الإنتماء الوطني محور تعاليم الإنجيل
8/14/2023 12:00:00 AM
الإنتماء الوطني لدي المسيحيون الإنجيليون يتلخص فيما قاله بولس الرسول لأجل المسئولين عن الوطن في رسالة تيموثاوس الأولى ( 2: 1-2 ) عندما قال فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ،" وهو أمر يحتاجه أي وطن ويتمناه كل وطني
ويتطلب من كل مؤمن ألاّ يحمل حقداً لأحد وأن يقوم بكل ما هو إيجابي بغرض البناء والأصلاح في بلده، بل و يصلي لأجل القادة لكي يعطيهم الرب الحكمة والإرشاد في إدارة شئون البلاد وهو أمر تقتضيه الوطنية والإنتماء
وهذا الاعتقاد المسيحي نحو القائمين على شئون الوطن هي مرتّبة من الله (رو13: 1)، وبأنَّ الحكّام هم خدام الله لأجلنا للصلاح (رو13: 4)، وهذا على وفق قول الكتاب «إن قلوب الملوك في يد الله» (أمثال 21: 1)
والذي لا يغيب عن أى مسيحي مؤمن هو أن الإنجيل يعد المحور الرئيسي في الإنتماء الوطني وقد تناول الأنجيل مصر بشكل خاص عندما ذكر في سفر التكوين هذا القول "كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ".وأيضا الإنتماء الوطني هو عشق المؤمنين في مصر فهي التي كانت الملاذ الٱمن السيد المسيح في طفولته حماية له من بطش هيرودس.
والوطنية هي نبراس للمسيحيين والإنتماء طريق الحياة والراحة مثلما كان الرب يسوع يفعل ذلك تجاه وطنه ويقول عنه الكتاب " وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ " أي أن النموذج والقدوة للمسيحيين والتي تتمثل في السيد المسيح أنه كان يجول في بلاد عديدة صانعا الخير ثم العودة إلى مكان الدفء والحنان والراحة من العناء في كنف وطنه وفي (مت9:1) وجعل كفر ناحوم مركز للاجتماع مع الناس ، فالأنتماء احتياج إنساني فجميعنا نشعر بالفخر عند سماع عند العيش في الوطن حتى عندما نسمع النشيد الوطني تتلامس المشاعر مع الوطنية مما يعني أن الإنتماء للوطن هو شعور داخلي وليس مظهر خارجي ولعل مشهد أورشليم وغيرة السيد المسيح على بلده عندما وجد الفوضى تسودها وقد سجلها البشير متى في أصحاح 23 :37)،وأيضا البشير لوقا في أصحاح 13 :34)" عندما صرخ بأعلي صوته قائلا :- «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ... كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!
فأنه بالرغم من تعدد الجرائم التي ارتكبها قاطني أورشليم من أبناء وطنه في حق الأنبياء والمرسلين إلا أنه كانت لديه غيرة وحب شديد لها حتى أن وليم ماكدونالد قال عن هذه الٱية " قد قتلت الأنبياء ورجمت المرسلين إليها، ومع ذلك أحبّها الربّ وكثيرًا ما أراد أن يجمع أولادها لنفسه بكل محبّة وحماية كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولكنّها لم تُردْ ذلك".
والربّ يسوع له كلّ المجد يشبه نفسه في أشواقه تجاه أورشليم وطنه بمشاعر الدجاجة عندما تحضن صغارها لتحميهم وليس كالأفاعي التي تهرب أمام النار، فلا توافق التعاليم المسيحية على التشهير بنقاط ضعف في الوطن أو تصيد الضعفات لمبرر لنكران الجميل أو التهرب من المسؤوليات الوطنية .
و في العهد القديم عندما سبى شعب إسرائيل لبابل كتب المرنم في مزمور137 عن مرارة الغربة والبعد عن الوطن وقال " عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا، بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ." وصف المرنم مشاعر الحنين للوطن وبالرغم أنه لم تكن لليهودية وكل إسرائيل نهر عظيم يضاهي نهر الفرات إلا أنه لم يعوضه عن بلده، فقد تكون بلدنا ليست أجمل أو أغنى بلد في العالم ولكن ستظل الوطن .. الوطن لنا.
النبي أرميا كان يتألم لأجل وطنه وشعبة في (أر9 :1)" يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي. "فقد طلب أن تتحوّل عيناه إلى ينابيع دموع حتّى يرثي لنكبات وطنه
ويذكر القس الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر في كتابه نحو لاهوت عربي معاصر: "أن الترانيم هى وسيلة فعالة في نقل رؤية لاهوتية واجتماعية وسياسية ،فالترانيم من خلال الكلمات واللحن تعكس العلاقة بين الفكر اللاهوتي والثقافة السائدة" والتعلق بثقافة وسياسة والوضع الإجتماعي لبلدك هو جزء مهم جدا من تراث الإنتماء الوطني.
فالمسيح دائما كان يعود لوطنه برسالة الحب والسلام وهذا بحسب الفكر الكتابي "اطلبوا سلام المدينة.. وصلوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام" (إش 29: 7) فالسلام هو الطريق الوحيد لتحقيق الصالح العام، والسيد المسيح قدم للمسيحين نموذج للمواطن الصالح فشفى المرضى والتطبيق العملي له اليوم هو العمل على فتح مستشفيات أكثر لتحمل العلم كرسالة حقيقية في تخفيف الألم عن الناس مثل السير مجدى يعقوب الذى قدماً نموذج رائع للمواطن المصري القبطي بأمانته العلمية وبحفظ الجميل لوطنه .
بل إن إحترام القوانين هو جزء من الإنتماء الوطني وهو ما حثتنا عليه تعاليم الكتاب المقدس عندما قال " فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ" ، وكتب المفسر ديفيد كوزيك في تفسيره لهذه الآية "الحكومات أداة مفيدة في كبح جِماح آثار الطبيعة الساقطة للإنسان" .
وأيضا في القول «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِلله"
والمسيحية لم تطرح كعقيدة بديلة للمواطنة ولكنها تأكد دائماً أن الوطن للجميع فمن خلال قصة السامري الصالح يؤكد أن الإيمان المسيحي يرفض الصراع العرقي أو العقائدي ويؤكد من خلال هذه القصة أنه قد يختلف الناس في العقيدة ولكن هم أقرباء بعمل الخير تجاه بعضهم البعض.
ولعل الكيان الإنجيلى الهام " الهيئة القبطية الأنجيلية" تقدم الفكر والمحبة المسيحية تجاه الوطن في أبهى صوره دون تفرقة بين هذا وذاك.
حتى أن مركز دراسات الشرق الاوسط بكلية اللاهوت الإنجيلية المشيخية قد أسست من منطلق إنتماء وطني دبلومة التراث العربي للطلاب من المسيحيين والمسلمين لإحداث نوع من الوحدة بين أبناء الوطن الواحد مما يعمق روح المواطنة والإنتماء الوطني وهو مكون ثقافي أستمده المسيحيون من تعاليم الكتاب المقدس التي تحضهم على الخضوع للسلطات حتي تعيش البلاد مستقرة كوطن للعباد. ولعل بعض الطقوس داخل دور العبادة في الكنيسة من صلاة وترانيم تحث على الوحدة والإنتماء والعمل على تنمية البلاد والعباد.