المسئولية المجتمعية للكنيسة
10/16/2023 12:00:00 AM
يعتقد البعض أن الكنيسة يقتصر دورها على الكرازة والدعوة للحياة الأبدية من خلال الجانب الروحي، أما الدور المجتمعي فهو مجرد دور ثانوي للكنيسة.
الكتاب المقدس يحدثنا كثيراً عن مسئولية الكنيسة المجتمعية، لا أن تكتفي بأن تكون حياة وسلوك أبنائها بلا لوم،أنقياء،أولاداً بلا عيب (فيلبي 2: 15)، وهذا ما يتصوره بعض المسيحيين المؤمنيين دون أن يدركوا أن مسئوليتهم ليست قاصرة على الذات فقط، ولكن يجب أن يمتد إلى خارج حياتهم أي إلى المجتمع الذين يعيشون فيه "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" متي 5-16.
الدكتور القس أندريه زكى في كتابه " المسيح والنقد التاريخي" طرح سؤالا في غاية الأهمية يجيب على تلك النقطة عندما قال ما معناه "ما أولوية الكنيسة الكرازة أم العمل المجتمعي ؟! وهو طرح هام ومفيد، لأنه يشغل بال الكثيريين من المؤمنين وقد أعتمد الدكتور أندريه زكي على تعاليم وسلوكيات السيد المسيح، حيث وجد فيه نموذج متفق عليه في كيفية تحديد الكنيسة لأولوياتها الروحية والمجتمعية.
أولاً:تعريف الملكوت:
في الصلاة الربانية (مت 6 :10) قال المسيح: "لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ"،عرف الملكوت على أنه حقيقة واقعة في الحاضر وأمل مستقبلي في وقت واحد، فنحن نسعى دائما لتحقيق المبادئ السماوية على الأرض من عدل ورحمة وسلام، لذلك فأن أهم تعريف للملكوت هو "التوحيد الأخلاقي للجنس البشرى عن طريق عمل يدفعه حب عالمي للقريب " وهذا الحب يجعلهم يعيشوا في علاقة صحيحيه مع الله والقريب والأرض.
ثانيا:الوصية العظمى:
وهذا يؤيده إجابة السيد المسيح على واحد من الكتبة عندما سأل عن الوصية العظمة في الناموس في (مر12:28-31)، وكانت إجابة المسيح " «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، و....
هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ" فمحبة بعضنا بعض بالفعل وليس بالكلام،ولا تقل عن أهمية محبتنا لله بل أقول هي الإثبات العملي لمحبتنا لله وكما قال الكتاب المقدس: لأنه «إن كنت لا تحب أخاك الذي تراه، فكيف تحب الله الذي لا تراه؟!» (1يوحنا 20:4).
ثالثاً:الجسد والروح:
وهنا تأكيد على أنه لا خيار بين الكرازة والعمل المجتمعي وذلك نابع من مبدأ أن جسد الإنسان وروحه غير منفصلين وهذا ما تأكده كلمه الله في رسالة يعقوب عندما سأل الرسول "مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ...إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا» وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟" (يع 2 :14-17).
رابعاً:معجزات المسيح:
إذا تابعنا معجزات السيد المسيح له المجد نجد أنها كانت تهتم بجسد ونفس الإنسان، فالرب كان يشفى الأجساد ويقدم التعاطف والتشجيع والتعزية ففي مثل العشرة البرص شفى المسيح العشرة برغم من علمه السابق برجوع واحد فقط ليشكره، ولكنه كان مهتم بشفاء أجسادهم ورفع الألم النفسي والجسدي عنهم فعندما أقام ابن أرملة نايين تحنن على الأرملة وأقام أبنها بالرغم أنه لم يذكر أي تغيير روحي بل تحدث عن التأثير النفسي حيث قال لها لا تبكي وأعاد لها الفرح بعودة أبنها من الموت.
خامساً:تعاليم السيد المسيح:
كان من خلال الأمثال يؤكد على العلاقة مع القريب، ورفع الظلم الإجتماعي من خلال مثل الأرملة وقاضى الظلم (لو18)، وفى الميراث حذر من الطمع (لو12)، وعدم التميز على أساس نوع الجنس حيث كان المسيح أول معلم يهودي يكون له تلميذات نساء، وشواهد كتابية كثيرة تؤكد تشجيعه للمرأة (لو 10 :39).
من خلال ما سبق نجد أن الدور المجتمعي جزء لا يتجزء من دعوة الكنيسة والذي يتمثل في نشر الوعي في العديد من القضايا المجتمعية ولاسيما المتعلقة بالمساواة والتكامل بين الجنسين، والتعليم، والتربية الصحيحة.
كل ما سبق هي أدوار ليست تكميلية فقط بل ضرورية في مسيرة الكنيسة في المجتمع الذي تعيش فيه،ولعل ما قامت به الإرساليات الإنجيلية من بناء المستشفيات والمدارس ودور الرعاية الإجتماعية المختلفة، مما أوجد لها دورا على أرض الواقع كلاهوت مصلح لأنه تعايش مع الإنسان جسدياً وروحياً.
وفى النهاية كل شيء وضع لأجل الإنسان فالإنسان هو محور الكون وكل ما خلق كان لأجله (مرقس 27:2)"ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ".
ومن هنا يمكن القول المؤكد والصحيح أن دور الكنيسة لايقتصر فقط على الكرازة، بل أن الخدمة المجتمعية للكنيسة هي الجانب العملي المكمل لإيمان الكنيسة داخل المجتمع الذي تقطنه، بحيث تتفاعل مع المجتمع في كل ما تتطلبه حياة الناس ..كل الناس من حولها دون تمييز وفي إطار لا يتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس في هذا الصدد
كان القس صموئيل حبيب رئيس الطائفة الإنجيلية الأسبق يرى أن الخطيئة تمثل سببا رئيسيا في التدهور المجتمعي، فمنذ اّدم وحواء، والإنسان لا يرغب في تحمل المسئولية ، ولا حتى مسئولية أفعاله، ويميل دائماً إلى الهروب والتنصل من مسئولياته ،وإلقاء اللوم على الأخرين.
فقد رفض اّدم من قبل تحمل مسئولية فعلته،وألقى باللوم على حواء، وهي أيضاً بدورها رفضت أن تتحمل مسئولية ما فعلته، وألقت اللوم على الحية. والسؤال أليس بعض المؤمنين يقعون في نفس الخطأ في وقتنا الحاضر بأننا نلقي باللوم على الاّخرين.
ينبغي أن ندرك أن مسئوليتنا تجاه المجتمع الذي نعيش فيه لا تقل بأي حال من الأحوال عن مسئوليتنا الروحية فهما وجهان لعملة واحدة.