المسيحية بين الجهاد والاجتهاد
10/2/2023 12:00:00 AM
الحياة المسيحية هي عبارة جهاد وإجتهاد، سواء على مستوى حياة المؤمن الداخلية أو الخارجية. والتكاسل في الإجتهاد لا يليق بالمسيحية, والحقيقة إن الجهاد الأعظم هو حفظ الإنسان نفسه بلا دنس في العالم.
عن الاجتهاد: (رو 12 : ۱1) "غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ،،"
وفقًا للعقيدة المسيحية، إن الإجتهاد يعني أن نكون مسئولين في إلتزاماتنا تجاه الله، والإجتهاد معناه، التفاني والعناية في تنفيذ وصايا الله كشيء من الفضيلة، بالإضافة إلى أن الإجتهاد يشمل النظر إلى الله والنفس ومع الآخرين, والاجتهاد مع الله يعني الوفاء بالإلتزامات تجاهه.
إن إلهنا الصالح لا يريد من المؤمن أن يكون كسولاً أو متواكلاً، بل نشيطًا مجتهدًا في كل جوانب حياته العملية نشيطًا متفوقًا، فالرب يوبخ الكسول قائلاً "اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا." (أم 6:6).
وفي السلوك المسيحي أصبحت الحياة المسيحية التقية صعبة بسبب تحديات عديدة منها مواجهة الأخلاقيات الفاسدة وإنتشارها الرهيب، ومن ثم علينا أن "نَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا،" (عب ١٢:١) لذا الأمر يتطلب جهدًا وإجتهادًا من المؤمن لإظهار مجد المسيح وهذا ما ينصح به الرسول بطرس أخوته قائلاً "وَلِهذَا عَيْنِهِ، وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ، قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً" (2بطرس1: 5).
نماذج كتابية عن الإجتهاد في المسيحية:
القارئ للكتاب المقدس بعهديه يجده مليء بنماذج من المؤمنين الذين اجتهدوا في حياتهم العملية.
ففي سفر التكوين نجد في شخصية يوسف نموذجاً رائعاً للإجتهاد في الحياة العملية من عدة جوانب فمثلاً نراه:
- وهو في بيت أبيه: يقدم طاعة تامه لأبيه ويسافر قدماً المسافات الطويلة للسؤال عن أخوته. (تك 37).
- وأيضاً في بيت فوطيفار: يعمل بكل اجتهاد ونشاط فأنجحه الرب في كل عمله (تكوين39).
- وعندما كان في بيت السجن: نراه دءوب في عمله ويخبرنا الكتاب "وَكُلُّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ هُنَاكَ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ." (تك39).
- وفي قصر فرعون: يتصرف بحكمة في تفسير الأحلام، ويجمع القمح ويخزنه، ويبيع القمح, فكانت النتيجة أن "جَاءَتْ كُلُّ الأَرْضِ إِلَى مِصْرَ إِلَى يُوسُفَ لِتَشْتَرِيَ قَمْحًا، لأَنَّ الْجُوعَ كَانَ شَدِيدًا فِي كُلِّ الأَرْضِ." (تك ٤١)
بركات في آيات: مما لاشك فيه أن للاجتهاد بركات كثيرة منها:
- بركة الغنى: (أم 10: 4) "اَلْعَامِلُ بِيَدٍ رَخْوَةٍ يَفْتَقِرُ، أَمَّا يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ فَتُغْنِي"
- بركة الارتقاء: (أم 12: 24) "يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسُودُ، أَمَّا الرَّخْوَةُ فَتَكُونُ تَحْتَ الْجِزْيَةِ."
- بركة الكرامة: في (أم 22: 29) "أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ!"
أما عن الجهاد:
الجهاد في المسيحية، هو جهاد روحي وليس جهاد حربي، جهاد يتحدى النفس لا الآخر، فينتصر على شهواته، ويسمو على رغباته.
فالجهاد الحقيقي هو جهاد الروح بالنعمة فيك ومعك ولأجلك إذ قال الرسول بولس "لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ." (رو13:8).
وهذا الجهاد له جانبان الأول ايجابي والأخر سلبي:
الايجابي: هو جهاد روحي في حياة التوبة والصلاة والصوم واقتناء الفضائل المسيحية والحفاظ عليها (1تي ٦:١٢) "جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ."
السلبي: المقصود به جهاد ضد الشيطان وروح العالم والخطية, وعلينا أن نكون في مقاومة وجهاد ضد الخطية "لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ،" (عب 12: 4)
جهاد الحياة التقوية العملية: (2تي ٢:١٥) "اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ ِللهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَةِ."
علي المؤمن الفرد أن يهتم بأن يكون في تقوي. وأن يجاهد لتكون حياته العملية في تقوي لتتزكى أمام الله وتكون قدوة للناس.
كما قيل عن ايوب إنه (أي ١:١) "كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ."
جهاد الثبات في الدعوة الإلهية: (2بط ١:١٠) "لِذلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ، لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا."
من هنا نري إنه علي المؤمنين من لهم امتياز هذه الدعوة أن يجتهدوا, وأن يجعلوا دعوتهم وإختيارهم ثابتين, لأن الله أفرزهم بروحه القدوس عن العالم، وأختارهم للمجد، لكن إذ ارتدوا يخسروا كل بركات امتياز الدعوة, بل يجتهدوا، والجهاد يجعل الدعوة والإختيار ثابتيين وبدون الجهاد يَزِلْ الإنسان ويتعثر كالأعمى ويخسر دعوته وإختياره.
جهاد انتظار رجاء الحياة الابدية: (2بط ٣:١٤) "لِذلِكَ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هذِهِ، اجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ."
هذا الرجاء يدفع الكنيسة للجهاد الروحي والمثابرة على أن تحيا فى بر وأعمال صالحة، حتى تتحد بعريسها السماوي (رؤ2:21) "ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ."
يجب ألا نكون متراخين متكاسلين بدعوى أن المسيح لم يأت حتى الآن. بل بالعكس ينبغي أن نعبر بحياتنا عن الانتظار المتلهف لمجيئه. فما الحال الذي تود أن يجدك عليه المسيح عند مجيئه؟ وهل ذلك هو أسلوب حياتك اليومي، أو الجهاد الذي تستهدفه