التناول من وجهة نظر إنجيلية
7/31/2023 12:00:00 AM
التناول أو عشاء الرب فريضة أمر بها الرب يسوع المسيح له كل المجد وقد نجدها في الكتاب المقدس بأسماء متعددة مثل: عشاء الرب (1كو11: 20)، كسر الخبز (أع2: 42)، شركة دم وجسد المسيح (1كو10: 16)، كأس البركة (1كو10: 16)، ومائدة الرب (1كو10: 21). أطلقت بعض الكنائس على هذه الفريضة الأفخارستيا أي الشكر وذلك تبعا لما فعله المسيح عند ممارسته لهذه الفريضة عندما شكر وكسر وأعطى التلاميذ (مت 26: 27).
مؤسس فريضة عشاء الرب هو شخص المسيح بنفسه (مت26: 26-28 ؛ مر14: 22-24 ؛ لو22: 17-20) ثم سلمها لتلاميذه من بعده ثم تسلمتها الكنائس المختلفة حسب قول بولس "لأني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزا وشكر وكسر وأعطى تلاميذه" (1كو11: 23).
فريضة عشاء الرب لها مغزى هام لعدة أسباب: هي تذكار بالمسيح وعمله الكفاري لأجلنا فكما كتب بولس عن قول المسيح في هذه الفريضة "اصنعوا هذا لذكري" (1كو11: 24)، كما أن هذه الفريضة بمثابة عربون الميثاق أو العهد الجديد، فكما كتب البشير لوقا"هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي" (لو22: 20)، فعشاء الرب يرمز إلى دم المسيح الذي هو علامة العهد الجديد الذي يضمن غفران خطايا كل من يقبل عمل المسيح الكفاري، فكما كتب البشير متى "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28). تؤكد أيضا هذه الفريضة وحدة المؤمنين فكما كتب بولس الرسول "فإننا نحن الكثيرون خبز واحد جسد واحد لأننا نشترك في الخبز الواحد" (1كو10: 17). هذه الفريضة أيضا هي إعلان لشركة المؤمنين معا فعشاء الرب هو شركة جسد المسيح وشركة دم المسيح (1كو10: 16). فريضة العشاء الرباني هي أيضا إخبار وإعلان عن موت المسيح ونبوة عن مجيئه ثانية في نهاية الدهر "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ" (1كو11: 26). هذه الفريضة أيضا تقود المؤمنين للبنيان، فهي تجدد في كل مؤمن محبته للمسيح والإيمان به وتنبهه إلى هدف خدمته والواجب المطلوب منه ناحية المؤمنين والعالم بأكمله.
هناك بعض الأمور التي يجب توضيحها بخصوص ممارسة هذه الفريضة المقدسة. العناصر المستخدمة في هذه الفريضة هي الخبز وعصير العنب المختمر كمادتان تشيران إلى جسد الرب ودمه. وكما فعل المسيح عندما شكر وكسر الخبز وأعطى لتلاميذه وكذلك الكأس أيضا، لذا فيجب أن تحتوى هذه الفريضة عند ممارستها على صلوات شكر لأجل المسيح وعمله الكفاري، أيضا لابد أن تحتوي على صلوات توبة وتكريس لأن من يأكل ويشرب من مائدة الرب دون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه لذا فإنه من الضروري أن يمتحن الإنسان نفسه قبل التناول وتقديم توبة على خطاياه. يجب أن تحتوي هذه الفريضة أيضا على كسر الخبز وتقديمه للمؤمنين كذلك الكأس أيضا، وكما اشترك المسيح مع تلاميذه في مائدة الرب كذلك يجب على القس الاشتراك مع المؤمنين في تناول الخبز والكأس. من الضروري أن تتم هذه الفريضة بطريقة دورية فقد كانت الكنيسة الأولى تجتمع يوميا كما جاء في (أع 2: 46) أو أول كل أسبوع كما جاء في (أع20: 7)، والواضح أن الكتاب المقدس أكد على أن الكنيسة كانت تواظب على ممارسة هذه الفريضة (أع2: 42) لذا فمن الضروري أن تمارس هذه الفريضة بانتظام. المطالبون بالاشتراك على مائدة الرب هم المؤمنين الحقيقيين الذين يحيون حياة الطاعة للمسيح، لذا فمن الضروري أن يمتحن كل مؤمن نفسه قبل التناول لتقديم توبة وتكريس لله حتى لا يأكل ويشرب دينونة لنفسه (1كو11: 27-29).
هناك عدة أراء حول كيفية حضور المسيح في عشاء الرب. الكنائس الطقسية تؤمن بعقيدة الاستحالة أي أن الخبز وعصير العنب المختمر يتحولان إلى جسد حقيقي ودم حقيقي أثناء الصلاة. هناك أيضا رأي زونجلي الذي أكد على أن عشاء الرب هو مجرد تذكارا لموت المسيح وشهادة لإيمان الشخص بالمسيح دون أي حضور جسدي أو روحي للمسيح في الخبز والكأس. كان لمارتن لوثر رأي أخر في هذا الأمر فقد رفض فكرة التحول الكامل للخبز وعصير العنب لجسد ودم حقيقيين لكنه أكد وجود اتحاد لجسد المسيح ودمه مع عناصر المائدة دون تغيير لخصائص الخبز والعصير الظاهرة، بمعنى أن الخبز لا يصبح جسد المسيح المادي ولكن يكون جسد المسيح المادي حاضرا في ومع وتحت الخبز وكذلك الأمر أيضا بالنسبة للكأس. هناك رأي رابع للمصلحين بخصوص حضور المسيح في عشاء الرب حيث يؤكد هذا الرأي أن حضور المسيح في عناصر المائدة يكون حضورا رمزيا وروحيا وليس حضورا ماديا، فالخبز وعصير العنب المختمر لا يتحولان إلى جسد ودم حقيقيين كما أنهما لا يحتويان بأي كيفية على جسد ودم المسيح الحقيقيين لكن المسيح يكون حاضرا بطريقة روحية ورمزية في عناصر المائدة أثناء ممارسة هذه الفريضة، وبذلك تكون لفريضة العشاء الرباني فاعلية عظيمة في بنيان المؤمنين وتقوية وتكريس حياتهم الروحية. الرأي الرابع هو الرأي الذي يتفق معه أغلب الإنجيليون حيث أن هذا الرأي يتفق مع تعليم الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة الأولى وشهادة العقل والحواس. كما أن هذا الرأي لا يخالف تمامية ونهائية ذبيحة المسيح التي قدمت مرة واحدة وإلى الأبد (عب9: 25-28)، ولا يخالف أيضا الوصية الواضحة في الكتاب المقدس بالنهي عن شرب الدم (تك9: 4 ؛ لا3: 17).