الجهاد المسيحية ... من منظور كتابي
9/11/2023 12:00:00 AM
السؤال: هل في المسيحية جهاد؟ وهل ناد السيد المسيح بالجهاد؟ وأي جهاد وضد مَن نجاهد؟! تأتي إلينا الإجابة من الكتاب المقدس. فعند دراسة الموضوع نجد أن كلمة جهاد ومرادفاتها تذكر في الكثير من المواقف، وعلى فم اشخاص كُثر. إلا أننا نجد أن الكلمة في كل المواقف معناها لا يختص بدفع الإنسان للحرب والصدام بالمفهوم العالمي على الإطلاق، بل تأتي في المعنى الأصيل للكلمة هو حث الإنسان على حب الله والإنسان، وبذل كل الجهد لفعل الخير والرحمة وتجنب الشر ومقاومته حتى الدم! أي فقد الحياة.
وكلمة "الجهاد" في اللغة تعني "الاجتهاد" أي "جهد حثيث" يبذله الإنسان (فكر وعمل) لأجل شيء يرغب في الحصول عليه أو إعلانه. وعند التأمل نجد أن كلا المفهومين كل منهما يكمل الآخر، فالاجتهاد (التدبر والتفكير) إنما هو لون من الجهاد العلمي، والجهاد (العمل والمثابرة) إنما هو نوع من الاجتهاد العملي أيضًا. فأنه لا توجد فائدة من الاجتهاد إن لم يجد من يقوم بالتنفيذ، وكذلك الجهاد يكون بلا قيمة أن لم يجد من يحفظ ما تم انجازه أو الحصول عليه.
عزيزي القارئ. يختلف الفكر والتوجه عندما ننظر للكلمة في المفهوم العالمي المشوش من الأحداث في التاريخ. عن المعني المقصود بالكتاب المقدس أي (في المسيحية). فمن ينظر إلى الحروب الصليبية والصراعات المذهبية في اروبا ودول اخرى كثيرة. يختلط عليه الأمر في فهم معنى الجهاد الذي يقصده الله في الكتاب المقدس. ولتوضيح ذلك نذكر الآتي:-
أولاً: فكرة الجهاد في المسيحية.
1- أول ذكر لكلمة جهاد بالعهد القديم تأتي في سفر التكوين على فم (الله) الظاهر ليعقوب في صورة ملاك:"فَقَالَ:" لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ"(تك32: 28). وذلك عندما بات يعقوب منفردًا وصارع ملاك حتى الفجر، وباركه وغير اسمه من يعقوب إلى إسرائيل.[هذا جهاد أو صراع للحصول على البركة الإلهية]، تتضح الفكرة بمراجعة (هوشع12: 3-4).
2- وتأتي الكلمة بمعنى الرفض التام وعدم استخدام الجهاد بالمعنى العالمي عندما قال الرب يسوع:" أَجَابَ يَسُوعُ: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا"(يو18: 36).
وهنا نرى الله يقبل من الإنسان الجهاد معه ويبارك يعقوب، ونرى السيد المسيح يعلن رفضه التام لجهاد الإنسان السافك للدم. حتى ولو كان الجهاد لأجل الدفاع عنه. وهذا يوضح بجلاء فكرة المسيحية عن الجهاد المطلوب والذي أعلنه الرسول بولس عندما قال:" جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ"(1تي6: 12).
ثانيًا: شروط الجهاد في المسيحية.
1- جهاد قانوني. يقول الرسول بولس لأبنه في الإيمان تيموثاوس:" وَأَيْضًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ، لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا"(2تي2: 5). وكلمة قانونيًا أي حسب وصايا الله.
2- جهاد الالتزام. أي في كل مناحي الحياة. في ذلك يقول الرسول بولس:" وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى"(1كو9: 5)، لاحظ يضبط نفسه أي يتحكم في نفسه، ويلتزم بالحياة المسيحية النقية لأنه يبتغي أن يكون صورة المسيح. لكي يفوز بالحياة الأبدية (الإكليل الذي لا يفنى).
ثالثًا: ميادين الجهاد في المسيحية.
1- الجهاد للحصول على البركة. كما يعقوب بن اسحق (تك32: 28)، وهذا يتطابق مع قول الرب يسوع:" اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ،... (لو13: 24)، هذه دعوه للاجتهاد للحصول على بركة الحياة الأفضل. راجع (1بط1: 10،3: 14).
2- الجهاد في الإيمان. اي جهاد الثقة في الله والحياة لتمجيده. لذلك يقول الرسول بولس: "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ"(في1: 27)، يا له من تحريض عظيم ومبهر، فهو يقول أتريد أن تكون مجاهدا لأجل الإنجيل لا سبيل لك إلا أن تعيش تعاليم الإنجيل. (في4: 3، كو1: 29، 2تي4: 7). وبذلك ينتشر الإنجيل من خلال حياتك التي تصبح إنجيل معاش. هذا هو الجهاد القانوني.
3- الجهاد في الصلاة. فالصلاة في المسيحية ليست طلبات أو كلمات محفوظة تردد في أوقات معينة وطريقة معينة، بل هي صلة عميقة وتواصل فعال مع الله في محبة وخضوع، وفي سهر وجهاد. يقول الرسول بولس ويطلب من الأخوة" فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ،"(رو15: 30) راجع (كو4: 12)
4- الجهاد ضد الألم. هذا جهاد المسيحي الحقيقي. فهو يجاهد ضد الشر الذي في سلوكيات الحياة، والرسول يذكرهم بالحياة بعد معرفة الرب وما حدث من محاربات شيطانية ضدهم من اضطهاد وقتل. فيقول:" وَلكِنْ تَذَكَّرُوا الأَيَّامَ السَّالِفَةَ الَّتِي فِيهَا بَعْدَمَا أُنِرْتُمْ صَبَرْتُمْ عَلَى مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ"(عب10: 32)، يوضح ذلك الرسول فيقول:" وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ"(2تي3: 12). لكن ما يفرح قلوبنا مأ اختبره الرسول ويؤكده لنا "وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا"(رو8: 37).
5- الجهاد ضد الخطية. هنا يؤكد الرسول للمؤمن الحقيقي أن جهاده سوف يستمر في حياة الدنيا مع أعداء الحياة النقية. (العالم- الجسد- الشيطان) الذين هم المصدر الرئيسي للخطية في الحياة فيقول له: " لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ،."(عب12: 4)، نعم رفض الشر وإعلان الحق قد يكلف فقد الحياة، وهذا ما حدث مع استفانوس. وعلى المؤمن الحقيقي أن يكون على استعداد لذلك. برفض الخطية والسلوك في نور الحياة في المسيح يسوع.
عزيزي القارئ.
هذه فكرة بسيطة عن الجهاد في المسيحية بحسب فكر الله في الكتاب المقدس. فهل رأيت الفارق الشاسع بين فكر الله وفكر البشر عن الجهاد؟ وهل أنت مجاهد مع الله لأجل البركة والحياة النقية؟ أم أنك تجاهد...!!!