي للذين يقبلونهما بالإيمان. وإنَّه بممارستهما تتعرف كنيسة المسيح بربها وتتميز عن العالم تميزًا منظورًا ».
الأسماء الإنجيليِّة لفريضة العشاء الرباني
ومن قراءتنا للنصوص الإنجيليّة، نرى أنَّ العهد الجديد يُطلق على فريضة العشاء الرباني، عدة أسماء، منها:
1) عشاء الرب (1كورنثوس 11: 20).
2) كأس البركة (1كورنثوس 10: 16، قارن أيضًا متى 26: 26).
3) مائدة الرب (1كورنثوس 10: 21).
4) شركة جسد المسيح (1كورنثوس 10: 16).
5) الأفخارستيا (متى 26: 26-27).
6) كسر الخبز (أعمال 2: 42، 46).
ولا يُطلق أبدًا على العشاء الرباني مُسمى «ذبيحة» لأنَّ هذا إهانة بالغة لشخص المسيح الذبيح، وانتقاص لما فعله على الصليب، الذي قدَّم نفسه قربان واحد، وذبيحة واحدة، وهكذا أكمل إلى الأبد المقدسين (عبرانيين 10: 11-14).
عناصر فريضة العشاء الرباني، وتوقيت ممارستها
استخدم المسيح في تأسيسه لفريضة العشاء الرباني عنصرين فقط، هما، الخبز والخمر، وفي حين تتمسك بعض الطوائف باستخدام الخبز غير المختمر اقتداء بما فعل الرب يسوع، فإنَّ الكنيسة الإنجيليّة لا تعلق أهميّة كبيرة على نوع الخبز، لأننا نؤمن بأنَّ الحرف يقتل (2كورنثوس 3: 6)، كما أنَّ السر ليس في نوع الخبز، لكنه في الإيمان الذي نتناول به الخبز لكي نتمتع بالفوائد الروحيِّة؛ كما يؤمن الإنجيليّون أنَّ عنصري العشاء الرباني لا يتحولان إلى ذات لاهوت المسيح وناسوته، أو يحويان ذات جسد المسيح ودمه، بل أنَّ المسيح يرافق هذا العشاء بحالة روحيّة إلى قلوب الذين يتناولون منه بالإيمان، دون أن يطرأ على العشاء تغيير ما .
أمَّا عن توقيت ممارسة فريضة العشاء الرباني من المنظور الإنجيلي، هل مرة أسبوعياً؟ أو شهرياً؟ أو سنوياً؟ ومَن الذين يحق لهم التناول من العشاء الرباني، الأطفال أم الكبار فقط؟ وما هو موقف النساء من التناول؟
مع أنّه ليست لدينا وصية واضحة تحدد الوقت واليوم الذي يجب أن نُمارِس فيه سر العشاء الرباني، إلا أنَّ المسيح قصد أن نمارس العشاء الرباني مراراً وتكراراً، لتذكيرنا بموته لأجلنا وبوحدتنا في جسده، وللتبشير به إلى أن يجئ، وفي هذا يقول كالفن: «أما مسألة وقت استعمال العشاء، فليس ثمة قاعدة ملزمة للجميع، ولكن إذا تمعنا في الغاية التي قصدها الرب من العشاء يجب أن ندرك بأن استعماله ينبغي أن يكون أكثر مما يفعل بعض الناس، لذا يجب أن نُثبِّت العادة في كل الكنائس لممارسة العشاء بالكثرة التي تسمح بها قدرة الشعب، وعلى كل فردٍ في موقعه أن يعدَّ نفسه لتناوله عند ممارسته في الجماعة العابدة ".
ويحق لكل مؤمنٍ، رجلٌ أو امرأةٌ، أن يتقدم للتناول من العشاء الرباني، وقد أوضح العهد القديم أنَّ الرجل والمرأة والأطفال كانوا جميعًا يلتفون حول الاحتفال بالفصح، وقد علَّم العهد الجديد أيضًا أنَّه في المسيح "لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غلاطية 3: 28). كل الذين اعتمدوا للمسيح بالإيمان صاروا أبناءً لله، وحلَّ فيهم الروح القدس، وبالتالي لا يوجد مانعٍ جسدي أو طبيعي يمنع أي رجلٍ أو امرأة من التناول، في حين لا يجوز لغير المؤمن التناول.
وفي هذه النقطة يبقى سؤال أخير: مَن الذي يحق له تقديم عنصري فريضة العشاء الرباني؟ وهنا يجيب دستور الكنيسة الإنجيلية في مادته (103) قائلًا: "لا يَتَرأس خدمة العشاء الرَّبَّانِيّ سُوى قسّيس مُرْتَسم، ولا يشترِك معه سوى القسوس المُرتسمين" والشيوخ
العشاء الرباني والدروس الروحيِّة
1) العشاء الرباني تذكارٌ، حيث يذكر الرسول بولس «إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي» (1كورنثوس 11: 23، 24).
2) العشاء الرباني إقرارٌ، فالمشتركون في العشاء الرباني يقرون بإيمانهم بالمسيح مصلوبًا، وباتكالهم عليه لنيل خلاصهم.
3) العشاء الرباني إعلانٌ، أي الإخبار بموت الرب وعمله لأجلنا وهذا ما نحتاج إليه وكتبه الرسول بولس «فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (1كورنثوس 11: 26).
4) العشاء الرباني واسطة للبنيان: فهذا السر يرسم للمسيحي أعظم حقائق إيمانه، ويحرك عواطفه ويزكي محبته للمسيح، ويقوي إيمانه ويذكره بواجباته المتنوعة لربه ولكنيسته وللعالم. وينمي فيه الفضائل المسيحيِّة.
5) العشاء كشركة: المعنى العائلي الذي يربط الأخوة معاً «كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟» (1كورنثوس10: 16)، ففي العشاء الرباني تجتمع الكنيسة كأهل بيت واحد، أهل إيمان واحد برب واحد.
6) العشاء كإشارة لمستقبل الكنيسة وهذا ما يجب أن تتجه إليه أفكارنا عند تناول المائدة، تتجه إلى مجيء الرب ثانية، وهذا ما يذكره الرسول بولس في الحديث عن العشاء حين يقول: «فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (1كورنثوس11: 26)،
أخيراً، إذ نتناول فريضة/ سرَّ العشاء الرباني بالإيمان بحسب ترتيب الرب، نصير شركاء حقيقيين في الجوهر الحقيقي لجسد يسوع المسيح ودمه، وهذا ما يتم بقوة الله السريَّة والعجائبيّة، وأنَّ روح الله هو رباط الشركة، لذا يُسمى «روحي» .