آراء و أقلام إنجيلية

حتمية مشورة الله للبحث عن حياة أفضل

  • بقلم: ق. سامي حنا باسيليوس

الحديث عن الهجرة والبعد عن الأهل والأصدقاء الذين تقاسموا معنا كل شيئ في حياتنا هو حديث ذات شجون، وله مدلول نفسي وجسدي وروحي .. ويكون الأثر متباين في مثل هذا القرار ....ولعل مثل هذه القرارات مثلما ذكرت لها أبعاد عدة والسؤال هل هذا القرار نابع عن بعد ذاتي أم بعد التشاور مع القريبيين مني أو المحيطين بي والأهم هل حادثت الله في ذلك ؟ والأخيرة تحتاج منا أن نصغي جيدا لمعرفة حقيقة وتمييز صوت الله لي .. لأني الأمر يفرق كثيرا في حالة أن أكون متخذا لقرار مثل هذا من ذاتي دون الرجوع إلى الله .. لأن أي إتجاه عكس مشورة الله فيه ألم وتعب، وهذا ما يحدث للكثيرين الذين يعتمدون في قراراتهم على ذواتهم ومن ثم يعانون في حياتهم وهذا ما يحذرنا منه الكتاب المقدس في شواهد عديدة وأمثال حبه ذكرت بقرائن ووقائع محددة وواضحة.
ولعل ما يحدث فى هذه الايام من تفكيربعض شبابنا وربما ممن تجاوزوا مرحلة الشباب أيضا في السفر خارج البلاد بهدف البحث عن حياة أفضل حسب تصورات قلوبهم، أو مستوى معيشة أفضل وقد يكون هذا تفكيرا إيجابيا في حد ذاته لكن علينا أن نتعلم من نماذج عديدة في الكتاب المقدس إتخذت مثل هذه الخطوة دون مشورة الله فكانت العواقب ليست كما تصور ذهنهم في الخروج من بلادهم إلى بلاد غريبة وهذا لا يعني أننا ضد البحث عن حياة أفضل ولكن لابد وان يكون ذلك مصحوبا بمشورة الله سواء كان ذلك في داخل البلاد أو خارج البلاد فقد تناول الكتاب المقدس هذه القضية بصور عديدة ومتنوعة وفي كل ذلك كانت إرادة وقصد الله حاضة ولعل من أبرز هذه الوقائع أو الهجرة والبعد عن الوطن يتمثل في إرتحال إبرام إرتحالا متواليا نحو الجنوب متجها إلى مصر وأيضا أبنه إسحاق الذي إتجه إلى جرار وماحصداها الإثنان وما وقعا فيه كل منهما في خطية الكذب الصريح وكذلك وعلى غير رغبة الله ذهاب يونان النبى من يافا الى ترشيش وما حدث معه يبين أن البعد عن مشورة الله قد يكون أو في الغالب يسبب لنا تعبأ وأضرارا لم تكن في ذهننا البشري عندما أخذنا قرارا مثل ذلك.
ولعل ما ذكره لنا سفر راعوث عن واقعة نعمي وزوجها، وتجسيد نعمي ومعايشتها لهذه التجربة قد ترك لنا عظات وعبر عديدة ومتنوعة من الإعتماد على المفهوم البشري في إتخاذ مثل هذه القرارات والتي بكل تأكيد سوف تسبب لنا معاناة لم نكن أبدا تتوقعها ولا يمكن النجاة منها، إلا بالعودة إلى الله ووضع الأمر برمته أمامه حتى يتضح لنا مما أقترفناه في حق أنفسنا عندما أتخذنا طرقا وقرارات دون الرجوع الي الله وسماع صوته فيما نحن عازمون عليه.
ولعل في تجربة نعمي بفض النظر عمن تسبب في ذلك هل هي التي كانت صاحبة قرار مغادرة البلاد أم أن زوجها الذي كان وراء ذلك وهو ما لم يذكره سفر راعوث صراحة، لكن دعنا نعدد بعض الأسباب والنتائج من تلك الهجرة إلى بلاد بعيدة من خلال ما جاء في سفر راعوث ولعل أبرز هذه الأسباب تمثل في التالي : -

(١) أسباب روحيه
فهذه الهجره حدثت أيام حكم القضاه را ١: ١
وهنا نجد صفات هذا الزمن
ا- زمن فراغ
لم يكن ملك فى اسرائيل قض ٢١: ٢٥
ب- زمن شرير
فعل بنو إسرائيل الشر فى عينى الرب
وردت هذه العباره ٧ مرات فى سفر القضاه ٢: ١١- ٣: ٧- ٣: ١٢- ٤: ١- ٦: ١- ١٠: ٦- ١٣: ١
وقال الرب عن زماننا هذا أنه زمن شرير أيضا
ج- هو زمن إنفلات أخلاقي
كل واحد يفعل مايحسن فى عينيه ٢١: ٢٥

(٢) أسباب عائليه
ا- قرار يعكس الحاله المزاجيه
فمعنى أسم الرجل أليمالك (إلهى ملك) ومعنى أسم الزوجه نعمى(حلاوه) يسكنون فى مدينة بيت لحم (بيت الشبع) ولكن المشكله تكمن فى الحاله الروحيه للرجل فأكرمه الرب بولدين ترى ماذا يطلق عليهم من أسماء .. أسماء فيها تذمر وعدم رضا مما هم فيه سواء كان الزوج أو الزوجة فأطلقوا على أسم الاول محلون(مريض) كليون (هزيل) وهذا يعني أن الأسره غير راضيه عن وضعها الإجتماعى ولديهم عدم قناعه أنعكست على تسميته أبنائهما
ب- الخوف من الغد
صار جوع فى الارض را ١:١
ترى ماذا يحدث غدا اذا أشتد الجوع ومات الأولاد
ج- إختلال عجلة القياده
واضح من النص الكتابى أن المشوره والقياده كانت بيد نعمى لذلك هى التى وقع عليها التأديب الإلهى ويتضح ذلك عندما فقدت الزوج والابناء ويقول النص الكتابي عن ذلك " تركت المرأة من أبناها ومن رجلها" ١: ٥ ثم كان إعترافها الصريح أنها كانت سببا رئيسيا لما حدث عندما قالت لقد (ذهبت) ممتلئه وأرجعنى الرب فارغه ١: ٢١

(٣) أسباب اقتصاديه
را ١: ١ حدث فى ايام حكم القضاه أنه صار جوع فى الأرض
النتيجه را ١: ٢ فذهب رجل من بيت لحم يهوذا ليتغرب فى بلاد موآب
في أيامنا هذه تعانى كل الدول من الأزمات الأقتصاديه نتيجة فيروس كورونا هذه واحدة وأيضا الحرب الأوكرانيه- الروسيه، ولاسيما وإن هاتين الدولتين المتحاربتين تتحكمان مما أثر بالسلب على إقتصاديات كل دول العالم تقريبا
٢- نتائج الهجره غير الشرعيه
(١) الموت
أنها الكلمه المرعبه جدا للجميع لقد هربوا من الموت جوعا فى بيت لحم فدهمهم الموت فى موآب التى ظنوا أنهم فيها سيشبعون ففي را ١: ٣ مات أليمالك رجل نعمى را ١: ٥ ثم مات محلون وكليون فتركت المرأه من إبنيها ومن رجلها
(٢) الحزن
أى حزن وأى هم وأى غم عندما تذهب نعمى ومعها ثلاث رجال فتجد نفسها ومعها ثلاثة ارامل
(٣) الوحده
را ١: ٥ تركت المراه من إبنيها ومن رجلها أى وحده أى قهر أى شعور مميت هذا
(٤) الفراغ
را ١: ٢١ لقد ذهبت ممتلئه وأرجعنى الرب فارغه
أنه فراغ أسرى ومادى وعاطفى و نفسى و روحى نتيجة قرار خاطىء أعتمد على التفكير الذاتي دون العودة إلي الله ..الأمر الذي عادت معه منكسرة مما أصاب أهل بلدتها بالإندهاش عندما رأوها مرددين أهذه نعمى؟!!!
٣- الحسره
را ١: ٢١ لماذا تدعوننى نعمى والرب قد أذلنى والقدير قد كسرنى
بل دايما ما نردد حقيقة في الغالب وهو الخطأ يولد خطأ وهو ما حدث مع نعمي بعد أن أخطأت هي في حق نفسها ووجهت ربما دون أن تدري إتهامها الي الرب عندما قالت أنه أذلني وكسرني في حين لو أنها أخذت رأى الرب ماتحركت من بيتها ولا أصابها ما أصابها الا أن هذا الكلام يعكس مدى الكسره والحسره التى ألمت بها
٤- تركت عبره
وهذا هو المهم في الأمر أن ترك قبور أليمالك ومحلون وكليون فى بلاد موآب وموتهم غرباء أكبر عبره لمن لايعتبر وأبلغ عظه لمن لايتعظ أن موت الشباب غرقا فى المياه الدوليه على يد تجار البشر الذين لايرحمون هو أكبر عبره وعظه حتى فى عدم العثور حتى على الرفاة، ويضحى شبابنا اليافع مأكلا شهيا للقروش والحيتان

(٣) العلاج
١- الرجوع إلى كلمة الله وأخذ مشورته
مثل ما فعل يعقوب الذى حرم من أبنه يوسف لمدة ٢٣ عاما وعندما أخبره أولاده أن يوسف حيا صلى وطلب مشورة الله هل أذهب إلى مصر؟ ولم يتحرك إلا بعد موافقة الرب تك ٤٦: ١-٥ فما خاب من أخذ مشورة الرب فى كل تحركاته مهما كانت بسيطه وصغيره لقد قال الرب أنه يحفظ خروجك ودخولك لأن الإنسان يخرج من بيته ولا يعلم هل سيرجع سالما إلى بيته مرة اخرى؟!
٢- القناعه والإكتفاء
أما التقوى مع القناعه فهى تجاره عظيمه ١تى ٦:٦ ومن له قوت وكسوه فليكتف بهما ١تى ٦: ٨
وعندما كانوا يلتقطون المن نجد أمرا عجيبا هو أن من إلتقط كثيرا لايفضل عنه ومن إلتقط قليلا كان يكفيه خر ١٦: ١٨ ولما كالوا بالعمر لم يفضل المكثر والمقلل لم ينقص كانوا قد إلتقطوا كل واحد على حسب أكله
٣- التمسك بالأمل
فالرب يعينها عند إقبال الصبح أى فى أشد ساعات الظلام حلوكة .. يتدخل الرب ببزوغ فجرا جديدا يحمل أملا جديدا وغدا سعيدا فلنكن موقنين أننا فى يد راعى حنون وقدير وأب محب وحنان ورحيم ولا نكن مثل الجندى عديم الإيمان الذى قال ألعل الله يفتح كوى السماء فداسه الشعب فى الباب فمات ٢ مل ٧: ١٧ وهنا يتضح لنا من كل ما سبق حتمية اللجوء إلي مشورة الله في كل ما يتعلق في بحثنا عن حياة أفضل لأن الله هو من يحدد ذلك ولأى وجهة يمكننا أن نتحرك ومن ثم علينا أن نرتقى بحياتنا الروحيه لكي نعيش فى ملء المشيئه الإلهية،