آراء و أقلام إنجيلية

الرؤية

  • بقلم: ق. محسن منير

قام أحد المعاهد الأكاديمية لإدارة الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية بإجراء استبيان لمجموعة من المديرين التنفيديين كانوا يتلقون محاضرات في «الاستراتيجية والقيادة»، ولقد أسفر هذا الاستبيان عن بعض المؤشرات الهامة، فقد أقر ٦١٪ من الحضور بأن «الرؤية» تمثل واحدة من أكثر ثلاث مهارات أهمية وضرورة لقادة الأعمال في كل العالم مع مهارة التعامل الفعال مع تنوع الحضارات، ومهارة قدرات التواصل المؤثر. وبالتبعية فإن الهيئات التي تستطيع أن تحدد رؤية واضحة وتبلورها في إطار مؤسسي ستنال ميزة تنافسية كبيرة بالإضافة إلى اكتساب ولاء العاملين بها.
فإذا كان العالم في سعيه لاستمرار النجاح وتحقيق الأرباح، وجد في «الرؤية» سبيلاً لذلك...
فهل أبناء العالم أحكم من أبناء النور؟؟
تحتاج الكنيسة أن تتيقن أن إتمام رسالتها وتحقيق مقاصد خدمتها في العالم الذي تعيش فيه سيكون مختلفًا تمامًا إذا تحركت وفق رؤية واضحة ونحو التشجيع على تبني هذا التوجه من خلال هذه الدراسة سأقوم -باختصار- ببلورتها في ثلاث نقاط:
١- تعريف الرؤية.
٢- سمات الخادم الرؤوي.
٣- مبادئ ومفاهيم عامة.

أولاً: تعريف الرؤية Vision:
الرؤية vision تختلف عن الرؤيا Revelation والتي تعني الإعلان الإلهي أو الشريعة. كما جاءت في أمثال ٢٩: ١٨ «بلا رؤيا يجمح الشعب، أما حافظ الشريعة فطوباه».
الرؤية ليست شيئًا غيبيًا أو مبهمًا أو غامضًا، لكنها هي العملية التي تحرك المستقبل نحو الحاضر فهي تمثل تفعيل مبكر للمستقبل. لأنها هي تصور ذهني مستهدف وواضح المعالم يرتبط بالمستقبل ويمكن بلورته في أهداف واضحة ومحددة. لذا هي تمثل تجاوز لما هو قائم فعلاً من خلال إدراك واعي لانتظارات الرب من كنيسته في المستقبل. ومما سبق نستطيع أن نلخص مفهوم الرؤية بأنها تصور ذهني، المستقبل محوره، الماضي والحاضر أساس انطلاقه وتتحقق وفق تحرك مدروس وواضح ومحدد يتبلور في أهداف واضحة ومحددة.
ثانيًا: سمات الخادم الرؤوي:
- يستطيع دائمًا أن يرى إمكانية أخرى غير ما هو قائم أو معتاد أو شائع، فهو دائمًا يكتشف الجديد ويرى إمكانية تحقيقه، لذا فهو من يستطيع أن يقوم بتحليل وتقييم الحاضر والماضي ليرى المستقبل بصورة أكثر وضوحًا.
- قادر أن ينثر بذور رؤيته في نفوس الآخرين فتصنع جذورًا لها لتجد طريقها بعد ذلك إلى الواقع الملموس.
- هو يمثل القناة التي تربط بين عالم الفكر المحلق وعالم الواقع المعاش في نتائج ملموسة.
- قادر على التحرر من أسر المفاهيم المتوارثة السائدة والتي قد تكون معوقة ليتمكن من طرح مفاهيم جديدة تناسب الرؤى الجديدة أو تنطلق منها رؤى جديدة.
ثالثًا: مبادئ ومفاهيم عامة:
(١) يجب أن تكون الرؤية واضحة ومحددة مرتبطة بمكان [البيئة التي ستتحقق فيها] وزمان يتمثل في خبرات الماضي والحاضر وانتظارات المستقبل.
(٢) لكي تنطلق وتتحقق رؤية ما، يستلزم الأمر توفر عوامل أساسية مثل خدام أصحاب رؤية، فكر لاهوتي واضح ينطلقون منه ويستندون إليه، منظومة قيم راقية يتمسكون بها مصدرها فهم واعي للكلمة المقدسة، كل ما سبق مع توفر إرادة قوية ومستمرة لتحويل الرؤية إلى واقع معاش.
(٣) تتجسد الرؤية في خطة عمل واضحة ومحددة ويلزم أن يتوفر فيها أولاً فهم كتابي واعي لما يريده الله، تحديد منطقة جغرافية تتحقق فيها الرؤية مستهدفون محددون تتحقق معهم الرؤية، قائمة محددة وواضحة بأنشطة قادرة على تحقيق الرؤية في أرض الواقع، تصور محدد للنتائج المنتظرة من تحقيق الرؤية.
(٤) أهمية وجود إدراك مبكر بأنه لابد من قبول واستيعاب واستعداد لتحمل مشاق تحقيق الرؤية.
(٥) يوجد باقة من الثوابت الواجب إدراكها والالتزام بها لتكون مصدر معونة في تحقيق الرؤية الواضحة المعالم مثل بناء فريق عمل قادر على العطاء والعمل كفريق، التركيز على البشر قبل الحجر، الفحص الدائم والمتجدد للدوافع الداخلية لتبقى دائمًا نقية وإيجابية، عدم الاستسلام للفشل والعثرات في الطريق.
(٦) لكي تتحقق الرؤية لابد من توفر بعض العناصر المؤثرة والضرورية مثل وجود هيكل تنظيمي ملائم لأهداف الرؤية، تحديد واضح للأولويات، توقع وقبول إمكانية وجود مشاكل ومعوقات، الإصرار والاستمرار في الإنجاز. وبناء على ذلك لابد أن الهيكل التنظيمي يكون قادرًا على إتاحة مسؤولية اتخاذ القرار بصورة متدرجة من القيادة الأعلى حتى مستوى قيادات الحقل الفعلي مع استمرار الإشراف. أما بالنسبة للأولويات فلابد أن يكون هناك اهتمام واضح بنوعية الأشخاص الذين سيشاركون في التحقيق الفعلي للرؤيا في الواقع المعاش، أما بشأن توقع وقبول وجود مشاكل، لابد من توزيع متدرج على كل المستويات يمنح مسؤولية اتخاذ القرارات لأشخاص محددين في كل مستوى مما يتيح سرعة وكفاءة التعامل مع ما يطرًا من مشاكل أو معوقات في حقول تحقيق الرؤية.

وفي الختام على كل الخدام إدراك أن التحرك في حقول الخدمة وفق رؤية مسبقة ضرورة وليس ترف وأن الرؤية للمستقبل لا تعني إهدار الماضي والحاضر، لكن الرؤية ضرورة لأنها هي القادرة على أن توقظ وتحرك وتشعل الحيوية والهمة والإرادة في الخدام في حقول خدمتهم في تعددها وتنوعها نحو مستقبل أفضل.