الإنتماء الوطني في الكتاب المقدس
8/7/2023 12:00:00 AM
الإنتماء الوطني يعني الإرتباط الوجداني والفكري والمعنوي بالمكان والزمان، وهذا الإنتماء لايكون بمعزل عن الإنتماء العقائدي أو الديني الصحيح والأخير هو صلب الإنتماء الوطني.
وبلا شك فإن الإنتماء الوطني يسبق الإنتماء الديني لأن الإنسان منا قد ولد وجاء إلى الوطن قبل إن يعي الإنتماء إلى الدين، فالأديان قبل الأوطان حسب تسلسل الخليقة ووجودها منذ الأزل، وبكل تأكيد لايقلل سبق الإنتماء للوطن إرتباطنا بالدين، بل أن الأخير يعزز الأول ويكرسه في نفوسنا.فأنت تذهب إلى المدرسة لكي تتعلم، وليس لأنك متعلم فتدخل المدرسة ..فالطبيعي أن وجودك يسبق تعليمك
وفي الكتاب المقدس وحسب قراءاتي البسيطة لم ترد عبارة الإنتماء للوطن بشكل مباشر، ولكنها جاءت كثيرا في مواضع ومواقف مختلفة في الكتاب المقدس في سياق الكلام وبمفهوم أعمق لكلمة الوطن والوطنية وكلاهما مرادفان لكلمة الإنتماء.
وما سبق يقودني لما جاء في إنجيل متى الأصحاح الثالث عشر والٱية أربعة وخمسون ( ولما جاء إلى وطنه ) أي يسوع وهي عبارة تعني الكثير ..عبارة تكشف كم كان السيد المسيح له المجد مرتبطا بوطنه وجدانيا ونفسيا وإجتماعيا ..لأن هذه العبارة قد وردت بعد أن كان قد سبقها حوارات ومشاق كثيرة بذل من قبل السيد المسيح مع تلاميذ في المرور على الكثير من القرى والنجوع وهو يعظهم كيف أنهم ينظرون المعيشة الحياتية بإيمان من خلال السير معهم ويشير إلى كل ما يقوله بأمثال لكي يدركوا الغرض والهدف من مجيئه من السماء للأرض وهو ما جعله يبذل الكثير من الجهد والعناء لكي يصل بما يريد إلى أذهانهم حتى وصل به الحال إلى أنه يريد العودة من المكان الذي كان به ضيفا إلي حيث جاء أى مكانه الذي ينتمي إليه إلى وطنه ..كما هي تلك العبارة قاصدة ومؤثرة في قلب كل من يدرك معنى الوطنية والوطن ..يسوع يعود إلى وطنه ..أى بعد عناء وتعب شديد يكرز ويعلم في أماكن بعيد ..جاء إلى وطنه ..قمة الإنتماء والوطنية التي يغرزها فينا معلمنا وقدوتنا في كيف يكون الوطن في قلوبنا ..هذه واحدة من الٱيات الكتابية التي تبين إلى أى حد كيف يكون إنتماؤنا للوطن الذي ولدنا ونعيش فيه وكيف أنه يسكن فينا أيضا، ولايمكن أن نعيش حياة الإيمان بمعزل عن إنتماؤنا للوطن.
بل أنني أتصور أن إيماننا سيظل ناقصا طالما لا نعيش الإنتماء للوطن بشكل حقيقي .. فإذا كان الإيمان عقيدة فأنني أتصور أن الإنتماء أيضا عقيدة ولايمكن الفصل بينهما والعيش بواحدة دون الأخرى، لأنه حسبما أرى فأن عدم وجود إنتماء لدي أى منا للمكان الذي نعيش فيه بل الذي ولدنا فيه فإن ذلك يفقدنا سلامنا الداخلي وأيضا المحبة وهي إحدى روافد الإيمان المسيحي وبالتالي سوف تخرجك من دائرة الإيمان.
كان يسوع أيضا حريص في أن يكرس في مفهوم تابعيه والمؤمنين به قضية الإنتماء إلي بيته وأهله وهي جزء مهم من الإنتماء الوطني وهذا ما نراه في إنجيل مرقس الاصحاح الخامس وفي الٱية التاسعة عشر عندما قال لمجنون كورة الجدريين والذي أراد أن يصاحب السيد المسيح في جولاته عندما شفي فقال له السيد المسيح له المجد : اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك.
وهي عبارة شديدة الأهمية أى أذهب صدر السعادة لبيتك وناسك وأهلك وعائلتك ثم بعد ذلك يأتي الجانب الديني بأن تخبرهم بما حدث معك وما صنعه معك الرب ورحمك ممن أنت فيه .. وهي ٱية أتصور أنها مقسمة إلى جزأين الجزء الأول يعني الإنتماء ناحية البيت والأهل والجزء الثاني يذهب بك إلى معتقدك الديني وما طرأ عليك من جراء مقابلتك لرب المجد .. إذن نحن أمام شقين ..الشق الأول الولاء والإنتماء للوطن المتمثل في البيت والعائلة والشق الثاني الإنتماء الديني أو العقيد وهما متلازمان لايمكن العيش بواحدة منهما بمعزل عن الأخرى