آراء و أقلام إنجيلية

مفهوم الجهاد في المسيحية

  • بقلم: ق. رفعت فتحي

المعنى اللغوي للجهاد هو بذل الجهد أو الكفاح في سبيل تحقيق هدف ما. ويمكن فهم الجهاد في المسيحية من خلال بعض النصوص والتعاليم الكتابية التي تشير إلى فكرة الجهاد بمعاني مختلفة، مثل:
الجهاد للدخول إلى ملكوت الله: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق، فإني أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون"(لوقا 13: 24).
الجهاد ضد الشر والخطية: " لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون"(غلاطية 5: 17).
الجهاد للحفاظ على الإيمان: "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أكملت السعي، حفظت الإِيمانِ" (رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 4: 7).
الجهاد للصبر في المحن: "الذي به تبتهجون، مع أنكم الآن-إن كان يجب- تُحزنون يسيرًا بتجارب متنوعة، لكي تكون تزكية إيمانكم، وهي أثمن من الذهب الفاني، مع أنه يُمتحن بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح"(رسالة بطرس الأولى 1: 6-7).
الجهاد للصلاح والخير: " فلا نفشل في عمل الخير، لأننا سنحصد في وقته، إن كنا لا نكلّ"(غلاطية 6: 9).
إن المسيحية هي دين يقوم على تعاليم السيد المسيح، الذي دعا إلى الحب والسلام والعدل والرحمة. قال السيد المسيح: "تُحِب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك"(إنجيل متى 22: 37-39). وقال أيضًا: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسيئون إليكم ويضْطَهِدُونَكُمْ"(إنجيل متى 5: 44). لذا، يجب على المسيحي أن يتصرف بروح المحبة والتسامح والغفران، وألّا يقابل الشر بالشر، بل بالخير.
ولكن، في التاريخ المسيحي، هناك بعض الأحداث التي ارتبطت بفكرة الجهاد أو الحرب المقدسة، مثل حروب الفرنجة-التي عُرفت بالحروب الصليبية- التي شنها الغرب ضد بعض البلاد العربية في الشرق خلال القرون الوسطى بدوافع دينية، أو حروب التحرير التي خاضتها بعض الشعوب المسيحية ضد المستعمرين أو المستبدين. هذه الأحداث لا تعبر عن التعاليم المسيحية بشكل صحيح، وإنما تعبر عن ظروف سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أثرت على فهم المسيحية.
ورغم أن المسيحية تؤمن بأن هذه الحروب التاريخية كانت خطأً كبيرًا، وأنها لا تعبّر عن تعاليم السيد المسيح أو روح المسيحية؛ فإن هذا لا يعني أن المسيحية تقبل التطرف والإرهاب دون أن تُبدي مقاومةً أو اعتراضًا؛ بل تدين المسيحية كل أشكال الظلم والعنف والتخريب التي تستهدف الأبرياء وتزعزع الأمن والسلام. فالإرهاب هو جريمة ضد الإنسانية، ولا يبرره أي دافع أو دين. وهذا ما عبّر عنه البابا فرانسيس بقوله: "لا يوجد دين يبرّر الإرهاب، ولا يجب أبدًا أن نستخدم اسم الله لتبرير العنف. فالعنف هو اختزال للدين".
كذلك، ترفض المسيحية التطرف الديني، الذي يؤدي إلى التشدد والغلو والانغلاق. فالتطرف الديني هو تشويه للدين، وانحراف عن رسالته. التطرف الديني هو مرض، وكل الأديان تعاني منه. لذلك، يتعامل المسيحيون مع التطرف والإرهاب بموقف مبني على المبادئ الإنسانية والدينية، ويسعون إلى مواجهتهما بالحوار والتعاون والتثقيف والوقاية. فالمسيحية تؤمن بأن الحل للتطرف والإرهاب لا يكمن في المزيد من العنف والانتقام، بل في المزيد من العدل والسلام. وأتذكر كلمات البابا فرنسيس إننا لا يمكن أن نحقق السلام بالحروب، ولا يمكن أن نحقق العدل بالظلم، ولا يمكن أن نتغلب على الإرهاب بالأسلحة، بل بالتضامن والحب.